2010/10/11

قياداتنا ورموزنا بين إساءة الظن وإحسانه

رسالة لأخي وصديقي د. ماهر الجعبري


الدكتور ماهر الجعبري الناطق الإعلامي باسم حزب التحرير بالنسبة لي أخ عزيز، فهو صديقي من أيام الطفولة، كما أنه جاري، وقد كان من السهل عليّ أن أحاوره فيما كتب ونحن خارجان من الصلاة في مسجد نمرة الذي نلتقي فيه كل يوم عدة مرات، ولكن وبما أن كلامه هذا منشور للعامة، فلا بد من أن يكون الرد عليه كذلك، وكلي ثقة أن خلافنا في الرأي، وهو خلاف منذ أمد بعيد، لن يفسد قضية الود بيننا كما لم يفسدها في السنوات الغابرة.
كتب أخي أبو ثائر مقالاً بعنوان "القيادات والرموز بين المحاسبة والتقديس"، وفي مقاله ذاك اتهم أبناء الحركة الإسلامية بأنهم يعانون من "حالة من التقديس أكثر فظاعة من تقديس الرؤساء، لا يمكن أن تقبلها أمة منحطة في الفكر فكيف تقبلها أمة إسلامية راقية؟"، وهو يعزو ذلك إلى أن "معايير الثقة بالقيادة وبحكمتها قد جعلت تلك القيادة فوق الأفكار وفوق الأمة وفوق المحاسبة".
مشكلة إخواننا في حزب التحرير هي أنهم يُعملون سوء الظن بنا كحركة إسلامية في المقام الأول، مع العلم أن سوء الظن هذا أمر منهيٌّ عنه شرعًا، فالله سبحانه وتعالى يقول:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " [الحجرات12]، والرسول  يقول في الحديث المتفق عليه "إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث"، والسلف علمونا أن نتعامل مع بعضنا بحيث لا نبادر لإساءة الظن قبل البحث والتنقيب، فقد قال جعفر الصادق رحمه الله:" إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا، فإن أصبته، وإلا، قل لعل له عذرا لا أعرفه"[رواه البيهقي]، وروى البيهقي كذلك عن محمد بن سيرين أنه قال:"إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد له عذرا، فقل: له عذر".
وسوء الظن في حالتنا هذه هو أن يكون الكلام محتملاً لأكثر من وجه، فيحمله إخواننا غفر الله لهم على أسوأ وجوهه، ويطعنون في نياتنا، ومع ذلك فنحن لا نريد منكم يا إخواننا أن تعاملونا بحسن الظن، لأننا لم نتعود ذلك منكم للأسف، وإنما نريدكم أن تحاكمونا إلى القواعد الشرعية التي تزعمون التزامكم بها، وأريدك يا أخي وصديقي أبا ثائر أن ترجع إلى كتب أصول الفقه والتي كتب فيها علماؤنا عن البيان وكيفية فهم كلام المتكلمين، وكيف أنه عندما يكون هناك كلام مجمل، والمجمل عندهم اللفظ الصالح لأحد معنيين لا يتعين أحدهما لا بوضع في اللغة ولا بعرفٍ في الاستعمال، فإنهم يعلموننا اللجوء إلى القرائن لفهمه، وكيف أنهم ذكروا أنه عندما يكون هناك لفظ مشترك فلا بد من الاجتهاد لتعيين المراد منه.
ومن هنا أقول لك ردًّا على سؤالك:"هل يمكن لأنصار حكومة حماس أن يسألوا رئيس حكومتهم في غزة ما معنى "السلام العادل" الذي يتحدث عنه في نغمة تزداد تصاعدا ؟"
نحن لسنا بحاجة إلى أن نسأل رئيس حكومتنا في غزة عن معنى السلام العادل، ذلك أن هذا المصطلح له معنيان، أحدهما يستخدمه الأمريكان والصهاينة وأتباعهم، وهم يعنون به سلب حقوقنا واستسلامنا لهم، والآخر هو الذي يفهمه المسلم بداهة من أصول دينه عندما يُذكر العدل، وليس للسلام العادل في مفهومنا إلا أنه السلام الذي يعيد لكل ذي حق حقه، وحقوقنا معلومة معلنة لم نتنازل يومًا عنها، ولم نُخفِها يومًا، فهل أنت مع هذا السلام العادل الذي ندعو إليه أم أنك لست معه؟!!
أما عن سؤالك ولمزك في كلام الأخ خالد مشعل حول أن المفاوضات تحتاج إلى أوراق قوة؟ وكأنك تريد أن توحي أننا نلهث وراء المفاوضات ونبحث عن مكان فيها، فأقول لك: إن اعتراضنا ليس على مبدأ المفاوضات كمبدأ، لأن المفاوضات بمعناها الدارج وهو أنها "محادثات سياسية تتم بين طرفين متنازعين من أجل تسوية سلمية للقضية المتنازع عليها، ويعمل كل طرف على الحصول على تنازلات من الطرف الآخر"، ليست مستنكرة في الشرع، فقد فاوض الرسول  أعداءه في عمرة الحديبية، ووصلت مفاوضاته معهم إلى اتفاق، ولكن المشكلة في المفاوضات التي نعترض عليها تتركز في أمرين:
أولهما: أن المفاوض في رأينا يجب أن يكون متمسكاً بكل الثوابت التي هي ملك للأمة وليست ملكاً له ولا لفريقه، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن بذهب إلى المفاوضات وهو ينوي التنازل عن أي شيء منها.
والثاني: أن المفاوض لا يستطيع تحصيل هذه الثوابت بدون أوراق قوة بين يديه يستطيع بها إجبار خصمه على التنازل.
ومشكلة المفاوض الفلسطيني هذه الأيام هي أنه فاقد للأمرين معًا، فهو يذهب إلى المفاوضات وقد أعلن نيته التنازل عن حق الأمة في فلسطين التاريخية، وليس بين يديه ما يُمَكِّنه من تحصيل أدنى شيء، وليس لديه بدائل يلجأ إليها إن رفض الطرف الآخر إعطاءه الحق الذي يطالب به.
نعم، لو كانت الظروف مختلفة عن ما نحن فيه، فإننا سنوافق أن نذهب إلى المفاوضات، لنعرض على المحتل أن يقوم بترتيبات تضمن انسحابه من كل أرضنا المحتلة، وهي من البحر إلى النهر، ونفاوضه على ترتيبات انسحابه، وتوابع ذلك، ولكن ذلك غير متوفر في الظروف التي نحن فيها من تشرذم الأمة وخيانة حكامها وتكالب أعدائها عليها.
وأريد أن أختم معك أخي أبا ثائر بتذكيرك بموقف من سيرة الحبيب المصطفى  نتعلم منه كيف يتم فهم الكلام الصادر من شخص ما، ففي الحديث الذي رواه البخاري وغيره قال رسول الله  "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وهي عبارة كان يستخدمها أهل الجاهلية ويعنون بها معناها الظاهر، ولكن لما كان صحابة الرسول  قد علموا أنه لا يمكن أن يقول كلامًا يناقض القواعد الشرعية التي علَّمهم إياها، وإن إعمال النص على ظاهره يخالف هذه القواعد، لم يعترضوا بل استفسروا عن الكيفية التي يصح الكلام بها شرعًا فسأله أحدهم :"رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟" فجاءه البيان من المصطفى  :"تحجزه، أو تمنعه، من الظلم، فإن ذلك نصره".
أتمنى عليك أخي الحبيب أبا ثائر وعلى كل إخواننا في حزب التحرير أن تتعاملوا معنا بهذه الطريقة الشرعية، وهي أن تنظروا في كلام المتحدثين منا والناطقين باسمنا وفق موازين الشرع ومصطلحاته، لأننا أعلنا ونعلن وسنبقى نعلن أن مرجعيتنا الوحيدة هي الإسلام، وأننا بُرَءَاءُ من كل ما يخالف الإسلام، فإن استبهم عليكم شيء ولم تتضح لكم حقيقته فاسألونا فلسنا بعيدين عنكم، ولا تحاكمونا إلى مصطلحات غيرنا ولا إلى ظنونكم بنا، ولنتعامل بالقاعدة الذهبية التي ذكرها العلامة الشيخ رشيد رضا رحمه الله في قوله" نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه".
أسأل الله أن يريني وإياك الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه ويُريَنا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
أخوك م. عيسى الجعبري
وزير الحكم المحلي الأسبق

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...