مجدي
الجعبري.... موعد مع الحرية
كنت
أسمع باسمه دون أن أعرفه، فهو أحد أبناء عائلتنا، وهي عائلة كبيرة لا يتاح لك
التعرف على كل أفرادها، وكان قد اعتقل سنة 1997 وهو في العشرين من العمر، ولم أكن
قد التقيت به، ورغم أنني سجنت عدة سنوات بعد سنة 1997، إلا أنني لم ألتق به إلا في
بدايات سنة 2009 عندما انتقلت إلى سجن النقب، ودخلت قسم أ4 (المسمى قسم القفص)،
وهناك بعد أن قام الإخوة الأحباب بالترحيب بي وجلسنا في إحدى خيام حماس للتعارف،
وكنت أعرف أكثر من نصف الموجودين الذين كانوا نحو العشرين مجاهدًا قال لي أحد
الإخوة: هناك بيننا أخ من عائلة الجعبري، هل عرفته؟؟؟ نظرت في الوجوه فلم أستطع
تمييز من هو المقصود، وعندما عجزت عرفوني عليه فقمت وعانقته مرة أخرى، وشعرت
بالسرور لأن الله تعالى قدّر لي الالتقاء به، فقد كنت أسمع أيام سجني عنه أخبارًا
طيبة، وثناءً عاطرًا.
ومرت
الأيام وتوثق علاقتي بأخي (مجدي) فقد انتقلنا مع كل القسم أيامها إلى قسم جديد في
النقب (قسم الكرفانات ب7) وعشت مع مجدي في نفس الغرفة عدة أشهر مع ثلة من خيرة
الشباب، وبعدها أغلق القسم فتوزعنا، ثم عدت والتقيته في قسم ج6، وفي سجنتي الأخيرة
عشت وإياه في نفس الغرفة (غرفة 12 في قسم 9 في النقب).
هي
نعمة عظيمة ينبغي لنا أن نديم شكر الله تعالى عليها، تلك هي نعمة الالتقاء بهؤلاء
الشباب المجاهدين والتعرف عليهم واكتشاف معادنهم الأصيلة، هذا الاكتشاف الذي لا
يكون حقيقيًّا إلا في ظل المعاناة، ففيها تتكشف معادن الرجال على حقيقتها، وقد
برهن (مجدي، أبو البراء) أثناء سنوات سجنه الـ 15.5 على معدن أصيل لا تزيده المحن
إلا تألقًا.
سجن
مجدي مع مجموعة من خيرة شبابنا كانوا يشكلون خلية تابعة لكتائب القسام تعمل
بالتنسيق مع الشهيدين القائدين (عبد الله القواسمة، أبو أيمن) و(محمود أبو هنود)،
وكانت مجموعتهم مكونة من: مجدي الجعبري وباسم الجعبري وهاني الشريف وشادي غلمة،
وقاموا بعدة نشاطات جهادية، كان يفترض منهم أن يتوجوها بعملية خطف دربهم عليها
الشهيد (أبو هنود)، ولكن قدر الله قضى أن تفشل عمليتهم، وأن تلاحقهم قوات الاحتلال
بعد أن أثارت السيارة التي كانوا فيها الاشتباه، فهربوا بسيارتهم التي انقلبت بهم
أثناء المطاردة، وعندما جاءت سيارات الإسعاف لإنقاذهم وهم مصابون ظنوهم مستوطنين
لأنهم كانوا متخفّين بثياب المستوطنين المتدينين، ثم اكتشفوا أنهم مجاهدون
فلسطينيون فتم نقلهم إلى التحقيق وهم جرحى، ولاحقًا صدرت بحقهم أحكام رادعة فقد
حكم مجدي بالسجن 15.5 عامًا، وباسم 13.5 عامًا، وهاني 16 عامًا، وشادي 17 عامًا.
وفي
السجن عمل هؤلاء الشباب على الارتقاء بأنفسهم في مجالات شتى، أما مجدي فقد درس
اللغة العبرية وأتقنها إتقانًا جيدًا، وحفظ من القرآن قسطًا وافرًا، بالإضافة إلى
تميزه في العمل في مرافق السجن المختلفة، التي لم يترك مرفقًا منها إلى وعمل فيه
في خدمة إخوانه.
مجدي
يمتاز بالهدوء والتواضع والمبادرة إلى الخدمة، وإتقان لما يعمل، عندما كان يعمل
(ممثلاً للأسرى في قسم ما، دوبير أو شاويش بلغة الأسرى) فإنه يكون من أقوى
المدافعين عن حقوق إخوانه وإنجازاتهم، وبطريقة تجمع بين القوة والذكاء، وعندما كان
يعمل في المطبخ فإن له إبداعات وإتقانًا لا يتوفران للكثيرين، وأذكر أننا عندما
كنا معًا في غرفة 12 قسم 9 في النقب، وكنت أنا (الطباخ الرسمي) للغرفة فقد كنت
ألجأ إليه عندما تصعب عليّ إحدى الطبخات ليساعدني فيها، ففي إحدى المرات أحضرت لنا
الإدارة أقراص (اللفت)، ونحن في الخليل نطبخها ضمن (المحاشي) فنحفرها ونحشوها
بالرز ونطبخها (أذكر هذه المعلومة لأن الكثيرين من إخواننا في المناطق الأخرى
استغربوا قيامنا بحشو اللفت)، يومها قلت لهم إنني – وبما أنها المرة الأولى من
سنوات طويلة يأتينا فيها اللفت – فلن أغامر بطبخه لكم وأنا لا أتقن ذلك فقام مجدي
بتولي أمور الطبخة كاملة، وساعده عدد من الشباب في حفر اللفت، وكانت طبخة مميزة
سيظل أسرى غرفة 12 يذكرونها بسبب الأجواء الطيبة التي رافقت ذلك.
وكان
لمجدي في الرياضة في السجن صولات وجولات، فهو من الشباب الذين أدركوا أن إهمالهم
لأجسادهم سيراكم عليها السلبيات بسبب طول فترة سجنهم، فكان له برنامج رياضي يومي،
يبدؤه بعد (عدد الصباح) ويمارس فيه الرياضة نحو ساعة يوميًّا، فاستطاع بفضل الله
الحفاظ على صحته ولياقته رغم طول فترة سجنه.
الذكريات
كثيرة، وليس هذا المجال المناسب لذكرها كلها، ولكني سأذكر قصة طريفة حدثني إياها
مجدي وهاني عن أيام تدربهم مع الشهيد (أبو هنود) على عملية الخطف، فقد كان يفترض
أن يقود هاني السيارة، ويجلس مجدي في الكرسي الخلفي، وعندما يصعد (الهدف) يجلسونه
في الكرسي الأمامي بجانب السائق، وبعد التحرك يقوم مجدي من الخلف بوضع حبل حول
رقبته لمنعه من التحرك، فأراد (أبو هنود) التأكد من جاهزيتهم، فطلب منهم تمثيل ما
يجب فعله، وأخذ هو – رحمه الله – دور (الهدف)، وعندما وضع مجدي الحبل حول رقبته
قام بشدّه والضغط عليه لمنعه من التحرك، فقد كانوا يرغبون بإثبات جدارتهم لتنفيذ
المهمة، وبعد حين انتبه هو وهاني أن (أبو هنود) كان يشير بيده، وقد ازرقّ لونه،
وانقطع صوته ونَفَسُه، فقد كادوا يخنقونه من قوة شدَّ الحبل، وعندما أطلقوه قال
لهم: لقد تأكدت الآن من جاهزيتكم. وعندما حدثوني بالقصة قالوا لي: لقد كدنا نقتل
(أبو هنود) من شدة اندماجنا فيما كنا فيه.
كانت
هذه إحدى القصص الكثيرة التي لدى هؤلاء، منها قصص طريفة، وأخرى مؤلمة، قصص فيها ما
يدفعك للشعور بالفخر، وأخرى تؤرخ لتجارب فيها أخطاء يجب معرفتها ليستفيد الآخرون
منها، ويجمعها أنها جزء من تاريخنا النضالي الشفهي الذي يجب أن يتم توثيقه ما دام
أبطال أحداثه موجودين.
المهم....
غدًا الخميس 23/5/2013 تنتهي – بمشيئة الله تعالى – رحلة السنوات الخمسة عشر
والنصف التي قضاها مجدي خلف القضبان، ويتنسم عبير الحرية، ويزول عنه همّ السجن
ومعاناة الأسر، ويبقى الأجر إن شاء الله.
غدًا
موعدنا للالتقاء بالأخ الحبيب مجدي، وموعده هو للالتقاء بالحرية التي سعى لتحقيقها
لإخوانه الأسرى ودفع أحلى سنوات عمره ضريبة لذلك.
فأهلاً
بك يا أبا البراء في مدينتك التي قد أحببتها، بين أهلك الذين اشتاقوا إليك.
والعقبى
لبقية الأحباب.