أحاديث الآحاد، المشهور والعزيز
ذكرنا في الحلقة السابقة أن الخبر باعتبار طرق وصوله إلينا ينقسم إلى قسمين رئيسين، وهما: المتواتر، والآحاد.
وحديثنا
اليوم هو عن أحاديث الآحاد.
ما هي أحاديث الآحاد؟
(الآحاد)
في اللغة جمع (واحد)، وخبر الواحد أو حديث الواحد – في اللغة – هو ما يرويه شخص
واحد، وحديث الآحاد هو ما يرويه (آحاد) أي عدة أشخاص.
أما في
الاصطلاح، فأحاديث الآحاد هي الأحاديث التي لم تجمع شروط التواتر.
وعليه، ففي
الاصطلاح لا يقتصر لقب أحاديث الآحاد على ما رواه شخص واحد، بل يدخل في أحاديث
الآحاد ما رواه جمع من الرواة ولم يصل حدّ التواتر.
ما هي أقسام أحاديث
الآحاد؟
تنقسم
أحاديث الآحاد – بحسب عدد من رواها – إلى (3) أقسام، وهي:
- الحديث المشهور
- الحديث العزيز
- الحديث الغريب
وهنا لا
بدّ من التنبيه إلى أننا نعتبر – عند تصنيف الحديث وفق ما سبق –عددَ الرواة في أقل
طبقات سند الحديث.
ما هو الحديث المشهور؟
(الشُّهْرَةُ)
في اللغة تدلُّ على (وُضُوح الأَمرِ) وعلى (ظُهُور الشَّيءِ).
أما في
الاصطلاح فيجب علينا أن ننتبه إلى أن التعريفات الاصطلاحية قد تختلف من علمً إلى
آخر، فيكون لدينا نفس المصطلح، ويستخدمه أهل كل علمٍ استخدامًا خاصًّا بهم.
وعليه
فنقول:
المشهور –
في اصطلاح المحدثين – هو:(ما له طرق محصورة بأكثر
من اثنين).
أو بعبارة
أخرى: ( ما رواه ثلاثة فأكثر في
كل طبقة ما لم يبلغ حدَّ التواتر).
وهنا نعيد
التأكيد على أن وصف الحديث بالنسبة لوصوله إلينا بأنه مشهور أو عزيز أو فرد يعتمد
على عدد الرواة في أقل طبقة من طبقات السند.
والحديث
المشهور من أقسام الآحاد، ويطلق عليه بعض العلماء (المستفيض).
ما هو الحديث المشهور غير
الاصطلاحي؟
كما أسلفنا
فالتعريف الذي ذكر للحديث المشهور أعلاه هو تعريف علم مصطلح الحديث، وهناك أحاديث
كثيرة توصف وفق هذا العلم بأنها مشهورة ولا يكاد أغلب أهل العلم فضلًا عن غالب
الناس يعرفونها.
وفي غير
مصطلح الحديث يطلق وصف (الحديث المشهور) على ما اشتهر على ألْسِنةِ الناس.
والأحاديث
المشتهرة على ألسنة الناس قد يكون لها إسناد، وقد لا يكون لها إسناد أصلًا، وقد
أُلّفت كتب عديدة في بيان مرتبة كثير من هذه الأحاديث، منها:
- اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة، للزركشي (المتوفى: 794هـ)
- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، للسخاوي (المتوفى: 902هـ).
- الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة، للسيوطي (المتوفى: 911هـ).
- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، للعجلوني (المتوفى: 1162هـ).
ومن أمثلة
الأحاديث المشتهرة على ألسن الناس وليس لها أصل حديث (النظافة من الإيمان) فهو مما
ليس له أصل، بمعنى أنه لم يُروَ في أيٍّ من كتب الحديث المسندة بلفظه، ولو بسند
موضوع.
ملاحظة:
ليس معنى قولنا أن الحديث ليس له أصل أن معناه خاطئ، بل قد يكون معناه صحيحًا،
كالحديث أعلاه، وإنما نحكم في علم المصطلح على ورود الحديث بلفظه المنسوب إلى
النبي ﷺ.
والأحاديث
المشتهرة على الألسن قد تكون مشتهرة على ألسنة عموم الناس، كالحديث المذكور أعلاه،
وقد تكون مشتهرة بين فئة معينة من الناس:
فهناك
أحاديث مشتهرة بين الفقهاء عمومًا، مثل حديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) فإنك
لو بحثت كتب الفقه لوجدته في كتب المذاهب الأربعة، وهو حديث فردٌ لأنه لم يروه إلا
(مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ) عَنْ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ)، ففي طبقتين من سنده
راو واحد انفرد بروايته، والحديث مختَلَفٌ بين العلماء في الحكم عليه.
وهناك
أحاديث مشتهرة بين فقهاء مذهب معين، مثل حديث (لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ
مِطْلَاقٍ)، وهو مشتهر في كتب السادة الحنفية مع أنه ليس له أصل.
وهناك
أحاديث مشهورة بين النحاة، مثل حديث (نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يخف
الله لم يَعْصِهِ)، وبعضهم ينسبه إلى عمر رضي الله عنه، وهو لا أصل له، إذ لم يُرو
لا حديثًا ولا عن عمر بإسنادٍ في أي كتاب، كما قال ابن كثير والزركشي والسخاوي
والسيوطي، وذكر ابن حجر أنه وجده في كتاب لابن قتيبة بلا إسناد.
هل هناك ارتباط بين شهرة
الحديث الاصطلاحية وصحته؟
قلنا أن
الحديث المشهور هو (ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة ما يبلغ حدَّ التواتر)، وليس
من ضرورة ذلك أن يكون الحديث صحيحًا، إذ الحكم على الحديث بالصحة له شروط – ستأتي
في حلقات لاحقة بمشيئة الله تعالى – وليس منها تعدد الرواة.
والحديث
المشهور (الاصطلاحي)، وكذلك (غير الاصطلاحي) لا يوصف بكونه صحيحًا أو غير صحيح، إذ
يجب البحث في سنده ومتنه.
وفي
الأحاديث المشهورة الاصطلاحية تجد الصحيح، وتجد الحسن، وفيها الضعيف، بل والموضوع
أيضًا.
ما هو الحديث العزيز؟
هو في
الاصطلاح: ما رواه اثنان في أقل طبقة من طبقات رواته.
وقد جاء
وصفه بـ (العزيز) إما:
من (عَزَّ
/ يَعِزُّ) – بكسر العين – بمعنى قلَّ أو نَدُر، وذلك لقلّة وجوده وندرته.
أو من
(عَزَّ / يَعَزُّ) – بفتح العين – بمعنى قَوِيَ واشتَدَّ، وذلك بمجيئه من طريق
أخرى.
والمعتبر
في وصف الحديث بأنه (عزيز) أن لا يوجد في طبقة من طبقات السند أقل من اثنين؛ فلو
وجد في بعض طبقات السند – أو في بقيتها – ثلاثة رواة أو أكثر فإنه يبقى موصوفًا بـ
(العزيز)؛ لأن العبرة لأقل طبقة من طبقات السند.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق