2018/03/19

الأحاديث المردودة، المعلق (الحلقة 18)


الحديث المعلّق

سبق وتحدثنا عن ثلاثة أنواع من الحديث الذي فقد شرط اتصال السند، وهي:
المنقطع، والمعضل، والمرسل.
وحديثنا اليوم عن النوع الرابع منها، وهو الحديث المعلّق.
ما هو الحديث المعلق؟
الحديث المعلق – اصطلاحًا –: (هو ما حذف من مبدأ إسناده راوٍ فأكثر على التوالي).
وقد سمي هذا السنَدُ معلّقًا بسبب اتصاله من الجهة العليا فقط، وانقطاعه من الجهة الدنيا، فصار كالشيء المعلق بالسقف ونحوه.


ما هي صور الحديث المعلّق؟

يوصف الحديث بأنه (معلّق) إذا حُذف من تلقى منه مؤلف الكتاب الحديث، ويشمل ذلك أن يكون المحذوف أكثر من واحد، وعليه فإن الصور التالية تدخل في تعريف الحديث المعلّق:
أن يحذف جميع الإسناد، ثم يقال مثلًا: "قال رسول الله : كذا".
أن يحذف كل الإسناد إلا الصحابي، أو إلا الصحابي والتابعي، فيقول مخرج الحديث – مثلًا –: عن أبي هريرة أن الرسول  قال ....
أن يحذف شيخ الراوي فقط، فيذكر الراوي الحديث عن شيخ شيخه.
أن يحذف عدد من رواة أول السند متتالين.
وعليه فإنّ أي حديث يرويه أي أحد من الناس في عصرنا، بأن يقول قال ، ولا ينسبه إلى كتاب معتبر يعتبر حديثًا معلّقًا.

ما هو حكم الحديث المعلّق؟

الحديث المعلق في الأصل ضعيف، لأن السقط في السند يمنع من إمكانية الحكم على رجاله، أي (للجهل بحال المحذوف).

هل من مثال على الحديث المعلق؟

من أمثلة الحديث المعلّق قول الإمام البخاري:
ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي : (الفخذ عورة).
فالبخاري هنا حذف الرواة الموجودين في أول السند، وهم الذين وصله الحديث عن طريقهم، ولم يُبق من السند إلا آخره.

ما هي معلقات البخاري، وما حكمها؟

احتوى صحيح البخاري على كثير من الروايات المعلقة، وتأتي غالبًا في تراجم الأبواب (عناوين المواضيع).
وكان البخاري يذكر الحديث معلّقًا لأسباب عدة، منها:
(1) أن يكون الحديث ليس على شرطه في الصحيح.
(2) أن يكون قد رواه في موضع آخر بسنده المتصل، فلا يرغب بتكراره.
(3) الرغبة في الاختصار، ومن ذلك أن يكون قد روى في الباب ما يغني عن الإطالة بتخريج خبر تام إسنادًا ومتنًا زيادة على ما خرج.
أما عن حكم معلقات البخاري ففيه تفصيل:
(1) إذا كان البخاري قد ذكر بقية السند بصيغة الجزم، فقال: "قال فلان"، أو "ذَكَر فلان"، أو "حكى فلان"، فإنه بذلك يشير إلى أن الطريق الذي وصله الحديث إلى من ذكره من الرواة صحيح، فهو حكم بصحته عن المضاف إليه، ويحتاج البحث في بقية السند.
ومثال ذلك:
قال البخاري في باب قول النبي  (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا):
وقال صلة، عن عمار: (من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم ).
فالبخاري – هنا – علّق الحديث، فلم يذكر كيف وصله عن (صِلَةَ بْنِ زُفَرَ) الذي يرويه عن (عمار بن ياسر) رضي الله عنه، ولكنّ تعليقه إياه بصيغة (قال) التي تفيد الجزم مشعِرٌ أن الحديث وصل للبخاري من طريق صحيح.
والحديث صحيح، رواه: ابن ماجه، ح1645، وأبو داود، ح2334، والترمذي، ح686، والنسائي، ح2188، وغيرهم، وقد رواه هؤلاء من طريق (أبي خالد الأحمر، عن عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق، عن صلة، قال: كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه، فأتي بشاة، فتنحى بعض القوم، فقال عمار: من صام هذا اليوم، فقد عصى أبا القاسم )
(2) إذا ذكر البخاري الرواية المعلّقة بصيغة التمريض: كـ "قيل"، و"ذُكِرَ"، و"حُكِيَ"؛ فليس فيه حكم منه بصحته عن المضاف إليه. بل فيه الصحيح والحسن والضعيف، ولذا فيحتاج البحث في سنده للحكم عليه.
ومثال ذلك:
ما رواه البخاري في صحيحه في باب (ما جاء في الجنائز، ومن كان آخر كلامه: لا إله إلا الله) إذ قال: "وقيل لِوَهْبِ بنِ مُنَبِّه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: (بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك).
وهذا الأثر عن وهب بن منبّه رواه البخاري نفسه في كتابه التاريخ الكبير، فقال: (قال لي إسحاق: أخبرني عبد الملك بن محمد الذماري، سمع محمد بن سعيد بن رمانة، سمع أباه، عن وهب بن منبه، قال: لا إله إلا الله مفتاح الجنة، وليس من مفتاح إلا وله أسنان).
كتاب تغليق التعليق
ألف الإمام (ابن حجر العسقلاني) المتوفى سنة (852 هـ) كتابًا سماه (تغليق التعليق على صحيح البخاري)، وقد قام فيه بتخريج الروايات المعلقة الواردة في الصحيح،  وبيان من رواها مسندة.
 وقد حقق د. سعيد القزقي هذا الكتاب في رسالته للدكتوراة، وهو مطبوع في (5) مجلدات.
ملاحظة:ليس في صحيح مسلم حديث معلق سوى في موضع واحد.

ما حكم معلقات غير البخاري؟

ذكر بعض العلماء أن القاعدة فيما يوجد من المعلقات عند غير البخاري أنه حديث ضعيف حتى يعلم وصله من وجه ثابت، وذلك للجهل بدرجة الساقط من الإسناد.
ولكن آخرين من العلماء عمموا الحكم الذي سبق ذكره في معلقات البخاري على كل كتاب التزم مؤلفه بصحة ما فيه، فيحكم لها بالصحة إن ذكرها المعلق بصيغة الجزم.
إن قال المعلّق: جميع من أحذفه ثقات، جاءت مسألة التعديل على الإبهام، والجمهور: على أن هذا التعديل لا يقبل حتى يسمى الراوي؛ لأنه قد يكون ثقة عنده ضعيفًا عند غيره.

ما حكم بلاغات (موطأ مالك)؟

البلاغات هي قول المؤلف (وبلغني عن فلان أنه قال.... أو فعل ...)، وهي كثيرة في موطأ الإمام مالك بن أنس.
و(بلاغات) مالك في (الموطأ) هي من قبيل المعلقات، فلا يُجزم بثبوتها، بل الأصل فيها الضعف لانقطاع الإسناد، حتى توصل بإسناد ثابت.
وقد وجد كثير من (بلاغات) مالك موصولًا بإسناد ضعيف، أو ضعيف جدًّا، وإن كان كثير منها ثابتًا.

ما علاقة المعلق ببقية أنواع الحديث المنقطع؟

ذكرنا أن (المعلّق) هو ما أسقط المؤلف منه راويًا أو أكثر في أول السند.
وعليه:
فإن كان الساقط راويًا واحدًا، فالحديث معلّ، وهو منقطع كذلك.
وإن كان الساقط راويان فأكثر فالحديث معلّق، ومعضل كذلك.
أما إن كان السَقَط في منتصف السند أو في آخره، فليس من نوع المعلّق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...