2010/10/24

مشعل ودولة الـ67 وحزب التحرير

عندما كتبت مقالتي السابقة والتي عنونتها بعنوان"رسالة للناطق باسم حزب التحرير" كنت مدركاً أنني لن استطيع تغيير منهج التفكير عند الحزب، ولكنني قلت لنفسي فلأُعذر أمام الله، ولم أرغب في الرد على كثير من التساؤلات التي طرحت على صفحات شبكة فلسطين للحوار وعلى منتدى حزب التحرير وعلى مدونتي الشخصية، لأنني لم أرغب في أن ننشغل بجدلٍ عقيم لن يؤدي إلى نتيجة، وكنت أنوي أن لا أعود للحديث في الموضوع ذاته.
ولذلك عندما قرأت الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام عن تصريحات الأخ خالد مشعل لصحيفة "نيوزويك"، والذي جاء فيه "أكد خالد مشعل مدير المكتب السياسي لحركة حماس، أنه على استعداد لتقبل أي اتفاق يتم التوصل إليه مع الإسرائيليين بشرط موافقة أغلبية الفلسطينيين عليه- وفق ما جاء في صحيفة "نيوزويك" الأمريكية... " الخ. عندما قرأت هذا الخبر أدركت فورًا أن الإخوة في حزب التحرير سيتلقفونه ويؤولون الكلام ويحملونه ما لا يحتمل، وراودتني نفسي أن أكتب توضيحًا لذلك، غير أني تذكرت ما سبق وعزمت عليه من عدم الخوض في الموضوع هربًا من الجدل المذموم، وخصوصًا أن جراحنا ما زالت تثعب دمًا، وشبابنا ما زالوا تحت سياط الظالمين من كل مكان، والحرب ما زالت معلنة علينا من كل الجهات.
غير أني غيرت رأيي، وأرجو أن أستطيع جعلها المرة الأخيرة التي نخوض فيها مثل هذه النقاشات، وسبب ذلك أنه وصلتني رسالة في بريدي الالكتروني من أخي الحبيب د. ماهر الجعبري الناطق الإعلامي باسم حزب التحرير، والذي لن يغير ما بقلبي نحوه خلافنا، لأنني مقتنع أنه مخلص وإن كان مخطئًا في طريقه، وأدعو له بالهداية، يقول لي فيها:" السلام عليكم أخي الغالي عيسى - أبا خيري- ... لعلك لا تطلع على مثل هذه التصريحات:[ There is a position and program that all Palestinians share. To accept a Palestinian state on the 1967 borders with Jerusalem as the capital. With the right of return. And this state would have real sovereignty on the land and on the borders. And with no settlements. ] هذه رؤية واقعية حول قبول دولة في حدود 67 ولم تعد هنالك حاجة للحديث حول المرحلية، والله إن القضية خطيرة، كتبت مقالا لعلك تلاحظه غدا حول قبول حل الدولتين من قبل القيادات الإسلامية، آمل أن نتابع السياسة بعقولنا قبل قلوبنا، مع خالص مودتي.... أخوك: ماهر".
وطالعت صباح هذا اليوم موقع الحزب لأقرأ مقال د. ماهر فلم أجد المقال، غير أني وجدتهم قد كتبوا تعليقًا على الخبر المشار إليه، كان مما جاء فيه:" في تصريح خطير يدل على اختلال المرجعية، وتحكّم العقلية المضبوعة بأوهام الغرب وطريقته في حل المشاكل والبعد عن تحكيم شرع الله، واللجوء إلى تحكيم وتشريع البشر على الطريقة الديمقراطية الحرام، والتي تجعل من البشر آلهة من دون الله عبر جعل التشريع والسيادة للشعب قال مشعل..."، ثم ختموا التعليق بقولهم:" وأننا نتوجه مرة أخرى لإخواننا في حركة حماس وندعوهم لمحاسبة قادتهم والأخذ على أيديهم للكف عن هذا الترويض الحاصل والرامي إلى قبول التنازل عن أرض فلسطين ومقدسات المسلمين، فالإسلام أوضح من أن يغطى بغربال التصريحات الإعلامية" اهـ.
ولأنني لا أقبل لهذا التدليس أن ينطلي علينا، وأخشى أن ينخدع به بعض الناس، فقد عدت وعزمت على الكتابة حول هذا الموضوع، ومع أني أدرك ما وراء تصريحات الأخ خالد مشعل، وأثق بأنها لا تخالف أحكام الشرع وفق اجتهادنا، إلا أنني عدت للنص الأصلي للمقابلة – باللغة الإنجليزية – وتمعنت فيه، لأجد هل هناك مبرر لإخواننا في الحزب ليستمروا في موقفهم المسبق هذا، أم أنهم يترصدون الكلام ليقعوا على أخطاء فيه، فما الذي وجدته:
وجدت أن مشعل قال في جوابه على السؤال الأول في المقابلة:" من البداية ليس هناك مستقبل ولا أفق للمفاوضات، المفاوض الفلسطيني يذهب للمفاوضات بدون أية أوراق قوية للضغط على إسرائيل، ما الذي سيجبر نتنياهو على إعطاء المفاوض الفلسطيني ما يطلبه؟؟"
ثم عندما سئل عن موقف الحركة من حل الدولتين أجاب بقوله:"يمكنني الإجابة على سؤالك النظري، ولكن هذا أصلاً لا يتوقع أن يحدث. هناك موقف وبرنامج يشترك فيه جميع الفلسطينيين، لقبول إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 تكون القدس عاصمتها، مع حق العودة، وتكون لهذه الدولة السيادة الحقيقية على الأرض وعلى الحدود، وبدون وجود أي مستوطنات"، ولاحظوا معي أيها الإخوة أن الجملة الأولى والتي اعتبرت السؤال نظريًا وأن هذا الاتفاق افتراضي بحت لا أساس له، قد غابت عن نظر الإخوة من الحزب الذين كتبوا عن هذا الموضوع؟؟!!!
ولاحظوا معي أيضًا أن مشعل أعلن أن حماس ستقبل إقامة دولة على حدود سنة 67 بالشروط المذكورة، ولم يقل أن ذلك يعني الاعتراف بدولة إسرائيلية على بقية أرض فلسطين التاريخية، فهو قد ذكر العامل المشترك بين الفلسطينيين، أما قبول حل "الدولتين" فأين هو في كلامه؟؟ أو في كلام أيٍّ من قادة الحركة؟؟؟
والإخوة في الحزب يقولون في تعليقهم:" فهل عمي على مشعل السبيل لتحرير الأرض المقدسة؟؟؟ وأن قضية فلسطين ليست مشكلة تحل بالتفاوض أو الانسحاب من المفاوضات؟؟" فأقول لكم: يا من لم تقرؤوا المقابلة، وإنما أخذتم معلوماتكم مما فهمه محررو نيوزويك منها، وهذا من باب إحسان الظن بكم، وإلا فيمكنني أن أفترض أنكم قرأتموها و"طنّشتم" ما لا يوافق رأيكم فيه، ولكني لن أفترض ذلك من باب إحسان الظن الذي أدعو إليه، أقول لكم: اسمعوا ما قاله مشعل في المقابلة نفسها:
قال" خيار المقاومة هو الخيار الحقيقي، نعم نحن مع الدبلوماسية والسياسة، ولكن ينبغي أن يكون لدينا مقاومة، فالأساس هو المقاومة، ووجود بطاقات وأدوات الضغط على الإسرائيليين".
وقال:"يوجد احتلال وهذا يتطلب مقاومة، متى تتوقف المقاومة؟ عند الانتهاء من الاحتلال".
وقال:"الاحتلال غير قانوني، ولذلك فالمقاومة قانونية".
أنا لا أرى في كلامه هذا ما يدل على أن رأي حماس هو أن القضية تحل بالمفاوضات أو الانسحاب منها؟؟!!
وأريد أن أذكر إخواني من حزب التحرير وغيره أنه في موضع الجدل والحوار يجوز للمجادل أن يعلن قبوله بالمستحيل، إفحامًا لخصمه، ولنتذكر قوله تعالى"قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ. سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ"[الزخرف81-82]، فقد قال الإمام الطبري شيخ المفسرين في تفسيره:"معنى الكلام: قل يا محمد لمشركي قومك ... إن كان للرحمن ولد فأنا أول عابديه بذلك منكم، ولكنه لا ولد له،... وإذا وجه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه لم يكن على وجه الشك، ولكن على وجه الإلطاف من الكلام وحسن الخطاب، كما قال جل ثناؤه:" قُلِ اللَّهُ، وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ"، وقد علم أن الحق معه، وأن مخالفيه في الضلال المبين"، وقال القرطبي في تفسيره:"المعنى قل يا محمد: إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده، ولكن يستحيل أن يكون له ولد، وهو كما تقول لمن تناظره: إن ثبت ما قلت بالدليل فأنا أول من يعتقده، وهذا مبالغة في الاستبعاد، أي لا سبيل إلى اعتقاده".
ونحن نقول للمفاوضين: إن استطعتم أن تحصلوا على اتفاق يحقق دولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ويضمن عودة اللاجئين كلهم بملايينهم الستة إلى منازلهم ويوافق عليه الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات فنحن لن نعارض ذلك"، نقوله كما في الآية مبالغة في الاستبعاد كما في الآية، فقد تعلمنا أن نتبع نهج القرآن في المحاججة لا نهج أهل الجدل.
وفي النهاية اسأل الله الهداية لجميع العاملين للإسلام، وأقول لإخواننا الأحباب في حزب التحرير: لا نريد لكم والسكاكين تشحذ لذبحنا كل يوم، أن تظهروا في صف الأعداء، ولا زالت عناويننا معكم لتستفسروا عن ما تشاؤون، ونحن لن نرفض نصائحكم، ولكننا نريدها أن تكون منضبطة بأدب النصيحة الذي أدبنا به الإسلام، "عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ".

2010/10/11

قياداتنا ورموزنا بين إساءة الظن وإحسانه

رسالة لأخي وصديقي د. ماهر الجعبري


الدكتور ماهر الجعبري الناطق الإعلامي باسم حزب التحرير بالنسبة لي أخ عزيز، فهو صديقي من أيام الطفولة، كما أنه جاري، وقد كان من السهل عليّ أن أحاوره فيما كتب ونحن خارجان من الصلاة في مسجد نمرة الذي نلتقي فيه كل يوم عدة مرات، ولكن وبما أن كلامه هذا منشور للعامة، فلا بد من أن يكون الرد عليه كذلك، وكلي ثقة أن خلافنا في الرأي، وهو خلاف منذ أمد بعيد، لن يفسد قضية الود بيننا كما لم يفسدها في السنوات الغابرة.
كتب أخي أبو ثائر مقالاً بعنوان "القيادات والرموز بين المحاسبة والتقديس"، وفي مقاله ذاك اتهم أبناء الحركة الإسلامية بأنهم يعانون من "حالة من التقديس أكثر فظاعة من تقديس الرؤساء، لا يمكن أن تقبلها أمة منحطة في الفكر فكيف تقبلها أمة إسلامية راقية؟"، وهو يعزو ذلك إلى أن "معايير الثقة بالقيادة وبحكمتها قد جعلت تلك القيادة فوق الأفكار وفوق الأمة وفوق المحاسبة".
مشكلة إخواننا في حزب التحرير هي أنهم يُعملون سوء الظن بنا كحركة إسلامية في المقام الأول، مع العلم أن سوء الظن هذا أمر منهيٌّ عنه شرعًا، فالله سبحانه وتعالى يقول:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " [الحجرات12]، والرسول  يقول في الحديث المتفق عليه "إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث"، والسلف علمونا أن نتعامل مع بعضنا بحيث لا نبادر لإساءة الظن قبل البحث والتنقيب، فقد قال جعفر الصادق رحمه الله:" إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا، فإن أصبته، وإلا، قل لعل له عذرا لا أعرفه"[رواه البيهقي]، وروى البيهقي كذلك عن محمد بن سيرين أنه قال:"إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد له عذرا، فقل: له عذر".
وسوء الظن في حالتنا هذه هو أن يكون الكلام محتملاً لأكثر من وجه، فيحمله إخواننا غفر الله لهم على أسوأ وجوهه، ويطعنون في نياتنا، ومع ذلك فنحن لا نريد منكم يا إخواننا أن تعاملونا بحسن الظن، لأننا لم نتعود ذلك منكم للأسف، وإنما نريدكم أن تحاكمونا إلى القواعد الشرعية التي تزعمون التزامكم بها، وأريدك يا أخي وصديقي أبا ثائر أن ترجع إلى كتب أصول الفقه والتي كتب فيها علماؤنا عن البيان وكيفية فهم كلام المتكلمين، وكيف أنه عندما يكون هناك كلام مجمل، والمجمل عندهم اللفظ الصالح لأحد معنيين لا يتعين أحدهما لا بوضع في اللغة ولا بعرفٍ في الاستعمال، فإنهم يعلموننا اللجوء إلى القرائن لفهمه، وكيف أنهم ذكروا أنه عندما يكون هناك لفظ مشترك فلا بد من الاجتهاد لتعيين المراد منه.
ومن هنا أقول لك ردًّا على سؤالك:"هل يمكن لأنصار حكومة حماس أن يسألوا رئيس حكومتهم في غزة ما معنى "السلام العادل" الذي يتحدث عنه في نغمة تزداد تصاعدا ؟"
نحن لسنا بحاجة إلى أن نسأل رئيس حكومتنا في غزة عن معنى السلام العادل، ذلك أن هذا المصطلح له معنيان، أحدهما يستخدمه الأمريكان والصهاينة وأتباعهم، وهم يعنون به سلب حقوقنا واستسلامنا لهم، والآخر هو الذي يفهمه المسلم بداهة من أصول دينه عندما يُذكر العدل، وليس للسلام العادل في مفهومنا إلا أنه السلام الذي يعيد لكل ذي حق حقه، وحقوقنا معلومة معلنة لم نتنازل يومًا عنها، ولم نُخفِها يومًا، فهل أنت مع هذا السلام العادل الذي ندعو إليه أم أنك لست معه؟!!
أما عن سؤالك ولمزك في كلام الأخ خالد مشعل حول أن المفاوضات تحتاج إلى أوراق قوة؟ وكأنك تريد أن توحي أننا نلهث وراء المفاوضات ونبحث عن مكان فيها، فأقول لك: إن اعتراضنا ليس على مبدأ المفاوضات كمبدأ، لأن المفاوضات بمعناها الدارج وهو أنها "محادثات سياسية تتم بين طرفين متنازعين من أجل تسوية سلمية للقضية المتنازع عليها، ويعمل كل طرف على الحصول على تنازلات من الطرف الآخر"، ليست مستنكرة في الشرع، فقد فاوض الرسول  أعداءه في عمرة الحديبية، ووصلت مفاوضاته معهم إلى اتفاق، ولكن المشكلة في المفاوضات التي نعترض عليها تتركز في أمرين:
أولهما: أن المفاوض في رأينا يجب أن يكون متمسكاً بكل الثوابت التي هي ملك للأمة وليست ملكاً له ولا لفريقه، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن بذهب إلى المفاوضات وهو ينوي التنازل عن أي شيء منها.
والثاني: أن المفاوض لا يستطيع تحصيل هذه الثوابت بدون أوراق قوة بين يديه يستطيع بها إجبار خصمه على التنازل.
ومشكلة المفاوض الفلسطيني هذه الأيام هي أنه فاقد للأمرين معًا، فهو يذهب إلى المفاوضات وقد أعلن نيته التنازل عن حق الأمة في فلسطين التاريخية، وليس بين يديه ما يُمَكِّنه من تحصيل أدنى شيء، وليس لديه بدائل يلجأ إليها إن رفض الطرف الآخر إعطاءه الحق الذي يطالب به.
نعم، لو كانت الظروف مختلفة عن ما نحن فيه، فإننا سنوافق أن نذهب إلى المفاوضات، لنعرض على المحتل أن يقوم بترتيبات تضمن انسحابه من كل أرضنا المحتلة، وهي من البحر إلى النهر، ونفاوضه على ترتيبات انسحابه، وتوابع ذلك، ولكن ذلك غير متوفر في الظروف التي نحن فيها من تشرذم الأمة وخيانة حكامها وتكالب أعدائها عليها.
وأريد أن أختم معك أخي أبا ثائر بتذكيرك بموقف من سيرة الحبيب المصطفى  نتعلم منه كيف يتم فهم الكلام الصادر من شخص ما، ففي الحديث الذي رواه البخاري وغيره قال رسول الله  "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وهي عبارة كان يستخدمها أهل الجاهلية ويعنون بها معناها الظاهر، ولكن لما كان صحابة الرسول  قد علموا أنه لا يمكن أن يقول كلامًا يناقض القواعد الشرعية التي علَّمهم إياها، وإن إعمال النص على ظاهره يخالف هذه القواعد، لم يعترضوا بل استفسروا عن الكيفية التي يصح الكلام بها شرعًا فسأله أحدهم :"رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟" فجاءه البيان من المصطفى  :"تحجزه، أو تمنعه، من الظلم، فإن ذلك نصره".
أتمنى عليك أخي الحبيب أبا ثائر وعلى كل إخواننا في حزب التحرير أن تتعاملوا معنا بهذه الطريقة الشرعية، وهي أن تنظروا في كلام المتحدثين منا والناطقين باسمنا وفق موازين الشرع ومصطلحاته، لأننا أعلنا ونعلن وسنبقى نعلن أن مرجعيتنا الوحيدة هي الإسلام، وأننا بُرَءَاءُ من كل ما يخالف الإسلام، فإن استبهم عليكم شيء ولم تتضح لكم حقيقته فاسألونا فلسنا بعيدين عنكم، ولا تحاكمونا إلى مصطلحات غيرنا ولا إلى ظنونكم بنا، ولنتعامل بالقاعدة الذهبية التي ذكرها العلامة الشيخ رشيد رضا رحمه الله في قوله" نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه".
أسأل الله أن يريني وإياك الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه ويُريَنا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
أخوك م. عيسى الجعبري
وزير الحكم المحلي الأسبق

2010/10/09

مشاعر تجاه الشهداء

عندما أسمع عبارات التهنئة باستشهاد أحد إخواني المجاهدين ينتابني شعور بانقباض القلب، يكاد يطبق على صدري، ولا أدري أهذا شعوري وحدي أم يشاركني فيه آخرون؟؟
أنا أعلم أن ما للشهيد عند ربه خير له من هذه الدنيا بما لا يقاس، وأنا أعلم علم اليقين أنه قد فاز باصطفاء الله له، وقد استراح من هذه الدنيا، وأنا أعلم كذلك أن أهله سينالهم من الأجر والثواب ما يستحقون الفرح به "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ"[يونس58].
ولكن الذي يصيبني أنني أنظر إلى المسألة من زاوية أخرى، تلك هي زاوية خسارتنا نحن لهؤلاء الشهداء الأفذاذ عليهم من الله الرحمة والرضوان، فعندما يسقط أحد الشهداء الأبطال في هذا الزمن الذي يعز فيه الرجال نكون قد خسرنا خسارة فادحة، وأصابتنا مصيبة عظيمة، هكذا سماها القرآن الكريم واعتبرها مصائب، تعالوا نقرأ ما قاله تعالى عن ذلك:"وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة 154-157]. ألا ترون معي أن الهْ سبحانه قد سماها "مصيبة"، وسماها "سيئةً" في قوله تعالى:"وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا" [آل عمران120]، وسماها قَرحًا في قوله تعالى:"إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" [آل عمران140].
لا أريد التثبيط، معاذ الله، ولكني عندما يُستَشهد أحد إخواني المجاهدين وينال منه الأعداء أشعر بالنار تشتعل في قلبي، أشعر وكأن طعنة أصابتني أنا، فيغلبُ عليَّ حالُ الحزن والألم وغيظ القلب، فلا أستطيع التلفظ بعبارات التهنئة، فالتهنئة ينالها شخص الشهيد وأشخاص أهله الكرام، أما نحن فإننا أحوج إلى التعزية والبكاء.
عندما يُستَشهدُ أحد إخواني أستذكر موقف الرسول صلى الهص عليه وسلم عندما استشهد عمُّه حمزة وعددٌ من صحابته رضي الله عنهم جميعًا في معركة أحد وكيف وقف على قبورهم وهو ممتلئ غيظًا وحنقًا على الأعداء، وكيف دمعت عيناه الكريمتان - بأبي هو وأمي صلى الله عليه- عندما قال"ولكن حمزة لا بواكي له".
وعندما يُستَشهدُ أحد إخواني وأرى الفرحة في عيون قَتَلته وفي عيون أذنابهم يثور بركان في صدري، لا يطفئه إلا أن تحترق قلوبهم كما حرقوا قلوبنا.
نعم هنيئًا للشهيد بفوزه بما أراد، ولكن بالنسبة لنا نحن فإننا نستحق التعزية، ويجب علينا البكاء، ليس البكاء الذي ينم عن الضعف وقلة الحيلة، بل البكاء الذي تكون فيه الدموع وقودًا يدفع للسير على درب الشهداء وللانتقام ممن نال منهم، بكاء ينبع من قلب محب فقد حبيبه، وهو قلب فيه من الحب ما يدفع للتضحية لا للجبن.
وأستحضر أخيرًا قول الخنساء رضي الله عنها في أخيها صخر، ولا أشك أن إخواني من المجاهدين أحق به:
أعينيّ جودا ولا تجمُدا .......... ألا تبكيانِ لصخرِ النّدى ؟
ألا تبكيانِ الجريءَ الجميلَ ......... ألا تبكيانِ الفَتى السيّدا؟
طويلَ النّجادِ رفيعَ العمادِ ......... قد سادَ عَشيرَتَهُ أمْرَدا
إذا القوْمُ مَدّوا بأيديهِمِ ............ إلى المَجدِ، مدّ إلَيهِ يَدا
فنالَ الذي فوْقَ أيديهِمِ ....... من المجدِ ثمّ مضَى مُصْعِدا
يُكَلّفُهُ القَوْمُ ما عالهُمْ ......... وإنْ كانَ أصغرَهم موْلِدا
تَرى المجدَ يهوي إلى بيتهِ ..... يَرى افضلَ الكسبِ انْ يحمدَا
وَانَ ذكرَ المجدُ ألفيتهُ ......... تَأزّرَ بالمَجدِ ثمّ ارْتَدَى
رحم الله شهداءنا وتقبلهم عنده، وعوضنا عنهم خيرًا، وأعظم لنا الأجر في مصيبتنا بهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...