2010/10/09

مشاعر تجاه الشهداء

عندما أسمع عبارات التهنئة باستشهاد أحد إخواني المجاهدين ينتابني شعور بانقباض القلب، يكاد يطبق على صدري، ولا أدري أهذا شعوري وحدي أم يشاركني فيه آخرون؟؟
أنا أعلم أن ما للشهيد عند ربه خير له من هذه الدنيا بما لا يقاس، وأنا أعلم علم اليقين أنه قد فاز باصطفاء الله له، وقد استراح من هذه الدنيا، وأنا أعلم كذلك أن أهله سينالهم من الأجر والثواب ما يستحقون الفرح به "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ"[يونس58].
ولكن الذي يصيبني أنني أنظر إلى المسألة من زاوية أخرى، تلك هي زاوية خسارتنا نحن لهؤلاء الشهداء الأفذاذ عليهم من الله الرحمة والرضوان، فعندما يسقط أحد الشهداء الأبطال في هذا الزمن الذي يعز فيه الرجال نكون قد خسرنا خسارة فادحة، وأصابتنا مصيبة عظيمة، هكذا سماها القرآن الكريم واعتبرها مصائب، تعالوا نقرأ ما قاله تعالى عن ذلك:"وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة 154-157]. ألا ترون معي أن الهْ سبحانه قد سماها "مصيبة"، وسماها "سيئةً" في قوله تعالى:"وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا" [آل عمران120]، وسماها قَرحًا في قوله تعالى:"إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" [آل عمران140].
لا أريد التثبيط، معاذ الله، ولكني عندما يُستَشهد أحد إخواني المجاهدين وينال منه الأعداء أشعر بالنار تشتعل في قلبي، أشعر وكأن طعنة أصابتني أنا، فيغلبُ عليَّ حالُ الحزن والألم وغيظ القلب، فلا أستطيع التلفظ بعبارات التهنئة، فالتهنئة ينالها شخص الشهيد وأشخاص أهله الكرام، أما نحن فإننا أحوج إلى التعزية والبكاء.
عندما يُستَشهدُ أحد إخواني أستذكر موقف الرسول صلى الهص عليه وسلم عندما استشهد عمُّه حمزة وعددٌ من صحابته رضي الله عنهم جميعًا في معركة أحد وكيف وقف على قبورهم وهو ممتلئ غيظًا وحنقًا على الأعداء، وكيف دمعت عيناه الكريمتان - بأبي هو وأمي صلى الله عليه- عندما قال"ولكن حمزة لا بواكي له".
وعندما يُستَشهدُ أحد إخواني وأرى الفرحة في عيون قَتَلته وفي عيون أذنابهم يثور بركان في صدري، لا يطفئه إلا أن تحترق قلوبهم كما حرقوا قلوبنا.
نعم هنيئًا للشهيد بفوزه بما أراد، ولكن بالنسبة لنا نحن فإننا نستحق التعزية، ويجب علينا البكاء، ليس البكاء الذي ينم عن الضعف وقلة الحيلة، بل البكاء الذي تكون فيه الدموع وقودًا يدفع للسير على درب الشهداء وللانتقام ممن نال منهم، بكاء ينبع من قلب محب فقد حبيبه، وهو قلب فيه من الحب ما يدفع للتضحية لا للجبن.
وأستحضر أخيرًا قول الخنساء رضي الله عنها في أخيها صخر، ولا أشك أن إخواني من المجاهدين أحق به:
أعينيّ جودا ولا تجمُدا .......... ألا تبكيانِ لصخرِ النّدى ؟
ألا تبكيانِ الجريءَ الجميلَ ......... ألا تبكيانِ الفَتى السيّدا؟
طويلَ النّجادِ رفيعَ العمادِ ......... قد سادَ عَشيرَتَهُ أمْرَدا
إذا القوْمُ مَدّوا بأيديهِمِ ............ إلى المَجدِ، مدّ إلَيهِ يَدا
فنالَ الذي فوْقَ أيديهِمِ ....... من المجدِ ثمّ مضَى مُصْعِدا
يُكَلّفُهُ القَوْمُ ما عالهُمْ ......... وإنْ كانَ أصغرَهم موْلِدا
تَرى المجدَ يهوي إلى بيتهِ ..... يَرى افضلَ الكسبِ انْ يحمدَا
وَانَ ذكرَ المجدُ ألفيتهُ ......... تَأزّرَ بالمَجدِ ثمّ ارْتَدَى
رحم الله شهداءنا وتقبلهم عنده، وعوضنا عنهم خيرًا، وأعظم لنا الأجر في مصيبتنا بهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

هناك 3 تعليقات:

  1. غير معرف25 أكتوبر, 2010

    فلهم المجد يزين قاماتهم اليافعة، و لنا من ذكرهم زاد يدفئ الروح و يسرج في ثنايا ليلنا بهاء الكبرياء و أسرار الصمود..

    ردحذف
  2. غير معرف25 أكتوبر, 2010

    نودعكم و في دمنا لكم وفاء لا تزيده الأيام إلا شموخاً و اشتعالا، نودعكم و في الحلق غصة تأبى أن تزول إلا حين تعلن الدماء براءتها من دنيا القاعدين، و يقلّدها الرصاص شهادة ترتدّ بعدها حيّة صاعدة على ذات الطريق..

    ردحذف

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...