2018/03/19

من شروط الحديث الصحيح، السلامة من الشذوذ (الحلقة 10)


السلامة من الشذوذ
تحدثنا في الحلقات السابقة عن شروط صحة الحديث، وبيّنّا معاني الشروط الثلاثة الأولى منها؛ وهي: اتصال السند، وعدالة الرواة، وضبط الرواة.
وحديثنا اليوم عن شرط آخر من تلك الشروط الخمسة، وهو: السلامة من الشذوذ.

ما هو (الشذوذ) الذي يشترط عدم وجوده لصحة الحديث؟

الشذوذ في اللغة هو الانفراد والمفارقة.
ويقال عن يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم ولا منازلهم (شُذَّاذُ النَّاسِ)
أما في الاصطلاح، فالمعتمد أن الحديث الشاذّ هو: ما رواه المقبول مخالفًا لمن هو أولى منه.
أو يقال: هو (رِوَايَة الثِّقَة خلاف النَّاس).
والذين هم أولى وأرجح من الراوي (المقبول) هم الأكثر عددًا، أو عدالة، أو ضبطًا.
هل من مثال لتقريب صورة الحديث الشاذ؟
من صور الحديث الشاذ أن يروي (5) مثلًا من تلاميذ عالم معيّن حديثًا عنه، وهم ثقات ضابطون لحديثهم، ويروون الحديث موقوفًا (أي هو قولٌ للصحابي)، ويرويه تلميذٌ سادس لذلك العالم، غير أنه يجعله مرفوعًا (أي من قول النبي )، فنلاحظ هنا أن الراوي السادس هذا، وإن كان ثقة، غير أنه خالف من هو أولى منه، ولذلك لا تقبل منه هذه المخالفة، ونستنتج أنه لم يحفظ ذلك الحديث بعينه، فأخطأ فيه، ويُحكم على ذلك الحديث بالشذوذ.   

ما علاقة (الشذوذ) بـ (الضبط)؟

كنا قد ذكرنا أن الضبط هو (أن يسلم الراوي من الغلط الفاحش، وسوء الحفظ، والغفلة، وكثرة الأوهام، ومخالفة الثقات).
وأنه يعرف عبر مقارنة الأحاديث التي يرويها الراوي بأحاديث المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وافقهم غالبًا فهو ضابط، وكلما كثرت مخالفته لهم نزلت درجة ضبطه.
وعرّفنا (الشذوذ) هنا بأنه (مخالفة الراوي الثقة لمن هو أولى منه).
وهذا يقودنا إلى أن (الشذوذ) في أصله مشكلة متعلقة بـ (ضبط الراوي)، غير أن الفرق بين شرطي (الضبط) و(عدم الشذوذ) في شروط صحة الحديث يعود إلى أن الراوي الذي تكثر مخالفته لمن هو أولى منه (بالثقة أو بالكثرة) ينخفض تقييم مستوى ضبطه، حتى إذا كثرت مخالفاته لهم استحق الوصف بأنه (غير ضابط لحديثه)، واستحق الترك لأجل ذلك.
والراوي (الثقة)، أي الذي قد سبق لنا أن حكمنا له بأنه (ضابط لحديثه) يمكن أن يقع في حالات قليلة في مخالفة من هو أولى منه، إما لأنهم أكثر منه، أو أضبط منه، وهذا لا يكاد يخلو منه إنسان، ولكن هذه المخالفة لا تصل به إلى حدّ أن يوصف بعدم الضبط، إذ الحكم بالضبط يتعلق بمقارنة (أغلبية) ما يرويه الراوي، وفي نفس الوقت فإن مخالفة الراوي الذي وصفناه بـ (الضبط لحديثه) تدلُّ على أنه لم (يضبط) هذا الحديث الذي خالف فيه من هو أولى منه، ولذلك يوصف الحديث أو تلك الرواية بعينها بأنها (شاذّة)، ولا يوجب ذلك إسقاط الاستدلال بما يرويه الراوي الثقة، إذ الغالب على حديثه الضبط.
وخلاصة الموضوع:
أن الراوي إذا خالف الثقات فيما رواه (غالبًا) تبينَّا أنه (غير ضابط) فاستحق ردّ كل ما رواه.
وإذا خالف الثقات فيما يرويه (نادرًا) كانت مخالفته هذه شذوذًا، فاستوجب ذلك ردّ هذا الحديث الذي وقعت فيه المخالفة، وليس ردّ بقية روايات الراوي.
هل يعتبر انفراد الراوي بحديث شذوذًا؟
عرّف بعض أهل الحديث (الشاذّ) بأنه الحديث الذي ينفرد به الثقة، وليس له متابع، أو الحديث متوحد الْإِسْنَاد.
وهذا التعريف مردود، إذ لو رُدَّ الحديث الذي انفرد به ثقة لرُدت أحاديث كثيرة من هذا النمط وتعطلت كثير من المسائل عن الدلائل.
قال الشافعي: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس.
فالحاصل أن (انفراد) الراوي الثقة برواية حديث لا يعتبر (شذوذًا) إلى إذا رواه من هو أوثق منه وأولى على وجه مخالف.
والحديث الذي ينفرد به راوٍ واحد، له (3) حالات:  
(1) أن يكون المنفرد به عدلًا ضابطًا حافظًا، فحديثه صحيح مقبول.
(2) أن يكون المنفرد به غير حافظ، وهو مع ذلك عدلٌ ضابط: فحديثه حسن.
(3) أن ينفرد به من فقد هذه الشروط، فحديثه فمردود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...