الحديث المعضل
حديثنا
اليوم عن النوع الثاني من الحديث الضعيف بسبب فقد شرط الاتصال، وهو الحديث
المُعضَل.
ما هو الحديث المعضل؟
وصف الحديث
بالإعضال مشتق في اللغة من قولك: (أعضل الأمر) إذا اشتد واستغلق.
وأما في
الاصطلاح، فقد أريد به صورة من صور السقط في الإسناد، وهي ما سقط من إسناده
راويان فأكثر على سبيل التوالي.
ومناسبة
هذا الاصطلاح للمعنى اللغوي للإعضال، هو أن الراوي له بإسقاط رجلين منه فأكثر،
يكون قد ضيّق المجال على من يؤديه إليه، وحال بينه وبين معرفة رواته بالتعديل أو
الجرح، وشدد عليه الحال.
ومن صور
المعضَل الواضحة أن يروي تابع التابعي عن النبي ﷺ، دون بيان
الواسطة بينه وبينه، لأنه يكون قد سقط من سنده اثنان على الأقل، وهما: التابعي
والصحابي.
كما ذكروا
أن من صور المعضَل أن يقول التابعي كلامًا دون أن ينسبه للرسول ﷺ، ويكون هذا الكلام من قوله ﷺ، لأن التابعي بذلك يكون قد
أسقط من السند الصحابي والرسول ﷺ، وقد مثلوا له بما رواه الأعمش
عن الشعبي أنه قال: "يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا؟ فيقول: ما عملته.
فيختم على فيه، فينطق جوارحه، أو قال: ينطق لسانه فيقول لجوارحه: أبعدكن الله ما
خاصمت إلا فيكنّ".
فهذا
الحديث قد أعضله الأعمش، وهو مروي الشعبي متصلًا مسندًا، كما في صحيح مسلم (ح 2969)
ما هي علاقة المنقطع
بالمعضَل؟
سبق وذكرنا
أن مصطلح (المنقطع) يشير في المعنى العام له إلى (ما لم يتصل إسناده على أي وجه
كان انقطاعه)، وعليه فـ (المعضَل) لقبٌ لنوعٍ خاصٍّ من المنقطع، فكلُّ مُعضَلٍ
مُنقَطعٌ، وليس كلُّ مُنقطعٍ مُعضلًا.
والمنقطع
في المعنى الخاص له يطلق على (ما سقط من أثناء السند فيه راوٍ واحد، أو اثنين أو
أكثر بشرط عدم التوالي)، وعليه فلو سقط راو من مكان في سند الحديث ثم سقط راوٍ آخر
من موضع آخر، فهو منقطع في موضعين وليس معضَلا في الاصطلاح.
كيف تتم معرفة الإعضال في
الحديث؟
يمكن
اكتشاف الإعضال في السند (أي أن الساقط فيه راويان أو أكثر) بإحدى الطريقين
التاليتين:
(1) التاريخ، وذلك ببعد طبقة الراوي عن طبقة شيخه، بحيث إنه
لو روى حديثًا من طريق ذلك الشيخ كان بينهما راويان على أقل تقدير.
ومثال ذلك:
ما رواه
الدارمي في (سنن الدارمي، ح159) قال: أخبرنا إبراهيم بن موسى، حدثنا ابن المبارك،
عن سعيد بن أبي أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، قال: قال رسول الله ﷺ: (أجرؤكم على الفُتْيا، أجرؤكم على النار).
فهذا حديث معضَل؛
لأن (عبيد الله بن أبي جعفر) هذا من أتباع التابعين، أي أن أقل ما بينه وبين
الرسول ﷺ في السند اثنان؛ التابعي والصحابي، وهو قد أسقط الواسطة بينه
وبين رسول الله ﷺ، فسقط بذلك الحديث.
(2) دلالة السبر لطرق الحديث، بأن يكون الحديث قد ورد من طرق
يتبين منها أن فيه انقطاعًا فُقِدَ من خلاله راويان متتابعان.
ومثال ذلك:
ما رواه
مالك في الموطّأ أنه بلغه أن أبا هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: (للمملوك
طعامه وكسوته بالمعروف. ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق)
فالحديث
منقطع بين مالك وأبي هريرة؛ لأن مالكًا لم يسمع من أبي هريرة، ولكن مالكًا من
تابعي التابعين، ولديه أسانيد بينه وبين أبي هريرة فيها راو واحد، كما فيما يرويه
عن (نُعَيمِ بن عبد اللَّه المُجْمِر) عن أبي هريرة، فالحديث قد يكون منقطعًا وليس
معضَلًا، ولكنَّ سبر طرق الأحاديث (أي فحصها وجمعها) كشف لنا أن بين مالك وأبي
هريرة في هذا السند راويان، فقد روي الحديث عن مالك في خارج الموطأ موصولًا، فقد
رواه البزار في مسنده (البحر الزخار، ح8384)، وأبو عوانة في مستخرجه (ح6074،
ح6075)، والطبراني في المعجم الأوسط (ح1685)، كلهم من طريق (مالك بن أنس) عن (محمد
بن عجلان) عن (أبيه؛ عجلان مولى فاطمة) عن (أبي هريرة).
فعلمنا من
ذلك أن بين مالك وأبي هريرة في السند راويان، وأن الحديث – كما هو في موطأ مالك –
معضَل.
هل استخدم الوصف بـ
(الإعضال) في غير المعنى الاصطلاحي؟
لم يكن
إطلاق هذا الوصف (الحديث المعضل) بهذا المعنى شائعًا عند المتقدمين، وإنما كان هذا
عندهم مندرجًا تحت المنقطع أو المرسل بعموم معناهما.
وقد استعمل
المتقدمون لفظ (المعضل) وصفًا للمنكر والموضوع من الحديث.
كما أن جماعة
من أئمة الحديث استخدموا لفظ (المعضل) فيما لم يسقط منه شيء البتّة، بل لوجود إشكال
في معناه.
وقد مثّل ابن
حجر لذلك بأمثلة عدة، منها ما قاله الذهلي عن حديث يرويه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي
حبيب عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان رسول الله ﷺ يعتكف فيمر بالمريض فيسلم عليه ولا يقف.
إذ قال الذهلي:
هذا حديث معضل لا وجه له، إنما هو فعل عائشة – رضي الله عنها – ليس للنبي ﷺ فيه ذكر، والوهم فيما نرى من ابن لهيعة.
فالحديث
سنده متصل، والإعضال الموصوف به الحديث هو استغلاق المعنى.
ما هو حكم الحديث المعضل؟
المعضل حديث ضعيف، وسبب ضعفه الانقطاع، وهو أسوأ حالا من المرسل والمنقطع
(في موضع واحد)، وذلك لكثرة المحذوفين من الإسناد، وهذا الحكم على المعضل بإجماع
العلماء.
ولكن ينبغي التنبه إلى مسألة سبق وأشرنا إليها، وهي أن الحكم على الحديث قد
يكون حكمًا على سند معيّن ورد به الحديث، ويكون فيه سقط يستوجب تضعيف الحديث بذلك
السند، ويمكن أن يكون الحديث قد ورد من طرق أخرى بسند صحيح.
فبالنسبة للحديث المعضَل ربما أعضل الراو الحديث في وقت ثمَّ وَصله أَو
أرْسلهُ في وقت آخر، ومثاله حديث مالك عن أبي هريرة أعلاه، ولذلك قال الحاكم:
"فينبغي للعالم بهذه الصنعة أن يميز بين المعضَل الذي لا يوصَل، وبين ما
أعضله الراوي في وقت ثم وصله في وقت".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق