2018/03/04

بُنية الحديث، السند والمتن (الحلقة 3)


ما هي بُنية الحديث (مم يتكون الحديث)؟

كل رواية، سواءً كانت حديثًا نبويًّا شريفًا أو غير ذلك، تتكون من قسمين اثنين، وهما: السند والمتن.
·       السند:
هو في اللغة: المعتَمَد، وسمّي كذلك؛ لأن الحديث يستند إليه، ويعتمد عليه.
وفي الاصطلاح، هو: سلسلة الرجال الموصلة للمتن. ويطلق عليه أيضًا (الإسناد).
ملاحظة: يطلق لفظ الإسناد – أيضًا – على (عزو الحديث إلى قائله مُسندًا) أي: ذِكرِ السند.
·       المتن:
في اللغة هو: ما صَلُب وارتفع من الأرض.
وفي الاصطلاح، هو: ما ينتهي إليه السند من الكلام.

مثال على السند والمتن

قال أحمد بن حنبل في مسنده (ح5862): حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله ص قَالَ: (لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ).
في الحديث أعلاه:
قول أحمد: (حدثنا الشافعي، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله ص قَالَ) هو سند الحديث؛ لأنه الطريق التي وصل بها الحديث للإمام أحمد، أو لأنه سلسلة الرجال الموصلة للمتن.
وقول الرسول ص (لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ)، هو متن الحديث؛ لأنه ما يريد الرواة الذين ذكروا في السند نقله للسامعين، وهو ما ينتهي إليه السند من الكلام.

هل يقتصر وجود السند والمتن على الحديث النبوي؟

من تعريف السند والمتن أعلاه يمكن ملاحظة أن كل (خبر) يصلك بطريق ما يحوي سندًا ومتنًا:
أما السند فيه فهو (الطريق التي وصلك بها الخبر)
وأما المتن فهو (الخبر) نفسه
ولنضرب أمثلة على ذلك من خارج إطار علم الحديث الشريف.
·       مثال1:
(قالت قناة الجزيرة): وقد ذكر مراسلنا في فلسطين نقلاً عن الناطق باسم فتح محمد عساف أن الرئيس أبا مازن مستعد للعودة إلى المفاوضات
هنا الخبر هو (الرئيس أبو مازن مستعد للعودة إلى المفاوضات)، وهو متن هذه (الرواية)
والطريق الذي وصلنا به هذا الخبر هو (قناة الجزيرة عن مراسلها في فلسطين عن الناطق باسم فتح محمد عساف)، وهذا هو سند هذه (الرواية).
·       مثال 2
سمعتَ خطيب الجمعة يذكر أن الرسول ص قال (إن من الشعر لحكمة)
الرواية هنا – المتن – هي (أن الرسول ص قال: "إن من الشعر لحكمة").
أما الطريق الذي وصلتك به هذه الرواية فهو (خطيب الجمعة) فهو سند هذه الرواية بالنسبة لك.
·       مثال3
(قرأتَ على الفيس بوك) في صفحة فلان منشورًا فيه: (قال علي بن أبي طالب: المُحايد شخصٌ لم ينصر الباطل، ولكنه من المؤكد خذل الحق)
المتن، وهو الخبر الذي وصل إليك هو أن (عليًّا بن أبي طالب قال: المُحايد شخصٌ لم ينصر الباطل، ولكنه من المؤكد خذل الحق).
وطريق وصوله إليك هو (صفحة فلان) في السند لهذه الرواية.
ملاحظة مهمة: هذه العبارة لم يقلها عليّ رضي الله عنه، رغم أن معناها صحيح، ولذا فنسبتها إليه كذب عليه.
·       مثال4أعلى النموذج
أحمد (زميلك الذي يدرس معك في نفس الشعبة) أخبرك أن سلمان (زميلكما الآخر) أخبره أن موعد الامتحان تأجل.
المتن هنا، وهو الخبر الذي وصلك، هو (أن موعد الامتحان تأجل)
والسند، وهو الطريق الذي وصلك هذا الخبر (المتن) من خلاله هو (زميلك أحمد عن زميلكما سلمان)
ملاحظة: طبعًا إذا كان واحد منهما ضعيف الرواية فاعتمدت على روايته ولم تدرس ثم ثبت أن الامتحان لم يتأجل فستقع في مشكلة عويصة.
وهذه الملاحظة تؤكد لنا ضرورة التثبت من أي خبر قبل الأخذ به وبناء قراراتنا أو موقفنا عليه، والتثبت يكون بنفس طرق علماء الحديث في التثبت من صحة الأحاديث النبوية، وهي – كما سيأتي لاحقًا بإذن الله – عبر دراسة الطريق الموصلة للخبر ومدى مصداقيتها، وتقييم الخبر نفسه للتأكد من عدم معارضته لما هو أرجح منه.

لماذا نشأت العناية بالسند؟

كان الجيل الأول من المسلمين يعتمد على الثقة، إذ هي الغالبة، وكان الكذب نادرًا فيهم، وخصوصًا في رواية حديث النبي ص، فقد كان لديهم من الورع ما يمنعهم من ذلك وقد وصلهم بالتواتر قول النبي ص (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ).
ثم لما بَعُدَ العهد عن جيل الصحابة، ودخل ضعاف الدين في الإسلام، وانتشرت الخلافات التي بدأت سياسية ثم اكتست ثوبًا عقائديًّا، صار بعض ضعاف الورع يختلقون أحاديث مكذوبة يروونها عن النبي ص لتأييد أفكارهم، فصار أهل العلم يبحثون عن صحة ما يصلهم من مرويات.
ومن هنا بدأت العناية بالسند، والبحث عن عدالة الرواة المذكورين فيه.

هناك تعليق واحد:

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...