2018/03/19

الحديث الصحيح لغيره، والحسن لغيره (الحلقة 13)


الحديث الصحيح لغيره، والحسن لغيره
حديثنا في الحلقة الماضية كان عن الحديث الحسن لذاته، وكنا قبل ذلك قد تحدثنا عن الحديث الصحيح لذاته، واليوم سنتحدث – بمشيئة الله تعالى – عن الحديثين الصحيح لغيره، والحسن لغيره.

ما معنى كون الحديث الصحيح مراتب متفاوتة وكذلك الحسن؟

ذكرنا أن الحكم على الحديث بأنه مقبول أو مردود مرجعه إلى توفر الظن الراجح لدينا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، وأن تقسيم الحديث المقبول إلى صحيح وحسن يستند إلى مرتبة غلبة الظن التي توفرت لدينا، ولذلك فالصحيح ليس كله في مرتبة واحدة، بل تتفاوت مراتبه بتفاوت قوته، وكذلك الحسن.
ولنضرب مثالًا بـ (الأرقام) لتقريب الصورة:
** غلبة الظن تعني أن يكون احتمال صدور (القول) من المنسوب إليه فوق الـ (50%)، ودون الـ (100%)؛ لأن مرتبة أن يكون احتمال صدور القول من المنسوب إليه (100%) هي مرتبة اليقين.
** وعليه يمكن (للتقريب فقط) أن نقول أن الحديث إذا كان احتمال صدوره من قائله من (85% - 99%) هو حديث صحيح، وأن الحديث الذي يكون احتمال صدوره من قائله من (51% - 84%) هو حديث حسن.
** وبهذا يمكن لنا أن نفهم معنى أن الأحاديث الصحيحة ليست في مرتبة واحدة؛ فالحديث الذي يحصل على نسبة (99%) في أعلى درجات الصحة، ويأتي الذي يحصل على (92%) في مرتبة أدنى منه، ويكون الحديث الحاصل على (85%) في أدنى درجات الصحة.
** وكذلك الحديث الحسن، فالحديث الحسن الذي نسبة تحقق الظنّ الراجح فيه (80%) قريب من الصحيح، وهو أقوى بكثير من الذي درجة الظن الراجح فيه (60%) مثلًا.

 ما معنى كون الحديث صحيحًا لغيره؟

بناء على ما سبق توضيحه في جواب السؤال السابق، فإن الحديث الموصوف بأنه حديث حسن، انخفض في الحكم عليه عن أن يكون صحيحًا لوجود نوع خللٍ في راويه، وقد ذكرنا في حديثنا عن الحديث الحسن أن الذي يجعل رتبته أدنى هو أن (يخفَّ) ضبط راويه عن رواة الحديث الصحيح، ولكن ضبطه يكون أعلى من الذي يجعلنا نحكم على الحديث بالضعف، مع ضرورة أن تتوفر بقية الشروط المطلوبة ليكون الحديث مقبولًا، وهي الاتصال والعدالة والسلامة من الشذوذ والعلة.
وعندما يوجد عندنا حديث يرويه راوٍ نحن لا نعتمد على أن ضبطه لما يرويه في الدرجة العليا، ثم يأتي راو آخر مثله، فيروي الحديث نفسه، فيصير للحديث طريقان يشهد أحدهما لصحة الآخر، وذلك يجعل نفوسنا مطمئنة أن الشك الذي كان يداخلها من ناحية عدم ضبط الراوي قد زال بوجود شاهد معه يؤكد أنه ضبط حفظ هذا الحديث.
وهكذا فإن الحكم على الحديث من حيث طريقه المنفرد الأول يكون أنه (حديث حسن) لانخفاضٍ في مرتبة (ضبط) راويه، وكذلك الحكم على الحديث الثاني يكون أنه (حديث حسن) أيضًا؛ لنفس السبب، ولكن الحكم على الحديث بمجموع طرقه يصبح أنه حديث (صحيح)، وهذه الصحة لم تأت من توفرها في نفس سند الحديث من كل طريق منفصل؛ وإنما لوجود شيء خارج الحديث (الذي هو هنا بمعنى الطريق المنفصل)، وهو اجتماع أكثر من طريق تقويه، ولذلك يسمى هذا الحديث (الحديث الصحيح لغيره).
ويمكن تصوير هذا كله بالمعادلة التالية:
حسن لذاته + حسن لذاته = صحيح لغيره.

ما هو تعريف الحديث الصحيح لغيره؟

بناء على ما سبق من شرح، فإنه يمكن تعريف (الحديث الصحيح لغيره) بأنه:
الحديث الحسن لذاته إذا روي من طريق آخر مثله أو أقوى منه.
وسمي صحيحا لغيره؛ لأن الصحة لم تأت من ذات السند الأول، وإنما جاءت من انضمام غيره له.
والحديث الصحيح لغيره يأتي في مرتبة هي أعلى مرتبة من الحسن لذاته، ولكنه دون الصحيح لذاته.

ما هو الحديث الحسن لغيره؟

الحديث الذي ينزل عن مستوى الحديث الحسن هو الحديث الضعيف، وضعف الحديث له أسباب عديدة، ترتبط بفقد شروط الصحة والقَبول فيه.
ويساعد مجيء الحديث – أحيانًا – من عدة طرق في جبر الضعف الحاصل في الطريق التي نحكم عليها، مما يجعل الحديث الضعيف يرتقي في قوته ليصل إلى مرتبة الحديث الحسن.
ولكن يجب التنويه إلى أنّ هناك من أسباب الضعف ما لا يقبل الجبر والتقوية، مثل أن يعود سبب ضعف الحديث إلى وجود خلل في (عدالة الراوي) وذلك بأن يكون فاسقًا أو كاذبًا، فهذا لا يساعد مجيئه من طرق أخرى في تقويته.
ومن الحالات التي يمكن أن يتقوى فيها الحديث الضعيف فينهض ليصل مرتبة الحسن أن يكون الحديث ضعيفًا لمشكلة حاصلة في شرط (الاتصال) كوجود شخص مبهم أو مجهول في الحديث، أو لكون الراوي الثقة فيه من المدلّسين ولم يصرح بالسماع، ثم يأتي من طرق أخرى يأتي فيها سدٌّ لبعض الثغرات في الحديث، فيترسخ في نفس الذي يصدر الحكم على الحديث أن هذه الطرق تشهد للطريق الضعيف بأنّ له أصلًا.
وقد يكون الضعف بسبب أن الراوي قليل الضبط ضعيف الحفظ، وضبطه وحفظه دون المستوى الذي يقبل حتى للحديث الحسن، ثم يأتي من طرق أخرى بنفس اللفظ أو المعنى، فنستفيد منها أن تقصير الراوي في الضبط والحفظ قد انجبر بمجيء ما يشهد له.
وهذا الارتقاء في قوة الحديث، والذي يرفع مرتبته من الضعيف إلى الحسن، يكون بالنظر إلى مجموع طرقه، وليس إلى طريق منفردة منها.
ولذا تجد في الحكم على بعض الأحاديث قول العلماء: هذا حديث حسن، وهذا الإسناد ضعيف.
وقد يكون هذا بمعنى أن الحديث حسن بمجموع طرقه، مع أن الإسناد عند انفراده ضعيف، أو أن يكون الحديث قد ورد من طريق حسن لذاته غير هذه الطريق

ما هو تعريف الحديث الحسن لغيره؟ وما هو حكمه؟

يمكن تعريف (الحديث الحسن لغيره) بأنه: الحديث الضعيف الذي تعددت طرقه، ولم يكن سبب ضعفه فسق الراوي أو كذبه.
والحديث الحسن لغيره من نوع الأحاديث المقبولة للاحتجاج بها، ولكنه أدنى مرتبة من الحسن لذاته، ويستفاد من معرفة المرتبة في الترجيح بين الأدلة عندما تتعارض ولا يمكن الجمع بينها، فيتوجب ردّ بعضها، فيُردُّ الأقل قوة ويؤخذ بالأقوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...