2010/11/13

وطنوا أنفسكم ..... المصالحة بعيدة

وطنوا أنفسكم ..... المصالحة بعيدة
كنت مترددًا قبل أن أنشر هذا المقال، لأن حديثي عن توقعاتي للمصالحة قد يفهمه البعض على أننا لا نريدها، بينما الحقيقة التي لا شك فيها أن كل أبناء الحركة الإسلامية يرغبون في تحقيق المصالحة، ويريدون ذلك بشدة، لأنهم يدركون أن الوحدة من عوامل القوة اللازمة لتحقيق أهدافنا ورؤانا، ولكننا نريدها مصالحة مبنية على أسس سليمة كي لا ندخل في دوامات الماضي، ونعود مرة أخرى من نقطة الصفر.

إن رؤيتنا للمصالحة وأهميتها تنطلق من مبدأ وعقيدة، وليست تكتيكاً مرحليًّا كما يتوهم البعض، فنحن نؤمن أن أجواء الحرية والانفتاح هي التي تحقق مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته، وأن المستفيد الأول من الانقسام الحاصل هو الاحتلال وأذنابه، ورؤيتنا للمصالحة تأتي في سياق رؤيتنا لضرورة أن تتوحد كل جهود أبناء هذا الشعب ومن ورائهم جهود أمتهم الإسلامية لتحرير فلسطين كل فلسطين.

أقول هذا قبل البدء في الموضوع لئلا يتقوَّل البعض علينا ويتهمنا بأننا لا نريد المصالحة، بناء على إساءة فهم لما سيأتي من كلام.

والموضوع الذي سأتحدث فيه ليس جديدًا، فالحديث عن المصالحة يظهر ويخبو كل فترة منذ أن حدث ذلك الانقسام المشؤوم الذي فرض علينا فرضًا، وفي مرات عديدة عندما كان يطرح ملف المصالحة كنت وعددًا من إخواني خلف القضبان في سجون الاحتلال، وكان لدينا رأيان في التعاطي مع هذا الحدث:
أحدهما كان يرى أننا يجب أن ننشر الأمل في نفوس قواعدنا، وذلك حتى لا يصابوا بالإحباط.
والآخر كان أننا يجب أن نكون واضحين وموضوعيين في تحليلنا، حتى لو أدى ذلك إلى صدمة بين أوساط الشباب.

وقد كنت من أنصار الرأي الثاني، ولا أذيع سرًّا إن قلت أننا كنا الأقلية.

نعود للموضوع، منذ سنوات كلما كان يطرح موضوع المصالحة، ويتم تناقل الأخبار، كان يسود جوٌّ من التفاؤل بين أبناء شعبنا عمومًا، وبين أبناء الحركة الإسلامية على وجه الخصوص، ولكن هل هذا التفاؤل مبني على أساس سليم، أم أنه يتم استنادًا إلى الموروث الشعبي "تفاءلوا بالخير تجدوه".

بالنسبة لي شخصيًّا أعتبر نفسي إنسانًا متفائلاً، وذلك نابع من إيماني بأن الله سيحقق لنا وعده، ومن فهمي لطبيعة الصراع بين الحق والباطل، وأنه يمر بفترات التمحيص والشدة، ثم لا بد أن تكون النهاية مشرقة، ولكني لم أكن متفائلاً بقرب تحقيق المصالحة عندما كان يطرح موضوعها في الفترات السابقة، وذلك بناءً على معطيات موضوعية كنت أراها، وللأسف فإنني لا أزال أراها هذه الأيام، والتصريحات التي تصدر عن عباس والناطقين باسم السلطة وفتح هذه الأيام تؤكد للأسف ترجيح عدم التفاؤل.

وبدون الخوض الكثير في التفاصيل، لأن الكلام فيها يطول، فأنا أرى أن القوى المتنفذة في فتح وفي سلطة رام الله لا تريد المصالحة، وذلك لعدة أسباب منها:
1. أن المصالحة تتعارض مع مصالح هذه القوى، فالمصالحة تتطلب أن تكون هناك شراكة في العمل السياسي، وهم لا يريدون الشراكة لأنهم يعتبرون السلطة مغنمًا يخافون أن يقاسمهم الآخرون فيه، فنظرتهم للسلطة أنها مكان للكسب على شتى المستويات وليست موقعًا للجهاد والنضال لتحصيل الحقوق قد يتطلب من الموجود فيه دفع ثمن مواقفه، وهم تعودوا على القبض لا على الدفع.
2. المصالحة تستوجب إعادة بناء الأجهزة الأمنية على عقيدة غير عقيدة التنسيق مع العدو، وتنفيذ أوامره، وهؤلاء بلغ من انحدارهم أنهم أصبحوا مؤمنين بتعاونهم مع العدو، ويفتخرون بذلك.
3. المصالحة ستؤدي ولا بدّ لفقدان عدد من المتنفذين مواقعهم إما لفسادهم أو خيانتهم أو جرائمهم بحق أبناء شعبهم، وهؤلاء هم الذين يحكمون ويرسمون هذه الأيام، وهم الذين بأيديهم الحل والربط.
4. المصالحة تحتاج أحد أمرين: رجالاً يتمتعون بالجرأة لقول "لا" لأمريكا وإسرائيل، وهؤلاء لم يبق منهم في الصف المقابل أحد، فالباقون إما جبناء أو مستفيدون من هذا الموقف الانبطاحي، أو أن تتهيأ لها أجواء دولية، تجعل القوى المتنفذة والمتحكمة في قرار السلطة وفتح تسمح لها بالمضي في طريق المصالحة.

لا أريد أن أخوض أكثر في الأسباب، ولكنني مع ذلك مؤمن أن كل هذه العوامل قابلة للتغيير، وذلك لأنه لا يزال يوجد في أبناء فتح – هكذا أظن – قلة ليست راضية عما يحصل، وهذه القلة ليس بيدها الأمر والنهي هذه الأيام، ولا بد أن يتحركوا ليستعيدوا ما سُرق منهم من تاريخ حركتهم، وعندما يحصل ذلك، وينضج هؤلاء، ويصبحون مستعدين لتولي زمام الأمور، يمكن أن نصل وإياهم إلى مصالحة مستندة إلى الحفاظ على الثوابت وعدم التفريط فيها، وحتى يحدث ذلك فلا أرى أنه يمكن أن تتحقق المصالحة التي نريد.

لماذا أقول ذلك مع علمي أن البعض سيتهمني بأنني أنشر التشاؤم بين أوساط شبابنا وقواعدنا؟؟

أقول ذلك لإيماني أن شبابنا واعون، وأن من حقهم علينا أن نصارحهم، ولأن تعاملنا مع الواقع الذي نعيش ناتج عن فهمنا له وتصورنا لحقيقته، فإذا كنا نتوقع المصالحة بين حين وآخر، سنبقى نحلم بها ونبقى قاعدين في بيوتنا انتظارًا لهذا القادم الذي لن يجيء قريبًا.

أما إذا أدركنا أن الواقع الذي نعيشه هو ما هو عليه، وأنه لا يظهر في الأفق القريب، ولاحظوا أنني أتحدث عن الفترة القريبة ولا أدعوا للتشاؤم الكلي، أقول لا يظهر أمل واضح في تغير هذا الواقع الذي نحياه في الضفة، فعلينا أن نوطن أنفسنا على التعامل مع هذا الواقع كما هو، وأن لا نستسلم له، بل علينا أن نبدع كما سبق وأبدعنا في مراحل سابقة حتى نحافظ على وجودنا، وعلى تواصلنا مع بعضنا، وعلى تمسكنا بدعوتنا.

قد يسأل البعض وما الذي ينبغي علينا فعله؟؟

قد لا أملك الجواب، وقد لا يملكه غيري، ولكني أدرك أن بعض المراحل تحتاج إلى الصبر وإلى مزيد من الصبر، حتى تتغير الظروف، ولنستحضر كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر على آل ياسر وهم يُعَذَّبون فيقول لهم: صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة، ولم يكن يملك - بأبي هو وأمي - أن ينجدهم بشيء إلا بهذه الكلمات.

فيا أحبابنا ويا إخواننا...
هذا هو الواقع، فلنفهمه ولنتعامل معه كما هو، ولا نجلس في بيوتنا ننتظر الحلول من وراء الغيب، فإن الله سبحانه قد كلفنا أن نسير في هذه الدنيا وفق قانون الأسباب، ونعتمد على رب الأسباب، ولندرك أن مشوارنا طويل، ولكن الذين يصبرون إلى آخر الطريق هم الذين سيفوزون بالدرجات العلى.
أسال الله أن يرزقني وإياكم الثبات، وأن يبدل هذا الحال الذي نحن فيه.

2010/10/24

مشعل ودولة الـ67 وحزب التحرير

عندما كتبت مقالتي السابقة والتي عنونتها بعنوان"رسالة للناطق باسم حزب التحرير" كنت مدركاً أنني لن استطيع تغيير منهج التفكير عند الحزب، ولكنني قلت لنفسي فلأُعذر أمام الله، ولم أرغب في الرد على كثير من التساؤلات التي طرحت على صفحات شبكة فلسطين للحوار وعلى منتدى حزب التحرير وعلى مدونتي الشخصية، لأنني لم أرغب في أن ننشغل بجدلٍ عقيم لن يؤدي إلى نتيجة، وكنت أنوي أن لا أعود للحديث في الموضوع ذاته.
ولذلك عندما قرأت الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام عن تصريحات الأخ خالد مشعل لصحيفة "نيوزويك"، والذي جاء فيه "أكد خالد مشعل مدير المكتب السياسي لحركة حماس، أنه على استعداد لتقبل أي اتفاق يتم التوصل إليه مع الإسرائيليين بشرط موافقة أغلبية الفلسطينيين عليه- وفق ما جاء في صحيفة "نيوزويك" الأمريكية... " الخ. عندما قرأت هذا الخبر أدركت فورًا أن الإخوة في حزب التحرير سيتلقفونه ويؤولون الكلام ويحملونه ما لا يحتمل، وراودتني نفسي أن أكتب توضيحًا لذلك، غير أني تذكرت ما سبق وعزمت عليه من عدم الخوض في الموضوع هربًا من الجدل المذموم، وخصوصًا أن جراحنا ما زالت تثعب دمًا، وشبابنا ما زالوا تحت سياط الظالمين من كل مكان، والحرب ما زالت معلنة علينا من كل الجهات.
غير أني غيرت رأيي، وأرجو أن أستطيع جعلها المرة الأخيرة التي نخوض فيها مثل هذه النقاشات، وسبب ذلك أنه وصلتني رسالة في بريدي الالكتروني من أخي الحبيب د. ماهر الجعبري الناطق الإعلامي باسم حزب التحرير، والذي لن يغير ما بقلبي نحوه خلافنا، لأنني مقتنع أنه مخلص وإن كان مخطئًا في طريقه، وأدعو له بالهداية، يقول لي فيها:" السلام عليكم أخي الغالي عيسى - أبا خيري- ... لعلك لا تطلع على مثل هذه التصريحات:[ There is a position and program that all Palestinians share. To accept a Palestinian state on the 1967 borders with Jerusalem as the capital. With the right of return. And this state would have real sovereignty on the land and on the borders. And with no settlements. ] هذه رؤية واقعية حول قبول دولة في حدود 67 ولم تعد هنالك حاجة للحديث حول المرحلية، والله إن القضية خطيرة، كتبت مقالا لعلك تلاحظه غدا حول قبول حل الدولتين من قبل القيادات الإسلامية، آمل أن نتابع السياسة بعقولنا قبل قلوبنا، مع خالص مودتي.... أخوك: ماهر".
وطالعت صباح هذا اليوم موقع الحزب لأقرأ مقال د. ماهر فلم أجد المقال، غير أني وجدتهم قد كتبوا تعليقًا على الخبر المشار إليه، كان مما جاء فيه:" في تصريح خطير يدل على اختلال المرجعية، وتحكّم العقلية المضبوعة بأوهام الغرب وطريقته في حل المشاكل والبعد عن تحكيم شرع الله، واللجوء إلى تحكيم وتشريع البشر على الطريقة الديمقراطية الحرام، والتي تجعل من البشر آلهة من دون الله عبر جعل التشريع والسيادة للشعب قال مشعل..."، ثم ختموا التعليق بقولهم:" وأننا نتوجه مرة أخرى لإخواننا في حركة حماس وندعوهم لمحاسبة قادتهم والأخذ على أيديهم للكف عن هذا الترويض الحاصل والرامي إلى قبول التنازل عن أرض فلسطين ومقدسات المسلمين، فالإسلام أوضح من أن يغطى بغربال التصريحات الإعلامية" اهـ.
ولأنني لا أقبل لهذا التدليس أن ينطلي علينا، وأخشى أن ينخدع به بعض الناس، فقد عدت وعزمت على الكتابة حول هذا الموضوع، ومع أني أدرك ما وراء تصريحات الأخ خالد مشعل، وأثق بأنها لا تخالف أحكام الشرع وفق اجتهادنا، إلا أنني عدت للنص الأصلي للمقابلة – باللغة الإنجليزية – وتمعنت فيه، لأجد هل هناك مبرر لإخواننا في الحزب ليستمروا في موقفهم المسبق هذا، أم أنهم يترصدون الكلام ليقعوا على أخطاء فيه، فما الذي وجدته:
وجدت أن مشعل قال في جوابه على السؤال الأول في المقابلة:" من البداية ليس هناك مستقبل ولا أفق للمفاوضات، المفاوض الفلسطيني يذهب للمفاوضات بدون أية أوراق قوية للضغط على إسرائيل، ما الذي سيجبر نتنياهو على إعطاء المفاوض الفلسطيني ما يطلبه؟؟"
ثم عندما سئل عن موقف الحركة من حل الدولتين أجاب بقوله:"يمكنني الإجابة على سؤالك النظري، ولكن هذا أصلاً لا يتوقع أن يحدث. هناك موقف وبرنامج يشترك فيه جميع الفلسطينيين، لقبول إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 تكون القدس عاصمتها، مع حق العودة، وتكون لهذه الدولة السيادة الحقيقية على الأرض وعلى الحدود، وبدون وجود أي مستوطنات"، ولاحظوا معي أيها الإخوة أن الجملة الأولى والتي اعتبرت السؤال نظريًا وأن هذا الاتفاق افتراضي بحت لا أساس له، قد غابت عن نظر الإخوة من الحزب الذين كتبوا عن هذا الموضوع؟؟!!!
ولاحظوا معي أيضًا أن مشعل أعلن أن حماس ستقبل إقامة دولة على حدود سنة 67 بالشروط المذكورة، ولم يقل أن ذلك يعني الاعتراف بدولة إسرائيلية على بقية أرض فلسطين التاريخية، فهو قد ذكر العامل المشترك بين الفلسطينيين، أما قبول حل "الدولتين" فأين هو في كلامه؟؟ أو في كلام أيٍّ من قادة الحركة؟؟؟
والإخوة في الحزب يقولون في تعليقهم:" فهل عمي على مشعل السبيل لتحرير الأرض المقدسة؟؟؟ وأن قضية فلسطين ليست مشكلة تحل بالتفاوض أو الانسحاب من المفاوضات؟؟" فأقول لكم: يا من لم تقرؤوا المقابلة، وإنما أخذتم معلوماتكم مما فهمه محررو نيوزويك منها، وهذا من باب إحسان الظن بكم، وإلا فيمكنني أن أفترض أنكم قرأتموها و"طنّشتم" ما لا يوافق رأيكم فيه، ولكني لن أفترض ذلك من باب إحسان الظن الذي أدعو إليه، أقول لكم: اسمعوا ما قاله مشعل في المقابلة نفسها:
قال" خيار المقاومة هو الخيار الحقيقي، نعم نحن مع الدبلوماسية والسياسة، ولكن ينبغي أن يكون لدينا مقاومة، فالأساس هو المقاومة، ووجود بطاقات وأدوات الضغط على الإسرائيليين".
وقال:"يوجد احتلال وهذا يتطلب مقاومة، متى تتوقف المقاومة؟ عند الانتهاء من الاحتلال".
وقال:"الاحتلال غير قانوني، ولذلك فالمقاومة قانونية".
أنا لا أرى في كلامه هذا ما يدل على أن رأي حماس هو أن القضية تحل بالمفاوضات أو الانسحاب منها؟؟!!
وأريد أن أذكر إخواني من حزب التحرير وغيره أنه في موضع الجدل والحوار يجوز للمجادل أن يعلن قبوله بالمستحيل، إفحامًا لخصمه، ولنتذكر قوله تعالى"قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ. سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ"[الزخرف81-82]، فقد قال الإمام الطبري شيخ المفسرين في تفسيره:"معنى الكلام: قل يا محمد لمشركي قومك ... إن كان للرحمن ولد فأنا أول عابديه بذلك منكم، ولكنه لا ولد له،... وإذا وجه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه لم يكن على وجه الشك، ولكن على وجه الإلطاف من الكلام وحسن الخطاب، كما قال جل ثناؤه:" قُلِ اللَّهُ، وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ"، وقد علم أن الحق معه، وأن مخالفيه في الضلال المبين"، وقال القرطبي في تفسيره:"المعنى قل يا محمد: إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده، ولكن يستحيل أن يكون له ولد، وهو كما تقول لمن تناظره: إن ثبت ما قلت بالدليل فأنا أول من يعتقده، وهذا مبالغة في الاستبعاد، أي لا سبيل إلى اعتقاده".
ونحن نقول للمفاوضين: إن استطعتم أن تحصلوا على اتفاق يحقق دولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ويضمن عودة اللاجئين كلهم بملايينهم الستة إلى منازلهم ويوافق عليه الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات فنحن لن نعارض ذلك"، نقوله كما في الآية مبالغة في الاستبعاد كما في الآية، فقد تعلمنا أن نتبع نهج القرآن في المحاججة لا نهج أهل الجدل.
وفي النهاية اسأل الله الهداية لجميع العاملين للإسلام، وأقول لإخواننا الأحباب في حزب التحرير: لا نريد لكم والسكاكين تشحذ لذبحنا كل يوم، أن تظهروا في صف الأعداء، ولا زالت عناويننا معكم لتستفسروا عن ما تشاؤون، ونحن لن نرفض نصائحكم، ولكننا نريدها أن تكون منضبطة بأدب النصيحة الذي أدبنا به الإسلام، "عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ".

2010/10/11

قياداتنا ورموزنا بين إساءة الظن وإحسانه

رسالة لأخي وصديقي د. ماهر الجعبري


الدكتور ماهر الجعبري الناطق الإعلامي باسم حزب التحرير بالنسبة لي أخ عزيز، فهو صديقي من أيام الطفولة، كما أنه جاري، وقد كان من السهل عليّ أن أحاوره فيما كتب ونحن خارجان من الصلاة في مسجد نمرة الذي نلتقي فيه كل يوم عدة مرات، ولكن وبما أن كلامه هذا منشور للعامة، فلا بد من أن يكون الرد عليه كذلك، وكلي ثقة أن خلافنا في الرأي، وهو خلاف منذ أمد بعيد، لن يفسد قضية الود بيننا كما لم يفسدها في السنوات الغابرة.
كتب أخي أبو ثائر مقالاً بعنوان "القيادات والرموز بين المحاسبة والتقديس"، وفي مقاله ذاك اتهم أبناء الحركة الإسلامية بأنهم يعانون من "حالة من التقديس أكثر فظاعة من تقديس الرؤساء، لا يمكن أن تقبلها أمة منحطة في الفكر فكيف تقبلها أمة إسلامية راقية؟"، وهو يعزو ذلك إلى أن "معايير الثقة بالقيادة وبحكمتها قد جعلت تلك القيادة فوق الأفكار وفوق الأمة وفوق المحاسبة".
مشكلة إخواننا في حزب التحرير هي أنهم يُعملون سوء الظن بنا كحركة إسلامية في المقام الأول، مع العلم أن سوء الظن هذا أمر منهيٌّ عنه شرعًا، فالله سبحانه وتعالى يقول:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " [الحجرات12]، والرسول  يقول في الحديث المتفق عليه "إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث"، والسلف علمونا أن نتعامل مع بعضنا بحيث لا نبادر لإساءة الظن قبل البحث والتنقيب، فقد قال جعفر الصادق رحمه الله:" إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا، فإن أصبته، وإلا، قل لعل له عذرا لا أعرفه"[رواه البيهقي]، وروى البيهقي كذلك عن محمد بن سيرين أنه قال:"إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد له عذرا، فقل: له عذر".
وسوء الظن في حالتنا هذه هو أن يكون الكلام محتملاً لأكثر من وجه، فيحمله إخواننا غفر الله لهم على أسوأ وجوهه، ويطعنون في نياتنا، ومع ذلك فنحن لا نريد منكم يا إخواننا أن تعاملونا بحسن الظن، لأننا لم نتعود ذلك منكم للأسف، وإنما نريدكم أن تحاكمونا إلى القواعد الشرعية التي تزعمون التزامكم بها، وأريدك يا أخي وصديقي أبا ثائر أن ترجع إلى كتب أصول الفقه والتي كتب فيها علماؤنا عن البيان وكيفية فهم كلام المتكلمين، وكيف أنه عندما يكون هناك كلام مجمل، والمجمل عندهم اللفظ الصالح لأحد معنيين لا يتعين أحدهما لا بوضع في اللغة ولا بعرفٍ في الاستعمال، فإنهم يعلموننا اللجوء إلى القرائن لفهمه، وكيف أنهم ذكروا أنه عندما يكون هناك لفظ مشترك فلا بد من الاجتهاد لتعيين المراد منه.
ومن هنا أقول لك ردًّا على سؤالك:"هل يمكن لأنصار حكومة حماس أن يسألوا رئيس حكومتهم في غزة ما معنى "السلام العادل" الذي يتحدث عنه في نغمة تزداد تصاعدا ؟"
نحن لسنا بحاجة إلى أن نسأل رئيس حكومتنا في غزة عن معنى السلام العادل، ذلك أن هذا المصطلح له معنيان، أحدهما يستخدمه الأمريكان والصهاينة وأتباعهم، وهم يعنون به سلب حقوقنا واستسلامنا لهم، والآخر هو الذي يفهمه المسلم بداهة من أصول دينه عندما يُذكر العدل، وليس للسلام العادل في مفهومنا إلا أنه السلام الذي يعيد لكل ذي حق حقه، وحقوقنا معلومة معلنة لم نتنازل يومًا عنها، ولم نُخفِها يومًا، فهل أنت مع هذا السلام العادل الذي ندعو إليه أم أنك لست معه؟!!
أما عن سؤالك ولمزك في كلام الأخ خالد مشعل حول أن المفاوضات تحتاج إلى أوراق قوة؟ وكأنك تريد أن توحي أننا نلهث وراء المفاوضات ونبحث عن مكان فيها، فأقول لك: إن اعتراضنا ليس على مبدأ المفاوضات كمبدأ، لأن المفاوضات بمعناها الدارج وهو أنها "محادثات سياسية تتم بين طرفين متنازعين من أجل تسوية سلمية للقضية المتنازع عليها، ويعمل كل طرف على الحصول على تنازلات من الطرف الآخر"، ليست مستنكرة في الشرع، فقد فاوض الرسول  أعداءه في عمرة الحديبية، ووصلت مفاوضاته معهم إلى اتفاق، ولكن المشكلة في المفاوضات التي نعترض عليها تتركز في أمرين:
أولهما: أن المفاوض في رأينا يجب أن يكون متمسكاً بكل الثوابت التي هي ملك للأمة وليست ملكاً له ولا لفريقه، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن بذهب إلى المفاوضات وهو ينوي التنازل عن أي شيء منها.
والثاني: أن المفاوض لا يستطيع تحصيل هذه الثوابت بدون أوراق قوة بين يديه يستطيع بها إجبار خصمه على التنازل.
ومشكلة المفاوض الفلسطيني هذه الأيام هي أنه فاقد للأمرين معًا، فهو يذهب إلى المفاوضات وقد أعلن نيته التنازل عن حق الأمة في فلسطين التاريخية، وليس بين يديه ما يُمَكِّنه من تحصيل أدنى شيء، وليس لديه بدائل يلجأ إليها إن رفض الطرف الآخر إعطاءه الحق الذي يطالب به.
نعم، لو كانت الظروف مختلفة عن ما نحن فيه، فإننا سنوافق أن نذهب إلى المفاوضات، لنعرض على المحتل أن يقوم بترتيبات تضمن انسحابه من كل أرضنا المحتلة، وهي من البحر إلى النهر، ونفاوضه على ترتيبات انسحابه، وتوابع ذلك، ولكن ذلك غير متوفر في الظروف التي نحن فيها من تشرذم الأمة وخيانة حكامها وتكالب أعدائها عليها.
وأريد أن أختم معك أخي أبا ثائر بتذكيرك بموقف من سيرة الحبيب المصطفى  نتعلم منه كيف يتم فهم الكلام الصادر من شخص ما، ففي الحديث الذي رواه البخاري وغيره قال رسول الله  "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وهي عبارة كان يستخدمها أهل الجاهلية ويعنون بها معناها الظاهر، ولكن لما كان صحابة الرسول  قد علموا أنه لا يمكن أن يقول كلامًا يناقض القواعد الشرعية التي علَّمهم إياها، وإن إعمال النص على ظاهره يخالف هذه القواعد، لم يعترضوا بل استفسروا عن الكيفية التي يصح الكلام بها شرعًا فسأله أحدهم :"رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟" فجاءه البيان من المصطفى  :"تحجزه، أو تمنعه، من الظلم، فإن ذلك نصره".
أتمنى عليك أخي الحبيب أبا ثائر وعلى كل إخواننا في حزب التحرير أن تتعاملوا معنا بهذه الطريقة الشرعية، وهي أن تنظروا في كلام المتحدثين منا والناطقين باسمنا وفق موازين الشرع ومصطلحاته، لأننا أعلنا ونعلن وسنبقى نعلن أن مرجعيتنا الوحيدة هي الإسلام، وأننا بُرَءَاءُ من كل ما يخالف الإسلام، فإن استبهم عليكم شيء ولم تتضح لكم حقيقته فاسألونا فلسنا بعيدين عنكم، ولا تحاكمونا إلى مصطلحات غيرنا ولا إلى ظنونكم بنا، ولنتعامل بالقاعدة الذهبية التي ذكرها العلامة الشيخ رشيد رضا رحمه الله في قوله" نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه".
أسأل الله أن يريني وإياك الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه ويُريَنا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
أخوك م. عيسى الجعبري
وزير الحكم المحلي الأسبق

2010/10/09

مشاعر تجاه الشهداء

عندما أسمع عبارات التهنئة باستشهاد أحد إخواني المجاهدين ينتابني شعور بانقباض القلب، يكاد يطبق على صدري، ولا أدري أهذا شعوري وحدي أم يشاركني فيه آخرون؟؟
أنا أعلم أن ما للشهيد عند ربه خير له من هذه الدنيا بما لا يقاس، وأنا أعلم علم اليقين أنه قد فاز باصطفاء الله له، وقد استراح من هذه الدنيا، وأنا أعلم كذلك أن أهله سينالهم من الأجر والثواب ما يستحقون الفرح به "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ"[يونس58].
ولكن الذي يصيبني أنني أنظر إلى المسألة من زاوية أخرى، تلك هي زاوية خسارتنا نحن لهؤلاء الشهداء الأفذاذ عليهم من الله الرحمة والرضوان، فعندما يسقط أحد الشهداء الأبطال في هذا الزمن الذي يعز فيه الرجال نكون قد خسرنا خسارة فادحة، وأصابتنا مصيبة عظيمة، هكذا سماها القرآن الكريم واعتبرها مصائب، تعالوا نقرأ ما قاله تعالى عن ذلك:"وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة 154-157]. ألا ترون معي أن الهْ سبحانه قد سماها "مصيبة"، وسماها "سيئةً" في قوله تعالى:"وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا" [آل عمران120]، وسماها قَرحًا في قوله تعالى:"إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" [آل عمران140].
لا أريد التثبيط، معاذ الله، ولكني عندما يُستَشهد أحد إخواني المجاهدين وينال منه الأعداء أشعر بالنار تشتعل في قلبي، أشعر وكأن طعنة أصابتني أنا، فيغلبُ عليَّ حالُ الحزن والألم وغيظ القلب، فلا أستطيع التلفظ بعبارات التهنئة، فالتهنئة ينالها شخص الشهيد وأشخاص أهله الكرام، أما نحن فإننا أحوج إلى التعزية والبكاء.
عندما يُستَشهدُ أحد إخواني أستذكر موقف الرسول صلى الهص عليه وسلم عندما استشهد عمُّه حمزة وعددٌ من صحابته رضي الله عنهم جميعًا في معركة أحد وكيف وقف على قبورهم وهو ممتلئ غيظًا وحنقًا على الأعداء، وكيف دمعت عيناه الكريمتان - بأبي هو وأمي صلى الله عليه- عندما قال"ولكن حمزة لا بواكي له".
وعندما يُستَشهدُ أحد إخواني وأرى الفرحة في عيون قَتَلته وفي عيون أذنابهم يثور بركان في صدري، لا يطفئه إلا أن تحترق قلوبهم كما حرقوا قلوبنا.
نعم هنيئًا للشهيد بفوزه بما أراد، ولكن بالنسبة لنا نحن فإننا نستحق التعزية، ويجب علينا البكاء، ليس البكاء الذي ينم عن الضعف وقلة الحيلة، بل البكاء الذي تكون فيه الدموع وقودًا يدفع للسير على درب الشهداء وللانتقام ممن نال منهم، بكاء ينبع من قلب محب فقد حبيبه، وهو قلب فيه من الحب ما يدفع للتضحية لا للجبن.
وأستحضر أخيرًا قول الخنساء رضي الله عنها في أخيها صخر، ولا أشك أن إخواني من المجاهدين أحق به:
أعينيّ جودا ولا تجمُدا .......... ألا تبكيانِ لصخرِ النّدى ؟
ألا تبكيانِ الجريءَ الجميلَ ......... ألا تبكيانِ الفَتى السيّدا؟
طويلَ النّجادِ رفيعَ العمادِ ......... قد سادَ عَشيرَتَهُ أمْرَدا
إذا القوْمُ مَدّوا بأيديهِمِ ............ إلى المَجدِ، مدّ إلَيهِ يَدا
فنالَ الذي فوْقَ أيديهِمِ ....... من المجدِ ثمّ مضَى مُصْعِدا
يُكَلّفُهُ القَوْمُ ما عالهُمْ ......... وإنْ كانَ أصغرَهم موْلِدا
تَرى المجدَ يهوي إلى بيتهِ ..... يَرى افضلَ الكسبِ انْ يحمدَا
وَانَ ذكرَ المجدُ ألفيتهُ ......... تَأزّرَ بالمَجدِ ثمّ ارْتَدَى
رحم الله شهداءنا وتقبلهم عنده، وعوضنا عنهم خيرًا، وأعظم لنا الأجر في مصيبتنا بهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

2010/09/17

بعد أكثر من 15 عامًا: سامر القواسمي يستنشق عبير الحرية


أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمس 16/9/2010 عن الأسير سامر حمدي القواسمي من مدينة الخليل، بعد أن قضى في الأسر أكثر من 15 عامًا، تنقل فيها بين العديد من السجون، وكان آخرها سجن النقب الصحراوي.
التقيت الأخ الحبيب سامر – أبا همام - عندما كنت في سجن النقب في المرة الأخيرة، وذلك عندما انتقلنا إلى قسم ج10 في نهاية شهر 9/ 2009، وكان سامر يعمل يومها في "المردوان" – وهو الممر الموجود بين أقسام السجن، ويعمل فيه عدد من الأسرى من مختلف التنظيمات ويقومون بتوزيع الطعام الآتي من الإدارة، وتنظيف الساحات وأشياء أخرى لخدمة إخوانهم، وهو عمل مرهق بشكل كبير، ولا يستطيع الكثيرون الصمود فيه- كان سامر يعمل في المردوان وكان من الشباب المتفانين في خدمة إخوانهم والمتميزين باللطف والإخلاص.

انتقلت بعدها إلى قسم ج6 حيث كان هناك نخبة مميزة من الأسرى وعشت معهم الأيام الأربعين الأخيرة من مدة سجني تلك، وكان سامر أميرنا في ذلك القسم، وكان هناك كما هو في عمله في المردوان، متميزًا بإخلاصه وتفانيه واستيعابه لإخوانه، ولعل أكبر المشاكل التي تحتاج الحكمة في مثل ذلك الوضع كان وجود عدد كبير من الإخوة كبار السن والذين قضى بعضهم في السجن مددًا طويلة تجاوزت في بعض الأحيان الـ 18 عامًا متواصلة، والتعامل مع هؤلاء الإخوة المجاهدين الأفاضل فيه حساسية وصعوبة، فوضعهم يفرض لهم حق الاحترام والتقدير، وهم يتميزون بحساسية مفرطة فرضها عليهم العمر ومرور السنوات في الأسر، ومن عايشهم يدرك ذلك ويتفهمه، ولكن القوانين يجب أن تسير على الجميع لئلا يصبح الأمر فوضى، ولئلا يستغل بعض الشباب الصغار المنفلتين الأمر للتمرد على النظام، والمزاوجة بين تطبيق القوانين والمحافظة على مشاعر هؤلاء الإخوة الأفاضل أمر شاق يقع في غالبه على عاتق أمير القسم، وللأمانة فلم أشهد في تلك الأيام التي عشتها معهم أن أبا همام تسبب في "زعل" أي منهم، ولا أنه سمح بتجاوز القوانين، وهذا نجاح مميز في العمل الإداري داخل السجون، لا يدرك حجمه إلا من عايشه.
سامر صار حرًّا بعد أن قضى نحو "نصف عمره الحالي" وراء القضبان، فعمره الآن نحو 32 عامًا، وهو قد قضى تقريبًا "كل عمره الواعي" حتى الآن وراء القضبان فقد اعتقل وهو في سن الـ 16 تقريبًا، وأمامه مشوار طويل العمل والزواج والاستقرار.
أسأل الله أن يتقبل منه جهده وجهاده، وأن يرزقه الزوجة الطيبة الصالحة التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر وتحفظه في كل حال، وأن يرزقه الله التوفيق في أمور حياته كلها والثبات على طريق الهداية.
في الصورة المرفقة (من اليمين): م। وصفي كبها وزير الأسرى السابق، د। عزيز الدويك التشريعي، الأسير المحرر سامر القواسمي، م.عيسى الجعبري، النائب حاتم قفيشة.

2010/09/13

الإفراج عن الشيخ محمد جمال النتشة

الحمد لله رب العالمين
أنعم الله علينا بالإفراج عن الأخ الحبيب القائد "محمد جمال النتشة" أبو همام، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، بعد اعتقال دام أكثر من ثماني سنوات في المرة الأخيرة، وكان قبلها معتقلاً منذ سنة 1998 لدى أجهزة السلطة الفلسطينية في أريحا ورام الله.
أسأل الله تعالى أن يحفظ شيخنا وأخانا أبا همام وأن ينفع به في الدارين

2010/08/30

أبو البختري وحفظ المعروف

تمر علينا هذه الأيام ذكرى معركة بدر، وفي العادة يذكر المتحدثون المفاصل الرئيسة للمعركة ويتحدثون عنها في خطب الجمعة والدروس والكلمات في الاحتفالات، غير أنني أريد أن أقف عند بعض الأحداث التي يهملها الكثيرون ويعتبرونها ثانوية، مع أن فيها من الفوائد الكثير، وهي التي تعلمنا كيف يتم التعامل مع قطاعات مختلفة من الناس حولنا।
أحد المشاهد اللافتة للنظر في قصص معركة بدر، وما أكثرها! هو ما روته كتب السيرة عن طلب الرسول  من صحابته عدم قتل بعض المشاركين في جيش المشركين، فقد روى ابن هشام في سيرته أن النبي  قال لأصحابه يومئذ:"من لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله"
فلقيه المجذر بن زياد البلوي رضي الله عنه فقال لأبي البختري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك.
ومع أبي البختري زميل له قد خرج معه من مكة، قال: وزميلي؟
فقال له المجذر: لا والله، ما نحن بتاركي زميلك، ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بك وحدك.
فقال: لا والله، إذن لأموتن أنا وهو جميعا، لا تتحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة.
فقال أبو البختري حين نازله المجذر وأبى إلا القتال يرتجز
لن يسلم ابن حرة زميله حتى يموت أو يرى سبيله
فاقتتلا، فقتله المجذر بن زياد، ثم إن المجذر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به فأبى إلا أن يقاتلني، فقاتلته فقتلته.
هذا الموقف من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتضمن درسًا يجب علينا أن نقف عنده، وحتى نفهم الدرس يجب أن نعرف لماذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم قتل أبي البختري وعدد آخر من رجالات قريش المشركين.
قال ابن إسحاق: وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب.
ويعتبر موقف أبي البختري من صحيفة مقاطعة المسلمين هو الموقف الأساس الذي استحق به هذه الحماية، وهو موقف ذكره له التاريخ وسجله له ولمن كانوا معه بلسان الشكر، وملخص الموقف أن عددًا من رجالات قريش المشركين ساءهم الحصار الظالم الذي فرضته قريش على المسلمين في شعب أبي طالب، فاجتمعوا واتفقوا على أن يعملوا على نقض الصحيفة التي تعاقدت قريش فيها على أن تقاطع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه، وكان هؤلاء هم: هشام بن عمرو وزهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود، وكلهم كانوا من المشركين، فاتفقوا على ذلك، ووضعوا خطة لكسر الحصار، فأصبح زهير بن أبي أمية وعليه حلة فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.
قال أبو جهل - وكان في ناحية المسجد-: كذبت، والله لا تشق.
فقال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب، ما رضينا كتابها حيث كتبت.
وقال أبو البختري: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها، ولا نقر به.
وقال المطعم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها.
وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك.
فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، تشوور فيه بغير هذا المكان.
وكانت هذه الحركة التي قاموا بها أحد العوامل التي بسببها تم فك الحصار عن المسلمين بعد استمراره ثلاث سنوات.
ونلاحظ أن هؤلاء ورغم كونهم مشركين كانت لهم مواقف إيجابية من المسلمين، لعل الدافع لها كان الرحمة الإنسانية في قلوب بعض الناس، أو الأنفة من الظلم والجور، ليس مهماً لنا ما الدافع هنا، ولكن المهم ماذا كانت نتيجة عملهم.
ومما يذكر عما قام به بعض هؤلاء أن هشام بن عمرو كان يأتي بالبعير ليلاً، وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب، وقد أوقره طعاما، حتى إذا أقبل به فم الشعب خلع خطامه من رأسه ثم ضرب على جنبه فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به قد أوقره برا، فيفعل به مثل ذلك.
ولم يكن حفظ الرسول صلى الله عليه وسلم لمعروف هؤلاء مقتصرًا على موقفه من أبي البختري، فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر:"لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له".
وكان المطعم قد مات في مكة على شركه قبل معركة بدر بمدة يسيرة.
فانظر إلى هذا الوفاء من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان مستعدًا أن يطلق سراح كل أسرى المشركين في بدر إكرامًا للمطعم بن عدي لو كان حيا.
وكان المطعم قد وقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفاً يسجل له عندما رجع المصطفى صلى الله عليه وسلم من الطائف وقد صده أهلها وآذوه، فخشي من قريش بعد سماعها ذلك، وكان عمه أبو طالب قد مات، فدخل مكة في جوار المطعم بن عدي، الذي خرج بنفسه وأولاده وإخوته وقد تقلدوا أسلحتهم وشكلوا حلقة حول الرسول صلى الله عليه وسلم وأدخلوه مكة في حمايتهم مبدين استعدادهم للموت دفاعًا عنه، وهم مشركون.
وعندما مات المطعم، وهو قد مات على شركه كما قلنا رثاه شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسانُ بن ثابت رضي الله عنه بقصيدة قال فيها:

أيا عين فابكي سيد القوم واسفحي / بدمع وإن أنزفته فاسكبي الدما
وبكي عظيم المشعرين كليهما / على الناس معروفا له ما تكلما
فلو كان مجد يخلد الدهر واحدا / من الناس أبقى مجده اليوم مطعما
أجرت رسول الله منهم فأصبحوا / عبيدك ما لبى مهل وأحرما
فلو سئلت عنه معد بأسرها / وقحطان أو باقي بقية جرهما
لقالوا هو الموفي بخفرة جاره / وذمته يوما إذا ما تذمما
فما تطلع الشمس المنيرة فوقهم / على مثله فيهم أعز وأعظما
وآبى إذا يأبى ، وألين شيمة / وأنوم عن جار إذا الليل أظلما
وكان حسان قد مدح هشام بن عمرو أيضًا على دوره في نقض الصحيفة.
الدرس المهم أيها الإخوة الذي نريد استيعابه أن المسلمين هم أهل الوفاء، وأن من وقف معهم موقفًا إيجابياً وهم في محنتهم، حتى لو كان منم أهل الشرك فلن ينسوا له ذلك، وحتى في الآخرة فإن الله لن يضيع عمل هؤلاء الذي عملوه في الدنيا، وإلا فلماذا جعل الله سبحانه النار دركات كما جعل الجنة درجات، ولماذا كان أبو طالب أخف أهل النار عذابًا، ألأنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! لا والله، فقد كان أبو لهب عمه أيضًا، وإنما استحق هذا التخفيف عنه لمواقفه في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهي مواقف دفعه إليها حميته وعصبيته.
وهناك مسألة أريد أن أشير إليها نلحظها من موقف أبي البختري عندما أخبره الصحابي المجذر أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله، لاحظوا أن أول ما خطر بباله هو مصير زميله الذي كان معه، فلما رفض الصحابي أن يعطي الأمان لزميله أَنِفَ أبو البختري من أن يسلم رفيقه للقتل وينجو بنفسه، ووجد أن ذلك عيب لا ينبغي أن يقع فيه، فضحى بنفسه وقاتل حتى قتل، لئلا تقول نساء مكة أنه ترك زميله حرصًا على الحياة، وهذا الموقف يأتي من رجل مشرك، من الذين أخبرنا الله تعالى عنهم أنهم كانوا يقولون:"إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ" [المؤمنون٣٧]، فهو لم يكن يؤمن بالبعث بعد الموت، ولا بالجنة التي تدفع المؤمنين بها للرضى بالموت طمعًا بما ينتظرهم من جزاء، ولكن هذا الموقف من أبي البختري يدل على نفسية فيها عزة تأنف الذل وترفضه، وتتحرج من العار ومساوئ الأخلاق، ولعل هذا ما كان يدفعه للدفاع عن الرسول  في مكة، ولذلك استحق ذلك التنويه من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
نريد أيها الأحباب أن نتعلم أنه لا يجوز أن نعامل من وقف معنا وساعدنا كمعاملة من حاربنا، حتى لو كان الطرفان كافرَيْن، وهذا ما علمنا إياه ربنا سبحانه وتعالى في قوله:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الممتحنة 8-9].
أسأل الله أن يرزقنا الفقه في دينه.

2010/08/26

حق التلاوة

"الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ"[البقرة 121]
التلاوة كلمة تأتي بمعنى قراءة القرآن، قال في لسان العرب "تَلَوْت القرآن تِلاوةً: قرأْته، وعم به بعضهم كل كلام". وقال:"تَلا يَتْلو تِلاوَة يعني قرأَ قراءة".
ولكن الملاحظ وكما في كثير من كلمات اللغة العربية والتي يكون لها عدة معانٍ تختلف باختلاف سياقها أن معنى كلمة "تلا" أشمل من معنى القراءة، فقد جاء في لسان العرب كذلك أن من معاني كلمة "تلا" الاتباع والتخلف والتأخر، يقال:"تَلَوْته تُلُوّاً: تبعته" ، ويقال:"تَلا عَنِّي يَتْلُو تُلُوّاً إذا تركك وتخلَّف عنك" ويقال:"تَلا إذا اتَّبع، فهو تالٍ أَي تابعٌ. .. وتَلا إذا تخلَّف .. وتَلا إذا تأَخر" فكأن التالي في هذه المواقف يتبع المتلوَّ، ويتخلف عنه أي يجيء خلفه، ويتأخر عنه وهو من علامات الاتباع إذ التابع متأخر عن المتبوع.
هذه المعاني يجب أن نستحضرها عندما "نتلو القرآن"، فليست التلاوة مجرد القراءة والنطق بالألفاظ، ولذلك فهم أهل التأويل من العلماء من قوله تعالى: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ" أنهم الذين يتبعونه حق الاتباع، قال الطبري:"بـمعنى: يتبعونه حقّ اتبـاعه، من قول القائل: ما زلت أتلو أَثَره"، ونقل في ذلك أقوالاً عن السلف رضي الله عنهم تدور كلها في نفس السياق، منها:
قال ابن عبـاس:"يحلون حلاله ويحرّمون حرامه ولا يحرفونه".
وقال عبد الله ابن مسعود:"والذي نفسي بـيده إن حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرّف الكلـم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئاً علـى غير تأويـله".
وعن مـجاهد قال:"يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ عَمَلاً به".
وقال قـيس بن سعد:"يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ: يتبعونه حقّ اتبـاعه ألـم تر إلـى قوله:"وَالقَمَرِ إذَا تَلاها" يعنـي الشمس إذا تبعها القمر".
و "حَقَّ تِلاَوَتِهِ" فيه مبـالغة فـي صفة اتبـاعهم الكتاب ولزومهم العمل به، كما يقال: إن فلانا لعالـم حَقّ عالـم، وكما يقال: إن فلانا لفـاضلٌ كلّ فـاضل، فالمقصود كما يقول الطبري:"مدح التلاوة التـي تلوها وتفضيـلها".
نعم لقد ذكر بعض المفسرين أن معنى "حق تلاوته" أي حق قراءته، وذكروا في ذلك وجوهًا منها:
· أنهم تدبروه فعملوا بموجبه حتى تمسكوا بأحكامه من حلال وحرام وغيرهما.
· أنهم خضعوا عند تلاوته، وخشعوا إذا قرؤوا القرآن في صلاتهم وخلواتهم.
· أنهم عملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وتوقفوا فيما أشكل عليهم منه وفوضوه إلى الله سبحانه.
· يقرؤونه كما أنزل الله، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يتأولونه على غير الحق.
ومنها أن تحمل الآية على كل هذه الوجوه لأنها مشتركة في مفهوم واحد، يتضمن تعظيم ما أنزل الله والانقياد له لفظاً ومعنى، فوجب حمل اللفظ على هذا القدر المشترك تكثيراً لفوائد كلام الله تعالى والله أعلم.
وذهب بعضهم إلى أن المقصود بحق التلاوة :"فهم مقاصد الكلام المتلو، فإن الكلام يراد منه إفهام السامع، فإذا تلاه القارىء ولم يفهم جميع ما أراده قائلُه كانت تلاوته غامضة، فحق التلاوة هو العلم بما في المتلو".
غير أنه وإن كانت هذه المعاني مقبولة فحق التلاوة لا يتحقق إلا بالاتباع، إذ هو المقصود الرئيس من نزول القرآن، وقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن الحسن قال:"ما تدبر آياته إلا اتباعه بعلمه، والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: والله لقد قرأت القرآن كله وما أسقط منه حرفا واحدا وقد أسقطه كله، ما ترى له في القرآن من خلق ولا عمل، وحتى أن أحدهم ليقول: والله إني لأقرأ السورة في نَفَس واحد، والله ما هؤلاء بالقراء و لا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة، ومتى كان القراء يقولون مثل هذا، لا كثر الله في المسلمين من هؤلاء".
وروي عن ابن مسعود أنه قال:"أُنْزِل القرآن عليهم ليعملوا به, فاتخذوا دراسته عملاً, إن أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته لا يسقط منه حرفاً, وقد أسقط العمل به".
وقد بين الله تعالى في سورة فاطر نوعية قراء القرآن الذين وعدهم بالأجر فقال سبحانه:"إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ. لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ" [فاطر29-30]، وهذه الآية كان مطرف بن عبد الله يقول عنها: هذه آية القراء.
وقال الشهيد سيد قطب عن هذه الآية :"وتلاوة كتاب الله تعني شيئاً آخر غير المرور بكلماته بصوت أو بغير صوت، تعني تلاوته عن تدبر، ينتهي إلى إدراك وتأثر، وإلى عمل بعد ذلك وسلوك، ومن ثم يتبعها بإقامة الصلاة، وبالإنفاق سراً وعلانية من رزق الله، ثم رجاؤهم بكل هذا (تجارة لن تبور)، فهم يعرفون أن ما عند الله خير مما ينفقون، ويتاجرون تجارة كاسبة مضمونة الربح، يعاملون فيها الله وحده وهي أربح معاملة؛ ويتاجرون بها في الآخرة وهي أربح تجارة، تجارة مؤدية إلى توفيتهم أجورهم، وزيادتهم من فضل الله، (إنه غفور شكور)، يغفر التقصير ويشكر الأداء، وشكره ـ تعالى ـ كناية عما يصاحب الشكر عادة من الرضا وحسن الجزاء، ولكن التعبير يوحي للبشر بشكر المنعم تشبهاً واستحياء، فإذا كان هو يشكر لعباده حسن الأداء أفلا يشكرون له هم حسن العطاء؟!"
أسأل الله أن يجعلنا ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته، وأن يجعل القرآن حجة لنا لا حجة علينا، اللهم آمين.

2010/08/23

صاحب الرغيف

روى أبو بردة بن أبي موسى الأشعري أنه لما حَضَرت أبا موسى الوفاةُ قال: يا بَنيّ اذكروا صاحب الرغيف، كان رجلٌ يتعبد في صومعة أراه سبعين سنة , لا ينزل إلا في يوم واحد.
قال: فشُبِّه أو شبه الشيطان في عينه امرأة، فكان معهما سبعة أيام أو سبع ليال، ثم كشف عن الرجل غطاؤه، فخرج تائباً وكان كلما خطا خطوة صلى وسجد.
فآواه الليل إلى دكان عليه اثنا عشر مسكينا، فأدركه الإعياء، فرمى بنفسه بين رجلين منهم , وكان ثَمَّ راهبٌ يبعث إليهم كل ليلة أرغفة فيعطي كل إنسان رغيفاً، فجاء صاحب الرغيف فأعطى كل إنسان رغيفاً, ومر على ذلك الرجل الذي خرج تائباً فظن أنه مسكين فأعطاه رغيفاً, فقال له المتروك: مالك لم تعطني رغيفي؟
فقال: تراني أمسكت عنك؟ سل هل أعطيت أحداً منكم رغيفين؟
قالوا: لا.
فقال: والله لا أعطيك الليلة شيئاً.
فعمد التائب إلى الرغيف الذي دفعه إليه فدفعه إلى الرجل الذي تُرك.
فأصبح التائب ميتاً، قال: فوزنت السبعون بالسبع ليال، فرجحت الليالي، فوزن الرغيف بالسبع الليالي فرجح الرغيف، فقال: أبو موسى: يا بني اذكروا صاحب الرغيف.
[الحكاية أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه، باب ما ذكر في سعة رحمة الله تعالى، ح33546، وأبو نعيم في حلية الأولياء، ح 916، وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة 1/100.]

هذه الحكاية التي قصها الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه تحوي الكثير من الدروس والعبر التي تستفاد منها، أحببت أن نقف عند بعضها في هذه الأيام الفضيلة.
نلاحظ فيها بدايةً حرص أبي موسى على أبنائه وتنبيههم إلى طرق الخيرات وتوجيههم إلى ما يقربهم من الله، فالإسلام قد حث الآباء على توجيه أبنائهم وتربيتهم، وها هو أبو موسى يحرص على ذلك مع أبنائه، وليت كل واحد منا يقوم بهذا الدور المهم، فواجب تربية الأبناء وتوجيههم هذه الأيام ألزم من أي وقت مضى، ذلك أن الآباء يزاحمهم في عملية التربية الكثيرون، فالتلفزيون والانترنت وأصدقاء المدرسة والشارع والمناهج الدراسية التي تحوي أحيانًا بعض السم مدسوسًا في الدسم، كل ذلك يساهم في تربية أبنائنا، فإن لم نقم نحن بدورنا فلمن سنتركهم؟؟
درس آخر نستفيده من هذه الحكاية هو أن الشيطان يتربص بالإنسان ولا ييأس منه، وهو يبذل جهده الأكبر مع السائرين في طريق الله، فهذا الرجل عبد الله سبعين سنة، ومع ذلك كان الشيطان وراءه لم ييأس منه، فالشيطان كاللص، هل رأيتم لصًّا يحرص على سرقة منازل الفقراء المعدمين؟؟ اللصوص يحاولون سرقة منازل الأغنياء، والشياطين تحاول إضلال الأتقياء، ولذلك فيجب أن لا يغتر أحد منا بكثرة عبادته، فيظن أنه نال بها العصمة، فهذا العابد قد فُتِن بعد تعبده 70 سنة ولذلك كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول:" لا تقتدوا بالأحياء، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة".
ومما يستفاد من هذه الحكاية كذلك أن باب التوبة مفتوح، فمهما كان الخطأ الذي وقع فيه العبد، فإن الله "يغفر الذنوب جميعًا"، ومن وساوس الشيطان أنه يأتي للعاصي فيجعله ييأس من رحمة الله ومغفرته، ولعل يأسه هذه يكون ذنبًا أعظم عند الله من كل ذنب، وهناك قصة لطيفة في مسألة التوبة بعد مواقعة المعاصي رواها الخطيب البغدادي في "تاريخه" والبيهقي في "شعب الإيمان" عن إبراهيم بن شيبان قال: كان عندنا شاب عبد الله عشرين سنة فأتاه الشيطان فقال له: يا هذا أعجلت في التوبة والعبادة وتركت لذات الدنيا، فلو رجعت فإن التوبة بين يديك. قال: فرجع إلى ما كان عليه من لذات الدنيا، قال: فكان يوما في منزله قاعدا في خلوة فذكر أيامه مع الله فحزن عليها وقال: أَتُرى إن رجعت يقبلني؟! قال: فنودي يا هذا، عبدتنا فشكرناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإن رجعت إلينا قبلناك.
أما الدرس الأخير الذي سنقف عنده فهو حول أوزان الأعمال عند الله، فنحن نلاحظ من الحكاية أن خلق الإيثار والتواضع كان له من الوزن عند الله أكثر من عبادة الـ 70 سنة، فنلاحظ أنه عندما وزنت عبادة السنوات الـ 70 بليالي المعصية رجحت كفة السيئات، ولكن عندما وزن هذا العمل الذي يبدو في ظاهره قليلاً، وهو تخلي التائب عن رغيفه للمسكين رجحت كفة الحسنات، ولعل أحد أسباب ذلك الإخلاص الذي كان في إعطاء التائب رغيفه للفقير المتروك، فهو قد أعطاه الرغيف في عتمة الليل ولا يعرفه أحد، بينما عبادته السنوات السبعين كان يعرفها الناس ولعلهم كانوا يثنون عليه بها فيداخلها ما يداخلها من الآفات، إن وزن العمل عند الله لا يكون بما نراه عليه، فبعض الأعمال تعظم في الميزان لأمور يسرها الله فيها، ولذلك دخلت بغي الجنة في سقايتها لكلب، ودخلت امرأة النار في حبسها لهرة، ولذلك يجب علينا أن لا نتسرع في إصدار الأحكام على الناس، فلرب شخص ليس له في الظاهر من أعمال الخير إلا ما لا يذكر، وقد عمل بينه وبين ربه عملاً نال به الرضوان، ولرب شخص ظاهره الخير، ولكنه بارز الله بمعصية مقته الله بسببها، نعوذ بالله من ذلك.
هذه بعض الدروس المستفادة من هذه الحكاية، وفيها لو أردنا الاستطراد غير ذلك، ولكن في ما ذكرناه كفاية إن شاء الله.
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا، اللهم آمين.

2010/08/20

ثمامة ودرس في المبادرة


روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ ‏خَيْلاً قِبَلَ ‏ ‏نَجْدٍ ‏ ‏فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ ‏ ‏بَنِي حَنِيفَةَ ‏يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ ‏فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏فَقَالَ ‏مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ‏ ‏فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا ‏مُحَمَّدُ ‏ ‏إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ‏ ‏قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ‏ ‏ ثُمَامَةُ ‏ ‏فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ ‏ ‏فَانْطَلَقَ إِلَى ‏ ‏نَجْلٍ ‏ ‏قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ ‏ ‏مُحَمَّدًا ‏ ‏رَسُولُ اللَّهِ يَا ‏ ‏مُحَمَّدُ ‏ ‏وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ ‏ ‏مَكَّةَ ‏ ‏قَالَ لَهُ قَائِلٌ ‏ ‏صَبَوْتَ ‏ ‏قَالَ لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ ‏ ‏الْيَمَامَةِ ‏ ‏حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ ‏ ‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سنقف وقفة مع مسألة واحدة في قصة ثمامة رضي اله عنه فيها درس عظيم يجب أن نتعلمه من هذه القصة.
أنظروا إلى موقف ثمامة الذي انتقل إليه خلال وقت قصير منذ أن دخل في الإسلام:
كان ثمامة رضي الله عنه ذاهبًا إلى مكة لأداء العمرة عندما وقع في أسر المسلمين، ثم أسلم، ففهم فورًا أن من واجبات التزامه بهذا الدين أن ينقاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم انقيادًا تامًّا وأن يكون جنديًا طائعًا عنده، ولذلك لم يكمل طريقه إلى مكة لأداء العمرة إلا بعد أن استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وعندما وصل مكة، وكان خبر إسلامه قد سبقه إليها، فهو لم يكن من الناس المغمورين، بل كان سيدًا من سادات قبيلته بني حنيفة، ففي رواية مسند أحمد للحديث قال أن الخيل جاءت "برجل من بنى حنيفة، ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة"، وكان المشركون يترصدون أخبار من يدخل في الإسلام، فعيروه بإسلامه، وقالوا له :"صبوت"، أي تركت دين آبائك وأجدادك، ونحن نعلم مقدار تمسك أهل الجاهلية بما كان عليه آباؤهم حتى لو كانوا يعلمون أنه الباطل، وقد ذكر الله تعالى عندهم أنهم كانوا يحتجون على تمسكهم بما هم عليه من عبادة الأوثان بأنهم وجدوا آباءهم على ذلك:"وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ" [الزخرف ٢٣].
فتعيير العربي بأنه ترك ما كان عليه آباؤه كان أحد أساليبهم في الضغط عليهم لردهم عن اتباع الإسلام، المهم ماذا كان موقف ثمامة رضي الله عنه من ذلك؟!
أنظروا ما الموقف الذي اتخذه الصحابي الجليل ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة، لقد قال لهم:"ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم".
نعم، فمكة كما نعلم أرضٌ غير ذات زرع، وقوتها وميرتها تأتيها من بقية أماكن الجزيرة العربية، وكان القمح يأتيهم من اليمامة، ففي إحدى روايات الحديث قال الراوي عن اليمامة:" وكانت ريف مكة"، واليمامة موطن قبيلة بني حنيفة والتي كان ثمامة سيدًا من ساداتها، فإذا قرر ثمامة أن يمنع عنهم الميرة ويقطع طرق تزويدهم بالقمح فهو يحاصرهم حصارًا اقتصاديًا له أثر كبير عليهم.
وقد أخرج البيهقي الحديث في سننه الكبرى وجاء فيه:"وانصرف إلى بلده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي إليهم حمل الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم".
لقد وجد ثمامة رضي الله عنه نفسه في موقع يستطيع من خلاله خدمة دينه، والدفاع عن نبيه، وإضعاف المشركين، فقرر فرض هذا الحصار الاقتصادي، وهذا الموقف الذي أخذه ثمامة، أن يبادر ويفرض حصارًا اقتصاديًا على مشركي مكة درسٌ يجب أن نتعلم منه، فكثيرًا ما يجد الواحد منا نفسه في موضع يستطيع الدفاع فيه عن دينه أو عن إخوانه المسلمين، لربما بكلمة أحيانًا لو قالها لخففت البلاء عن أحد إخوانه، أو بنصيحة لو أزجاها لمنعت أخاً له من الوقوع في المعصية، فما الذي يمنعنا من ذلك؟؟!
للأسف لقد تربينا على "الأنانية" و"السلبية" وأن لا نفكر بأكثر من ذواتنا، قلما تجد عند الناس روح المبادرة والإيجابية، ترى أحدهم ينتقد الحكام وظلمهم ويقول يجب أن يتم تغيير هؤلاء فإذا دعوته للانضمام إلى جماعة تسعى لتغييرهم وإقامة حكم إسلامي وجدته يهرب، فهو يريد أن يتم التغيير ولكنه لا يريد أن يبذل جهدًا في ذلك، وترى آخر يقترح عندما يحدث حدث ما كمجزرة في فلسطين أن يخرج الناس للاحتجاج، وعندما تقام مسيرة لأجل ذلك لا يفكر مجرد تفكير بالمشاركة فيها.
إننا بحاجة إلى أن نخلع رداء السلبية هذا، وأن نصبح مثل الصحابي الجليل ثمامة رضي الله عنه في إيجابيته ومبادرته.
التغيير لا يصنعه إلا المبادرون، الذين تحترق قلوبهم عندما يرون الضلال والاعوجاج فيسارعون لتقديم ما يستطيعون، ولننظر إلى مخلوق آخر من المبادرين الذين ساهموا في تغيير الواقع حولهم، ذلك هو الهدهد الذي خلد الله تعالى ذكره في سورة النمل، فهو قد رأى قوم سبأ يعبدون الشمس من دون الله فهاله ذلك، وسارع إلى نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم قائلاً:"أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ. إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ. أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ."[النمل22-26].
لم ينتظر الهدهد أوامر من أحد أو حتى سؤالاً من سليمان صلى الله عليه وسلم، وإنما شعر عندما رأى القوم على الشرك أنه يجب أن يبادر ويقوم بخطوة، وكانت الخطوة التي يقدر عليها إبلاغ نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم بذلك، فأدت مبادرته إلى دخول الملكة وقومها في الإسلام.
ومثل ذلك موقف الجن الذين قص الله تعالى علينا قصتهم في سورة الأحقاف، فقال:"وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ" [الأحقاف٢٩]. فنلاحظ في الآية أن الأحداث جاء تعقيبها بحرف الفاء الذي يفيد الفورية، فهم فور أن استمعوا إلى القرآن وأدركوا صدقه، وفور أن قضيت قراءته " وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ" لم ينتظروا، بل شعروا أن واجبهم هو التحرك الإيجابي المبادر لإنذار قومهم.
وكما قلتُ فالتغيير لا يصنعه إلا المبادرون، ولنقف لحظة مع الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله عندما دخل امتحان القَبول في دار العلوم وسأله الممتحنون عن أكثر بيت أعجبه من المعلقات العشر التي كان يحفظها، فكان جوابه أنه بيت طرفة بن العبد الذي يقول فيه:
إذا القوم قالوا: من فتًى؟ خلت أنني عنيت، فلم أكسل ولم أتبلد
وكان طوال حياته رحمه الله سائرًا على هذا النهج، يخال أنه لا يجب حمل هم الأمة إلا عليه، ولم يكن ينتظر غيره ليفعل ذلك، فكان أن ترك هذا الأثر العظيم في الأمة وأحدث فيها التغيير الذي لا يزال مستمراً وسيصل بمشيئة الله حتى يحقق أهدافه.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا روح المبادرة وأن يجعلنا من عباده الإيجابيين الفاعلين.

2010/08/11

التقوى

بين الله تعالى لنا في الآية التي فرض فيها علينا الصيام السبب الذي من أجله فُرضَ الصيام على الأمة، ألا وهو تحقيق التقوى فقال تعالى[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] [البقرة 183].
وكلمة "لعل" قال العلماء فيها أنها تكون ترجيًا وتكون بمعنى "كي"، وقيل هي كلمة ترجيةٍ وتطميع أي كونوا على رجاء وطمع أن تتقوا بعبادتكم عقوبة الله تعالى أن تحل بكم.
إذًا فالمقصود من الصيام تحقيق التقوى، وحتى نحققها فلا بد من أن نعرف: ما معنى التقوى؟ وكيف نتحقق بها؟ وكيف يساعدنا الصيام على التحقق بها؟
معنى التقوى
كلمة التقوى مشتقة من الوقاية، ونحن نعلم أن معنى الوقاية هو أن تتخذ الإجراءات التي تجعل بينك وبين ما تخافه حاجزاً يمنع من وصول أذاه لك، فقد جاء في لسان العرب في مادة "وقي" :وَقَيْتُ الشيء أَقِيه إذا صُنْتَه وسَتَرْتَه عن الأَذى، ووقاه ما يَكْرَه ووقَّاه: حَماهُ منه.
فالأولاد الصغار يعطون الطعم لوقايتهم من الأمراض، والجنود يلبسون الدروع الواقية لوقايتهم من أسلحة أعدائهم، وعندما يقال "اتق دعوة المظلوم" فالمفهوم هو أن لا تظلم أحدًا حتى لا يكون هناك مظلوم يدعو عليك، وبذلك تحمي نفسك من دعوة المظلوم.
هذا المعنى هو الذي وضحه أبو هريرة رضي الله عنه عندما سأله رجل: ما التقوى؟
فقال: أخذتَ طريقا ذا شوك؟
قال: نعم.
قال: كيف صنعت؟
قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه.
قال: ذاك التقوى.
والمعنى أن السائر في دروب الحياة يسير في طريق مليئة بالأشواك والحفر والمطبات، فالذي يريد أن يسلم خلال سيره عليه أن يكون كالسائر في أرض مليئة بالشوك والحسك، يشمر عن ثيابه، ويجتهد ليبتعد عن كل ما يمكن أن يؤذيه.
فالتقوى إذا هي أن نقوم بالإجراءات اللازمة لنتقي غضب الله وعذابه، ويكون ذلك بأمرين سلبي وإيجابي.
أما السلبي فهو في ترك ما نهى الله عنه واجتناب المعاصي.
وأما الإيجابي فيكون في أداء ما افترضه الله تعالى على العبد من واجبات ومندوبات.
وهذا هو جواب السؤال : كيف نتحقق بالتقوى؟
وقد سئل علي رضي الله عنه عن التقوى فقال للسائل أنها : الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل
وكلامه هذا رضي الله عنه هو في تعريفنا كيفية التحقق بالتقوى، ونقطة البداية تكون في "الخوف" لأنه الدافع الأساس للابتعاد عن كل ما يُغضب من تخافه، والله تعالى وصف عباده المتقين في سورة [الأنبياء] بقوله ( الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون) ، وقرر في سورة [فاطر18] أن الذين يستجيبون للإنذار هم هؤلاء فقال تعالى ( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة) ، وهؤلاء هم الذين يتأثرون بالقرآن فقد وصفهم في سورة [الزمر २३] بقوله ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) ، ووعدهم بالمغفرة في [سورة الملك 12] فقال ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير).
وهذا الخوف وهذه الخشية يفترض بهما أن تدفعا الذي يخشى الله ليعمل بالتنزيل أي يطبق أوامر الله التي جاءت في كتابه، سواء كانت أوامر بالترك للمعاصي أو بالفعل للأوامر والمندوبات.
ومن لوازم التقوى حسب وصف علي رضي"الرضا بالقليل" لأن التقلل من الدنيا من أكثر ما يساعد على اجتناب الوقوع في المعصية، وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى ابن عمر رضي الله عنهما بقوله " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" ، وعابر السبيل يجب أن يكون متقللاً من الأحمال ليسهل عليه السفر.
أما كيف يساعد الصيام على التحقق بالتقوى؟
فالصيام معسكر تدريبي سنوي، يدخله المؤمن ليتدرب على تقوية إرادته، فهو ممنوع خلاله من إشباع شهواته في أوقات معينة، وقد جعل الله هذه الأشياء الممنوعة عليه من النوع الذي يمكن فيه عدم الامتناع والمرء بعيد عن أعين الناس، إذ كثيرون قد يمتنعون عن إتيان المنهيات ليس لقناعتهم أو قوة إرادتهم وإنما لخوفهم من الناس وكلامهم، ورغبتهم في تحصيل الثناء، فيكون الدافع عندهم شيئاً غير "الخوف من الله والرغبة في طاعته"، ولذلك جعل الله تعالى المنهيات في الصيام أموراً يستطيع المرء القيام بها بعيدًا عن أعين الناس دون أن ينتبهوا إليه، فيمكنه أن يأكل ويشرب ويأتي شهوته ويُريَ الناس خلاف ذلك، ولذلك جعل الله تعالى الصيام خاصًا له، وهو الذي يجزي به، لأنه أمر بين العبد وربه، لا يتدخل فيه أحد، ولا يمكن لأحد معرفة حقيقة أداء الآخر له من عدمها.
هذا الامتناع عن الشهوات بمحض إرادة الإنسان هو الذي يساعده لتدريب إرادته على الامتناع عن المعاصي والشهوات في غير رمضان.
إن المسلم إذا عود نفسه على الصيام، وجاهدها لتمتنع عن شهواتها، فامتنع عن الطعام والشراب والجوع يقرصه، وحر الصيف يحرقه، فإن أول ما يجب أن يدركه هو أن لديه القدرة على مقاومة بقية الشهوات، ومشكلتنا أن كثيرًا من الناس لا يحاولون الامتناع عما هم فيه من معاصٍ أو عادات سيئة، وإذا فكروا أو نبههم أحد إلى ضرورة الامتناع عن ذلك كان الجواب الحاضر الذي يوسوس لهم به الشيطان أن ذلك خارج قدرتك واستطاعتك، فالشيطان بوسوسته يحاول زعزعة ثقة المرء بنفسه، بإقناعه بعدم قدرته على تغيير عاداته، ويأتي رمضان في مثل هذه الأيام والحرارة لاهبة، والنفس تتعطش لشرب رشفة من الماء، ويكون الواحد منا خاليًا ليس معه من البشر أحد، والماء البارد في متناول يده، ومع ذلك يمتنع عن شربه خوفًا من الله والتزامًا بما أمر الله به.
إن هذه التجربة رسالة يريدها الله ويريد منا أن نعزز ثقتنا بأنفسنا وأن ندرك أن الذي يستطيع ذلك في رمضان يستطيع الامتناع عن اتباع شهواته والصبر على ذلك، فقوة إرادة الإنسان غريبة، ولكنها بحاجة إلى اكتشاف.
فلننظر إلى رمضان على أنه معسكر تدريبي، ولنعزز ثقتنا بأنفسنا، وأنا واثق بمشيئة الله أننا سنستطيع اكتشاف ما نتمتع به من قوة إرادة تعيننا بتوفيق الله على مقاومة شهواتنا وكبح أنفسنا عن اتباع معاصينا.
اللهم أعنا على ذلك وتقبل منا صيامنا وقيامنا، واجعل ذلك خالصًا في سبيلك
.

2010/08/05

مقال لكاتب صهيوني عنوانه"وهم الضفة الغربية"

المقال التالي يمثل قراءة صهيونية للواقع في الضفة الغربية تعترف بالخوف من القادم
وهم الضفة الغربية
بقلم: د.مناحيم كلاين
هآرتس 4/8/2010
محمود عباس وسلام فياض عزيزان على اسرائيل والجماعة الدولية। ما عادا يريان شاغلي منصبين يتعلقان بظروف الزمن والمكان بل علامتين تجاريتين। فعباس يمثل بناء الدولة من أعلى الى اسفل بتفاوض فقط وعلى مراحل. ويمثل فياض بناء الدولة على مراحل من أسفل الى أعلى. وتراهما اسرائيل والجماعة الدولية خالدين.
لا يهم كيف نعرف هذا التصور – قد يكون خطأ أو خواطر أو تصورا مخطوءا – يجب أن نستعد لليوم الذي بعد عباس وفياض لأنه يظهر في الأفق. وظروف الزمن والمكان تفضي الى هذا الاستنتاج. فالتفاوض الذي يتمسك به عباس جدا لا يفضي الى نتائج بل الى خيبات أمل فقط عند الفلسطينيين. وليس لادارة أبي مازن لا تأييد ديمقراطي ولا شرعية سياسية. ومجلس الشعب لا يعمل، والرئيس أنهى الولاية ولا انتخابات في الأفق. أما الضوء الاخضر للتفاوض غير المباشر مع اسرائيل فأعطته الجامعة العربية لا ممثلون منتخبون للجمهور الفلسطيني. وقد جرى أهمال استقلال القرار الفلسطيني – وهو الركن الذي أسست عليه فتح وناضلت منظمة التحرير من أجله. على نحو يشبه السنين 1937 – 1948، السياسة الفلسطينية هي نتاج قرار عربي عام. مع عدم وجود شرعية مؤسسية ديمقراطية تعتمد السلطة الفلسطينية على قوات الأمن، وتعتمد هذه على الحراب الاسرائيلية، والتدريب الامريكي والمساعدة المالية من الغرب. بل إن القليل الذي أحرزه عرفات فيما يتعلق بالتحرر من الاحتلال الاسرائيلي والتعلق بالجهات الاجنبية قد ضاع.

السيطرة على المنطقة ج هي مفتاح نجاح نهج فياض. نجح فياض بمساعدة ضغط دولي في أن يشق من هناك عدة شوارع وأن يبني عدة مبان عامة. لكن سيطرة اسرائيل على هذه المنطقة بقيت غير مقوضة. يخدم فياض اسرائيل بأنه يحسن لدرجة ما أداء المؤسسات الفلسطينية في المنطقتين أ و ب. وهكذا يعزز زعم اسرائيل ان الفلسطينيين أسياد مصيرهم.

حتى لو مكنت اسرائيل فياضا من زيادة مدى عمله في المنطقة ج فلن يفضي ذلك الى انشاء دولة فلسطينية في أكثر الضفة الغربية؛ فمن أجل هذا يجب على اسرائيل أن تمكن مئات آلاف الفلسطينيين من السكن في المنطقة ج. أما في الواقع فان هذه المنطقة محفوظة للمستوطنين. والى ذلك، وعلى حسب تقرير نشره مؤخرا الخبير الامريكي البروفسور نتان براون، نجاح فياض في بناء مؤسسات في المنطقتين أ و ب أقل كثيرا مما يبدو في واشنطن والقدس.

إن التحسين الذي طرأ على مدخولات الفلسطينيين نتاج تسهيل الحركة وازالة بعض الحواجز مضلل. فلا يعبر عن حرية وتقدم أكبر نحو استقلال فلسطيني. إن هذا التحسن تم إحرازه نتاج شحذ الحراب الفلسطينية وزيادة التعاون مع اسرائيل. يحسن ان نتذكر أيضا ان انتفاضتي 1987 و 2000 نشبتا بعد سنة أو اكثر من زيادة المدخولات والعمل.

إن فرض عباس أن يقدم اليه الرئيس اوباما الدولة الفلسطينية على طبق فضة من غير ان يضطر الفلسطينيون الى النضال من أجل تحريرهم، لم يثبت وهو على شفا انهيار. ان اسرائيليين من اليسار، يعتقدون أن فياضا استدخل دروس الصهيونية العملية، يرون أنفسهم في واقع الأمر. تمتعت الصهيونية برعاية بريطانية وبامكان انشاء مجتمع مواز للمجتمع الفلسطيني. وليس لفياض حرية عمل مشابهة ولا مؤخرة من الجاليات الفلسطينية تحول الى فلسطين مهاجرين وأموالا. إن جهاز السيطرة الاسرائيلي الذي بدا مستقرا جدا وربما خالدا هو في واقع الامر جهاز يعيش على وقت مستعار.

2010/07/30

ليس كالميت بين يدي الغاسل ...ولكن ...

كثيرًا ما يستخدم علماء التربية والسلوك المسلمون عبارة يقولون فيها:"على المريد أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل"، وهم يستخدمون هذه العبارة للدلالة على المبالغة في الطاعة المطلوبة من المريد أو التلميذ تجاه شيخه وأستاذه ومرشده.
البعض يحتجون على هذا العبارة، ويزعمون أنها تخالف أصول الشرع، تلك الأصول التي قررت أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهم يفترضون أن هذا النوع من التربية يفترض فيه أن يطيع المريد شيخه حتى لو أمره بمعصية, والذين يقفون هذا الموقف ينطلقون من نظر ظاهري بحت ومن رؤية مداها قصير، وذلك لأمرين اثنين, هما:
أولهما: أنهم لا ينتبهون إلى أن هذا العبارة سيقت للمبالغة في الطاعة, وليس المقصود منها حقيقتها، ولغة العرب تحوي أشياء من هذا القبيل, يفهم منها السامع أن المقصود ليس حرفية اللفظ وإنما الإشارات التي يتضمنه، ولعل من أبرز ما يدل على أن حقيقة اللفظ لدى علماء التربية والسلوك الذين يستخدمون هذا العبارة غير مراد هو أنهم أنفسهم, والمقصود هنا العلماء الربانيون, تكلموا بعبارات تقيد إطلاق هذه العبارة، منها مثلاً قول الجنيد:"إن النكتة من نكت القوم لتقع في قلبي فلا أقبلها إلا بشاهدين من الكتاب والسنة"، وقول من قال :"لا تغترنّ بأحد ولو رأيته يمشي على الماء أو يطير في الهواء, ما لم يكن يقف عند الأمر والنهي".
الأمر الثاني: أنهم ينسون أو يتناسون أن علماء التربية هؤلاء وضعوا شروطًا للمرشد والشيخ الذين يجوز للمريد أن يتتلمذ على يديه, ومن أهم هذه الشروط تمتعه بالعلم والتقوى, وهما مكوّنان لا يسمحان لمن اتصف بهما أن يأمر بشيء يخالف شرع الله.
ومع ذلك، ولئلا تفهم العبارة فهمًا سقيمًا، أو يُساءَ استخدامها من قبل أناس يفهمونها على حرفيتها, لا على مدلولاتها المجازية المقصودة, أو من أناس يلجؤون للسلوك على أيدي شيوخ يفتقدون العلم أو التقوى أو كلا الأمرين، فإني أرى أن نستخدم العبارة التالية:
"على المريد أن يكون بين يدي شيخه كالمريض العاقل بين يدي الطبيب الخبير الذي يثق به وبعلمه"، ويمكن أن نزيد فيها فنقول:"كالابن المريض العاقل بين يدي أبيه الطبيب الخبير".
وهذا التصوير يتضمن الفائدة المرجوة من تلك العبارة مع التحذير من ما قد يشوبها من سوء الفهم.
إن المريض إذا كان عاقلاً لبيبًا، وذهب للعلاج عند طبيب مشهور بالخبرة والعلم والثقة, والمريض يعرفه ويثق به وبعلمه، ثم نصحه الطبيب بأي نوعٍ من العلاج فإنه سيستجيب له ويسير وفق توجيهاته، ولن يعترض عليه إلا أذا كان العقل الذي يتمتع به هذا المريض يؤكد له أن في الأمر خللاً ما، فما بالك إذا كان الطبيب أبًا للمريض، وهذا يتضمن مزيدًا من الشفقة والرحمة والعناية، فإنه في هذه الحال لو طلب منه أخذ أي علاج فسيجد نفسه مطمئنة لذلك، حتى لو كان العلاج بتر طرف من أطرافه خوف أن يسري المرض إلى باقي الجسد، وهكذا ينبغي أن يكون المريد بين يدي شيخه، بشرط أن يكون الشيخ هو الشيخ المتمتع بالصفات التي يشير إليها أهل العلم والسلوك.
سجن النقب
11/1/2010

2010/07/20

هنيئا لحكومة فياض على إنجازاتها

ضمن سلسلة الإنجازات التي يجب على حكومة فياض أن تفتخر بها ما حققته من أمن واستقرار في الضفة الغربية، أعني الأمن الذي يتمتع به الصهاينة المحتلون من جنود ومستوطنين، وهو ما يجب أن تفتخر به هذه الحكومة أمام سادتها وموجهيها من الصهاينة والأمريكان ومن لفَّ لفّهم، فلا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع في وسائل الإعلام أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية!! أعادت للجانب الإسرائيلي واحدًا أو أكثر من مستوطنيه أو جنوده دخل مناطق السلطة بالخطأ، وذلك لإثبات الحرص على أمان أصدقائنا وجيراننا الصهاينة!!
والذي أعتقده شخصيًا أن مسألة "دخول مناطق السلطة بالخطأ" أكذوبة اخترعها الصهاينة كامتحان لاختبار إخلاص أجهزتنا الأمنية في الحرص عليهم والدفاع عنهم، ويبدو أن الصهاينة وصلوا لقناعة أن "العقيدة الأمنية الفلسطينية" قد تغيرت تغيرًا جذريًا، يمكن معه الاطمئنان على سلامة مواطني الكيان الصهيوني وجنوده ما دام حراس الوطن ساهرون على أمنهم.
وتأتي زيارات قادة الأجهزة الأمنية الصهيونية الوالغين في دمائنا لمناطق السلطة الفلسطينية واجتماعاتهم مع قادة الأجهزة الأمنية المغاوير كنتيجة لهذه القناعة، ولتشجيعهم على مزيد من الانغماس في وحل التنسيق الأمني البغيض.
إحدى النتائج التي تمخض عنها هذه الجهد الأمني المخلص في خدمة الاحتلال تمثل فيما نشرته صحيفة"هآرتس" الصهيونية تحت عنوان "الجيش الاسرائيلي يفكر بالسماح بدخول اليهود الى مدن الضفة" وجاء فيه:
"يفكر الجيش الاسرائيلي بالغاء الحظر المفروض على دخول اليهود الى مدن الضفة الغربية التي تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. ويجري النظر في تغيير السياسة في ضوء التحسن الكبير في الوضع الامني في مناطق السلطة وفي التنسيق بين اجهزة الامن الفلسطينية واسرائيل.
وكان حظر دخول المواطنين الاسرائيليين الى مدن الضفة في نهاية العام 2000، بعد اندلاع الانتفاضة الثانية وفي اعقاب عدة حالات اختطف فيها وقتل اسرائيليون علقوا في مدن الضفة بالصدفة او اغروا للوصول الى هناك من قبل منظمات الارهاب في السنوات الاخيرة، مع الانخفاض الكبير في عدد العمليات، يدخل بين الحين والآخر يهود الى مناطق أ التي تحت سيطرة السلطة دون اذن، ولكن الشرطة الفلسطينية درجت على اخراجهم من هناك واعادتهم الى الجيش الاسرائيلي".

وتضيف الصحيفة قائلة:"وللسلطة الفلسطينية مصلحة كبيرة في دخول كل مواطني اسرائيل وذلك لان استئناف السياحة والتجارة بهذه الحجم سيؤدي الى تحسن اضافي في الوضع الاقتصادي في الضفة"، وكأن الشعب الفلسطيني سيموت من الجوع لو لم يدخل هؤلاء ليمارسوا "السياحة" و"التسوق" و"مغص بطوننا" و"تنكيد عيشنا" في مدننا بحماية مغاويرنا الأشاوس.

ثم تنقل الصحيفة عن مصدر أمني اسرائيلي قريب من العلاقات مع الفلسطينيين في الـ 15 سنة الاخيرة قوله: "إن وضع التنسيق الامني بين الطرفين هو الافضل من نوعه منذ اتفاقات اوسلو،لاول مرة، يعمل الطرفان على اساس متساو – وليس من موقف الرئيس والمرؤوس، مثلما كان قبل سنوات"

أما عن السبب الذي إذا عُرف بطل العجب فيبينه ذلك المصدر فيقول:"والسبب الاساس هو ان للطرفين يوجد عدو مشترك، السلطة الفلسطينية تشغل بالها حماس ليس اقل منا – وهي معنية بتحسين سيطرتها على المنطقة لمنع حماس من تعريض حكمها والهدوء المتحقق للخطر".

وتتحدث الصحيفة عن زيارات القادة الصهاينة لمسؤولي أجهزتنا الأمنية التي قدمت عروضها لإثبا كفاءتها في الدفاع عن مصالح "إسرائيل"، فتقول:" وشاهد الضباط الاسرائيليون استعراضا لقدرات الاجهزة، ولا سيما في مجال حراسة الشخصيات. وضمن امور اخرى تم تمثيل السيطرة على مسلحين وحماية قافلة لشخصيات ضد عمليات لاطلاق النار من سيارة مارة. بعض القوات اجتازت تدريبات في الاردن، بارشاد القوة الامريكية برئاسة الجنرال كيت دايتون".

نعم إن قائمة الإنجازات في هذا السياق لا تكاد تنتهي، وأنا أقترح أن يتم ترشيح الدكتور سلام فياض بالشراكة مع الأجهزة الأمنية للحصول على "جائزة نوبل للسلام"، فقد حققوا للكيان الصهيوني في مجال الأمن والسلام ما لم يستطعه بكل جهوده وإمكاناته عبر سنوات احتلاله لوطننا.

مرةً أخرى أقول: هنيئاً لحكومة سلام فياض على هذه الإنجازات، أما أنت أيها الشعب الفلسطيني المقهور فلك الله.

2010/07/15

الإفراج عن الأخ د. أمجد الحموري


أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي - بفضل الله وحده – عن الأخ المجاهد الدكتور " أمجد أمين الحموري" من مدينة الخليل بعد قضاء مدة محكوميته البالغة 16 شهرًا.
وكانت سلطات الاحتلال قد اعتقلت الأخ د. أمجد في شهر آذار سنة 2009، فور خروجه من سجون المخابرات الفلسطينية التي قضى فيها نحو خمسة شهور من المعاناة، وتعرض فيها لأقسى أنواع التعذيب، وأصيب خلالها بشلل مؤقت في يده بسبب الشبح المتواصل، ومع ذلك لم تلن له قناة، وظل صابرًا محتسبًا.
الدكتور أمجد الحموري حاصل على شهادة بكالوريوس طب وجراحة الفم والأسنان من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، ويعمل طبيبا للأسنان في عيادته الخاصة، وهو ناشط طلابي أيام الدراسة الجامعية.
والدكتور الحموري عضو في عدة مؤسسات وجمعيات تربوية من أبرزها جمعية تطوير القدرات الذاتية وجمعية الكفيف الخيرية.
وكان الدكتور الحموري قد اعتقل في سجون الاحتلال الصهيوني لمدة سنتين ونصف، من شهر 4 سنة 2002 وحتى شهر 9 سنة 2004.
يذكر أن الأخ المجاهد د. أمجد كان مرشحًا على القائمة النسبية لكتلة التغيير والإصلاح، وهو من الإخوة المميزين، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا.
يتقبل د. أمجد الحموري التهاني في ديوان آل الحموري، مقابل الباب الغربي لجامعة الخليل.
أسأل الله تعالى الفرج لسائر أحبابنا الأسرى.

المجتمع المثالي ليس ملائكيًا

البعض يظن أن المجتمع المثالي الذي نسعى إليه يجب أن يكون خاليًا من الأخطاء، فكأن كل من فيه ملائكة معصومون، ولعل هذه الفكرة الخاطئة نتجت عن أسلوب التربية الفكرية والثقافية التي لجأ إليها مربونا، ليس في هذا العصر فقط، بل منذ قديم الزمان، وذلك في الصورة التي نقلوها لنا عن مجتمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
لقد دأب كثير من العلماء والمربين عندما ينقلون صورة المجتمع الذي عاش فيه الرسول الكريم  وصحابته الأطهار  على نقل الجانب المشرق من ذلك المجتمع مع إهمال كلي للسلبيات التي كانت موجودة لدى بعض أفراده، وحتى هذه السلبيات عندما كانت تُذكَر كان يصحبها تبرير يخرجها من الإطار السلبي كليًا، وفي كثير من الأحيان يكون التبرير متكلَّفًا بشكل ظاهر لأولي الألباب، نعم لقد كان مجتمع الصحابة مجتمعًا مثاليًا بكل ما في الكلمة من معنى، وكان مجتمعًا ارتقى فيه الناس إلى مستويات لن يصلوا إلى مثلها مطلقًا – كمجتمع -، وقد جعله الله كذلك وأعانهم بتوفيقه على الوصول إلى هذه المراقي العليا ليوجِد لنا على الأرض نموذجًا نسعى للسير على نهجه، ومجتمعًا نعمل على الاقتداء به.
ولكن هذه "المثالية" في ذلك المجتمع لم يكن من عناصرها أنه مجتمعٌ خالٍ من الأخطاء أو المخطئين، لقد كانت ميزة ذلك المجتمع المبارك أن نسبة الأخطاء أو المخطئين فيه كانت قليلة، ولكنها – مع ذلك - كانت موجودة، وإلا لما كان مجتمعًا بشريًا، فالبشر من طبيعتهم أنهم يخطئون.
وكان مما يميز ذلك المجتمع كذلك أن كثيرًا من المخطئين الذين كانوا فيه كانوا مثاليين في تعاطيهم مع الخطأ الذي يقعون فيه، فكانوا سريعي الأوبة إلى الصواب.
ومع ذلك كان في ذلك المجتمع مخطئون مصرون على أخطائهم، كما في كل مجتمع، وإن كانوا - كما أسلفت - قلة قليلة.
انظر معي إلى قصص مشهورة للعصاة في ذلك المجتمع، وأنا عندما أتحدث عن هؤلاء لا أتحدث عن فئة المنافقين التي كانت موجودة تبطن الكفر وتظهر الإيمان، ولكني أتحدث عن مسلمين مؤمنين، كان منهم ماعز والغامدية، وكلاهما وقع في خطيئة الزنا وهو محصن، وهي فاحشة كبيرة، ولكن مثاليتهما كانت متمثلة في التوبة وإصرارهما على التطهر من الخطيئة في الدنيا خوفًا من عقاب الآخرة.
ولكن في المقابل كان في ذلك المجتمع تلك المرأة التي لاعنها زوجها في الزنا، وكانت قد زنت، ولما جاء دورها لتشهد أنه من الكاذبين وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، وخوَّفها الصحابة من أن تؤدي هذه الشهادة إن كانت قد زنت فتنال غضب الله، ترددت، ثم كان خوف "الفضيحة" عندها أكبر من خوفها من غضب الله، وسمعوها تقول: "لا أفضح قومي اليوم"، وحلفت على براءتها وهي كاذبة، وهذه تختلف عن ماعز والغامدية في أنها لم تبادر للتطهر من الذنب.
وكان في ذلك المجتمع تلك المرأة المخزومية التي سرقت وقطع رسول الله  يدها، وقد جاء في بعض الروايات أنها - بعد ذلك - تابت وحسنت توبتها.
وكان في ذلك المجتمع أولئك الذين خاضوا في عرض السيدة عائشة رضي الله عنها، وأقيم عليهم حدُّ القذف، وهؤلاء الذين جُلِدوا الحدَّ كانوا - ثلاثتَهم - من المؤمنين وليس فيهم منافق، فقد كانوا: حسان بن ثابت شاعر رسول الله  والذي كان يقول له: "اهجهم وروح القدس معك"، وكان منهم مسطح بن أثاثة، وهو من أهل بدر، وما أدراك ما أهل بدر، قال الله لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وكان منهم حمنة بنت جحش، أخت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها، وابنة عمه المصطفى  ، ومع ذلك فقد وقعوا ثلاثتهم في خطيئته القذف.
وكان في ذلك المجتمع الذين هربوا من المعركة في "أحد": فقال الله عنهم:  إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا  ثم منّ الله عليهم بالعفو بعدها.
وكان منهم من وصفهم الله بأنهم  خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً .
وكان منهم الصحابي البدري الذي كان كثيرًا ما يؤتى به سكرانًا فيجلده الرسول  الحدّ، ثم لما لعنه أحدهم قال له الحبيب المصطفى  "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله".
هذه نماذج، ويوجد غيرها، لرجال ونساء كانوا من الصحابة، ومع ذلك فلم يكونوا معصومين، بل كانوا يقارفون الأخطاء، وكما أسلفت فإن عظمتهم كانت في أن أغلبهم كانوا ذوي حساسية للذنب، فإذا قارفوه سارعوا إلى التوبة، وكان لديهم من الحسنات ما يمحو تلك الذنوب التي لا يكاد يخلو منها بشر، وعظمة المجتمع كمجتمع كانت أن نسبة العصاة فيه كانت قليلة.
المشكلة التربوية التي نعاني منها أن البعض عندنا يرى أن المجتمع المثالي يجب أن يكون خاليًا من الأخطاء، ويفترض أن مجتمعنا - مجتمع الحركة الإسلامية – كذلك، ثم عندما يرى بعد احتكاكه بالناس أن مجتمعنا لا يخلو من هذه الأخطاء يصاب بصدمة تفقده الثقة بهذا المجتمع لافتراضه انه فقد المثالية التي يتصف بها، نعم إن مجتمعنا مجتمع مثالي، بكل ما في الكلمة من معنى، ولكنه ليس مجتمعًا ملائكيًا، هذه حقيقة يجب أن ندركها، ونربى عليها عناصرنا، ليعرفوا كيف يتعاملون مع الأخطاء التي يقعون فيها أو يواجهونها لدى الآخرين.
والحمد لله أولاً وآخرًا.
سجن النقب، قسم ب7، غرفة 26
13/6/2009

2010/07/13

بالتي هي أحسن

كان صلة بن أشيم العدوي - وهو من كبار التابعين من أهل البصرة، وكان ذا فضل وورع وعبادة وزهد- مع أصحابه فمر عليهم فتى يجر ثوبه فهمَّ أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم فقال: دعوني أكفكم أمره، ثم دعاه فقال: يا ابن أخي لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك؟ قال: أن ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمت عين، فرفع إزاره، فقال صلة: هذا أمثل مما أردتم، لو شتمتوه لشتمكم.

2010/07/11

النقد الواعي

من السلبيات التي يُخشى أن تصبح راسخة في مجتمعنا الدعوي "النقد الهدام"، والمسألة تبدأ في كثير من الأحيان بالمزاح والتعليقات غير الجادة حول نشاط معين أو برنامج يتم تطبيقه، ثم تتكاثر التعليقات، ومع تكاثرها تترسخ في النفوس، ويُنسى أصلها "غير الجاد"، وتُزرع بزورها في النفس، .ثم تنمو وتنمو حتى تغطي بأغصانها الهوجاء على الحقائق والأصول.
مثال ذلك ما يحدث حول "البرنامج الثقافي" في السجن، ولا شك أن كل أمر اجتهادي قابل للخطأ والصواب، كما أنه لا شك أن بعض الأخطاء تكون غير قابلة للإساغة أو سهولة الاستيعاب، ولكن المشكلة هي في كيفية التعاطي مع هذه الخلافات الاجتهادية.
برنامجنا الثقافي يحوي أربعة عناصر أساسية:
أولاها: جلسة القرآن اليومية لمدة نصف ساعة.
ثانيها: المساقات، وهي مواضيع يتم تحديدها وتحديد المدرسين وطرحها بأسلوب فيه "ديمقراطية"، فقد سُمِح للمجاهدين أن يقترحوا المواضيع التي يرغبون فيها، ثم عندما طرحت وكان فيها مجال واسع للاختيار، تُرك المجال لهم ليختار كل واحد منهم المساق الذي يرغب في الانضمام إليه، مع ملاحظتي أنه كان لا بد من وضع ضوابط لذلك، فليس كل الناس يصلحون لحضور كل المساقات فالبعض ما زال في طور الطفولة الفكرية، ويجب علينا نحن أن نحدد له التوجيه الذي يلزمه، ولكن بأسلوب فيه إقناع.
وثالثها: المحاضرات، وهي محاضرتان أسبوعيًا، ليس لها برنامج محدد، وتختلف العناوين وأسماء المحاضرين من مرة إلى أخرى.
ورابعها: المحاضن، وقد أثارت عندنا زوبعة كبيرة، وذلك لأن الذين وضعوها لم يرغبوا بإتعاب أنفسهم بالإعداد والتحضير لها فكان أن قرروا أن تجلس كل غرفة ثلاثة أيام في الأسبوع لتتدارس منهاجًا قوامه دراسة حديث من الأربعين النووية أو الخمسين لابن رجب، وتفسير جزء عم، ومناقشة موضوع دعوي، كل عنوان في يوم.
والزوبعة التي أثارتها هذه "المحاضن" سببها أن العناوين المطروحة سبق لكثيرين أن درسوها مرارًا وتكرارًا، فصار الأمر عندهم مملاً، وكما عبر لي أحدهم بعد الجلسة الأولى للمحضن في غرفته، وكانت حول حديث "الأعمال بالنيات" فقال لي: لقد حضرت في شرح هذا الحديث ما لا أكاد أحصيه من المرات في السجن وخارجه، والمشكلة – طبعًا - عندنا أن الشراح لا يأتون بأي جديد يشد المستمعين إلى ما يتحدثون به.
هذا البرنامج الثقافي لا شك أن فيه عددًا من السلبيات، منها ما أشرت إليه في موضوع "المحاضن"، فعناصر كل غرفة ليس بالضرورة أن يكونوا متناسقين فكريًا وثقافيًا وعمريًا، والعناوين المطروحة مكررة عند البعض مرات لا تكاد تحصى، أما المحاضرات فأحيانًا تكون مواضيع بعضها في غير دائرة اهتمام المجموع، أما المساقات فالأصل أنها أقل عناصر البرنامج سلبيات، وذلك للمرونة التي استخدمت فيها وسعة الاختيارات، وإن كان الحضور في بعضها قد اكتشفوا أن "العنوان" الذي تم طرحه وسجلوا المساق على أساسه ليس كما كانوا يتوقعون، أو أن أداء المحاضر لم يكن وفق ما ينسجمون معه.
لكن كيف نتعامل مع هذه السلبيات:
أسلوب "النقد الواعي" يقتضي أن أحصر النقاط السلبية في كل عنصر من عناصر البرنامج، ثم أتوجه إلى الجهة المسؤولة، الموجه الثقافي أو الأمير أو أعضاء مجلس شورى السرية إن لم يتجاوب الأولان معي، فأعرض انتقادي مع ما أقترحه لغايات الارتقاء والتصويب.
وأنا كلي قناعة أن هذا الأسلوب لو استخدم فانه سيحقق نتائج إيجابية إذا تم إحسان عرضه، وبذلك نعزز الإيجابية ونتجاوز عن السلبيات.
ولكن ما الذي يحدث عندنا ؟!!
الذي يحدث هو أن البعض يبدأ بالتذمر من "كثافة البرنامج الثقافي"، مع أن المشكلة ليست في "الكثافة"، فكل البرنامج لا يستهلك من المجاهد سوى نحو عشر ساعات أسبوعيًا، فالمشكلة ليست في الكثافة، وإنما في الشعور بعدم الاستفادة من هذا البرنامج.
ويدل على ذلك انه لما عُرض مساق "الإسعاف الأولي" وكان يدرسه الأخ "عايد دودين", وهو ممرض، وقد أعطاه في ساحة القسم, وكنا في أيام الصيف اللاهبة، وكان يعطيه يوميًا لمدة خمسة أيام في الأسبوع، سجل نصف المجاهدين فيه وكانوا ملتزمين بالحضور والدراسة للامتحان، رغم الجهد الذي يبذلونه لأنهم شعروا باستفادتهم من المساق المذكور.
ثم بعد ذلك، وبسبب شعورنا النفسي الواهم بثقل البرنامج على النفوس، يبدأ المتذمرون بالتذمر من عناصره واحدًا واحدًا, مركزين على السلبيات فيه، مكررين "إن هذه المواضيع سبق ودرسناها"، ناسين أو متناسين أنه وان كان أغلب المجاهدين قد درس أغلب هذه المواضيع، غير أن فينا من لم يستمع في حياته إلى شرح أحاديث الأربعين النووية أو يدرس موضوع فقه العبادات، ولكننا نعمم.
ثم نسحب انتقادنا على ما لا يجوز انتقاده سلبيًا بهذه الطريقة، وهو المساقات التي اخترناها بأنفسنا وسجلنا فيها بإرادتنا الحرة، ويصير كلامنا كله من نوع: اللهم أرحنا من المحاضن، اللهم عليك بمن فرض علينا المحاضرات، متى نخلص من المحاضن ومن هذه المساقات؟ فتنتشر لدينا الأجواء السلبية، والمشكلة أن الذين يتجرؤون على ذلك أكثر من غيرهم هم "أبناء الدعوة"، والذين يتضررون أكثر من غيرهم هم"الجدد" و"الصغار" الذين كان ينبغي أن يعمل المنهاج الثقافي على بناء شخصياتهم المنتمية لهذه الدعوة المباركة.
متى نعرف كيف ننتقد بحيث نعزز الإيجابيات ونتجاوز السلبيات ؟!!
سجن النقب، قسم ب7
10/6/2009

2010/07/07

سحابة صيف


أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراةٌ وجوَّعُ


أراها وإن كانت تُحَبُّ فإنها سحابة صيف عن قليل تَقَشَّعُ


كركْبٍ قَضَوا حاجاتهم وترحلوا طريقهم بادي العلامة مهيع

حكمة

قال المهلب بن أبي صفرة:" نعم الخصلة السخاء تستر عورة الشريف وتلحق خسيسة الوضيع، وتحبب المزهود فيه".
وقال:"يعجبني في الرجل خصلتان أن أرى عقله زائدا على لسانه، ولا أرى لسانه زائدا على عقله".

2010/07/04

صبرًا أبا مصعب فالموعد الجنة


ما أزال أذكر تلك الرؤيا التي حدثني عنها أخي الكبير الحبيب شيخ المجاهدين النائب محمد أبو طير أيام كنا معًا نرسف في قيودنا في سجن الرملة بعد اختطافنا سنة 2006، أيامها أخبرني أبو مصعب أنه رأى نفسه في المنام وهو شاب صغير يسير في طريق طويل مظلم، وفي نهاية ذلك الطريق كان يقف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فناداه وقال له: أنا في انتظارك، كان أبو مصعب يدرك منذ رأى تلك الرؤيا أن الطريق الذي يسير فيه طريق شاق مصاعبه جمّة، ولكن نهايته فيها رفقة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان يشعر بالرضى رغم آلام القيد والأسر، وكان ثابتًا على طريق الجهاد والصبر رغم كل المصاعب، لم تنل من عزيمته السنوات الثلاثون التي قضاها خلف قضبان السجون، ولم تنحن هامته أمام المحن المتلاحقة، ولم تنكسر إرادته أمام أعتى العواصف.
أبو مصعب جبل شامخ، أمضى نحو نصف حياته أسيرًا في سجون الاحتلال، ورغم أنه شارف على الستين إلا أنك عندما تراه تشعر أنك أمام شاب في ريعان الشباب، وإذا عشت معه لا تملك إلا أن تحبه، وحتى لو اختلفت معه فلا يمكنك إلا أن تحترمه، وهذه المشاعر تجاه الشيخ المجاهد أبي مصعب لم تكن تقتصر على أسرى حماس فحسب، بل كان يشترك فيها الأسرى من كل أطياف الشعب الفلسطيني، كانت كلمة أبي مصعب ونحن في السجن محترمة عند كل الأسرى سواء فيهم من انتمى إلى فتح ومن انتمى إلى حماس، ذلك أن الرجل كان ولا يزال أنموذجًا للتضحية، وكان الكل في قلاع الاسر ينظرون إليه نطرتهم إلى أبٍ حنون أو إلى أخ كبير.
أبو مصعب يترك وهو صامت من الأثر في من حوله ما لا يستطيعه البلغاء، فيكفي أن تراه بلحيته البرتقالية لتستحضر في ذهنك تاريخًا من الصبر والصمود، لتقتنع أن القضية التي يحمل لواءها أمثال هذا الشيخ لا يمكن إلا أن تنتصر، ولعل ذلك بالضبط هو ما أغاظ الصهاينة منه، ودفعهم لمحاولة إبعاده عن القدس التي عشقها عشقًا لا توجد كلمات تكفي للتعبير عنه، لأنهم لا يطيقون أن يرى أهل القدس بينهم أنموذجًا يحثهم على الصبر والثبات في مدينتهم المقدسة.
ويعود الاحتلال ليعتقل الشيخ المجاهد ولما يمض على خروجه من السجن الذي أمضى فيه أربع سنوات في المرة الأخيرة سوى نحو الشهر، ومع ذلك فإنك تراه وهو يُقاد إلى المحكمة وبسمته لا تفارق محياه، تراه وهو شامخ شموخ العمالقة وآسروه حوله كالأقزام، إنه الرضى الذي يُكرم الله به عباده الذين يحبهم، "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ".
وفي غمرة هذه الأحداث تضيع كل تلك الوعود التي سمعناها في الأيام الأخيرة حول حلٍّ لقضية إبعاد الشيخ أبي مصعب وأخوانه النائبان المجاهدان محمد طوطح وأحمد عطون والوزير خالد أبو عرفة، وتضيع معها تطمينات "أبي مازن" وتدخلات "ميتشل"، وتظهر الأمور على حقيقتها، فهل يعتبر إخواننا السائرون في طريق المفاوضات ويدركون أن الصهاينة لا يريدون من هذه المفاوضات إلا تخدير شعبنا والتدليس على العالم كله، أم أنهم مدركون لذلك ومع ذلك يتمسكون بخيارهم الوحيد هذا!! لغايات في أنفسهم؟
أما أنتم يا إخواني الأحباب أبا مصعب وأبا محمد وأبا مجاهد وأبا معاذ فأقول لكم:"مهما طال الطريق فإن له نهاية، وما دمنا مع الله فالنصر آت لا محالة، فصبرًا فإن الموعد الجنة".

حياء

لما احتضر الأسود بن يزيد النخعي وهو من كبار التابعين، ومن أعيان أصحاب ابن مسعود بكى فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: مالي لا أجزع؟ ومن أحق بذلك مني؟ والله لو أنبئت بالمغفرة من الله لأهابنَّ الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحييًا منه.

2010/06/30

الطاعة في المَكْرَه

من خواطر السجن
الطاعة في "المَكْرَه"
عندما جاءت الأحاديث النبوية الشريفة آمرةً بالطاعة لأولي الأمر ركزت على أن تكون هذه الطاعة في "العسر واليسر" وفي "المنشط والمكره"، وذلك أن أغلب القضايا التي وجدت لأجلها الإمارة - إن لم يكن كلها - هو القضايا الخلافية التي تتباين فيها الاجتهادات।
فمواضع الإجماع والاتفاق لا تحتاج إلى قيادة أو إمارة لتنفيذها، لأن الإنسان يندفع لتنفيذها –غالبًا - بإرادته الحرة ووفق قناعاته، أما المشكلة والتي لا تحل إلا بوجود الإمارة الرافعة للخلاف فهي في المواضيع الاجتهادية التي تختلف نظرات الناس لها، وهذه المواضيع الاجتهادية يميل الناس فيها إلى التشبث بما يرونه صوابًا، فالنزول عن الرأي الشخصي و القناعة الذاتية لأجل آراء الآخرين وقناعاتهم صعب على النفس، ولذلك جاءت الأحاديث الشريفة حاثَّةً على الطاعة في هذه المواضع الخلافية التي يشعر فيها المرء بـ "عُسر" الطاعة، وأنها تحتاج أن " يُكرِه" نفسه عليها.
لو تخيلنا أن الواحد منا لا يريد أن يطيع إلا فيما هو مقتنع به، فما فائدة وجود التنظيمات والمؤسسات؟! وما فائدة وجود الأمراء ومجالس الشورى؟!
لم يأت التصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بعصيان الأمير إلا في حالة واحدة، وهي أن يأمر بمعصية، وليست أي معصية، بل أن يأمر بمعصية ظاهرة ليست أمرًا اجتهاديًا خلافيًا، ولذلك كانت القاعدة الأصولية تقول أن رأي الإمام يرفع الخلاف فيما ليس فيه نص وفيما مجاله الاجتهاد، ومعنى رفعه للخلاف انه يجعل الحكم واحدًا ملزمًا للجميع، فلا يسوغ معه - أي رأي الإمام - وقياسًا عليه رأي التنظيم عند انعدام الإمام- لا يسوغ معه أن يطبق المرء رأيه الشخصي أو قناعته الذاتية।

سجن النقب ، 11/6/2009

2010/06/28

فرار



لما احتضر بشر بن مروان الأموي أخو عبد الملك بن مروان، وكان قد ولي إمرة العراقين لأخيه عبد الملك، جعل يبكي ويقول: والله لوددت أني كنت عبدا أرعى الغنم في البادية لبعض الأعراب، ولم أل ما وليت، فذكر قوله لأبي حازم - أو لسعيد بن المسيب -، فقال: الحمد لله الذي جعلهم عند الموت يفرون إلينا ولم يجعلنا نفر إليهم، إنا لنرى فيهم عبرا.

2010/06/27

لا تكن من سقط المتاع

أعجبتني هذه الأبيات التي قالها قطري بن الفجاءة الخارجي(ت 79 هـ ) يخاطب نفسه مشجعًا إياها على خوض المعارك، ومذكرًا نفسه بأن الأجل محدود، وأن الموت بعزة خير من الحياة الذليلة، فقال:

أقول لها وقد طارت شَعاعًا من الأبطالِ ويحك لن تُراعي
فإنك لو طلبتِ بقاءَ يومٍ على الأجلِ الذي لكِ لم تُطاعي
فصبرًا في مجال الموت صبرًا فما نيلُ الخلودِ بمستطاعِ
ولا ثوبُ الحياة بثوبِ عزٍّ فيطوى عن أخي الخنع اليراعِ
سبيلُ الموتِ غايةُ كلِّ حيٍّ وداعيه لأهلِ الأرضِ داعِ
فمن لا يعتبط يسأمْ ويهرمْ وتُسلمُهُ المنونُ إلى انقطاعِ
وما للمرءِ خيرٌ في حياةٍ إذا ما عُدَّ من سَقَطِ المتاعِ
معاني بعض الكلمات
• الشَّعاعُ – بفتح الشين -: المتفرِّق، وتَطايَرَ القوم شَعاعاً أَي متفرِّقين، والشاعر يخاطب نفسه حين اللقاء في المعركة ويصفها بأنها من هول المواجهة صارت كأنها متفرقة غير متماسكة.
• الخُنُوع: الخُضوع والذّلُّ.
• واليَراعُ: الجبانُ الذي لا عَقْلَ له ولا رَأْيَ.
• يعتبط – بالعين المهملة - : يموت شابًّا صحيحًا أو من غير علة.

2010/06/21

أنا وأخي الشيخ نايف الرجوب

أنا وأخي الشيخ نايف الرجوب

الحمد لله تعالى الذي أنعم علينا بالإفراج عن معالي الأخ النائب الشيخ نايف الرجوب، أسأل الله تعالى أن يحفظه ويقيه السوء وأن يجعل أيام سجنه في ميزان حسناته.
لقد عشت مع الأخ أبي حذيفة أيامًا طيبة ونحن في السجن معًا، وكان أول لقاء لي به في سنة 2005 في سجن النقب في قسم ج9، حيث انتقل إلى هناك من سجن عوفر، غير أنه لم يطل بقاؤه معنا في القسم، فانتقل إلى قسم آخر.
وعندما تم تشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة في سنة 2006 تولى الأخ أبو حذيفة وزارة الأوقاف وكنت وزير الحكم المحلي فيها، وكان مقعدي بجانب مقعده في تلك الأيام العصيبة، فقد كانت المرحلة التي تولينا فيها الوزارات من أصعب المراحل التي مرت علينا، بسبب الحصار والتآمر الذي ووجهنا به من القريب والغريب.
وعندما اعتقلنا بتاريخ 29/6/2010 وتم زجنا في عزل سجن "أيالون" في الرملة، كنا معًا في نفس الغرفة، وكان بمعيتنا يومها في تلك الغرفة الإخوة الأفاضل النواب: محمد أبو طير، ومحمد أبو جحيشة، وأنور الزبون، والوزيران محمد البرغوثي وفخري التركمان، غير أن إدارة السجن نقلت الأخ أبا حذيفة بعدها بأيام للتحقيق في سجن عسقلان.
ولاحقًا عندما انتقلنا إلى سجن "نيتسان" في الرملة أيضًا، وكنت في غرفة رقم 4، قسم رقم 10، عاد أخي أبو حذيفة من تحقيق "عسقلان" ليلتحق بنا في نفس الغرفة.
وقد عشنا معًا في تلك الغرفة عدة شهور، استمتعنا فيها من ضمن ما استمتعنا به بالمعلومات التي كنا نسمعها منه حول مملكة النحل، فهو من الخبراء في موضوع النحل، وقد كان لديه قبل استلامه الوزارة مشروع تربية للنحل، وعنده هواية في هذه المسألة، ولذلك عقد لنا دورة في الغرفة كان عنوانها "مملكة النحل" زودنا فيها بمعلومات كثيرة عن هذه المملكة، وكانت معلوماته قيمة وممتعة.
وعانينا كثيرًا في تلك الأيام بسبب بوسطات المحاكم المتكررة التي كنا ننزلها.
انتقلتُ أنا لاحقًا إلى قسم 9 في نفس السجن، فلحقني بعدها بشهور أخي أبو حذيفة وسكن في نفس الغرفة التي كنت فيها، غرفة رقم 10، ومن هناك افترقنا بتاريخ 2/8/2008 حين انتقلت أنا على سجن عوفر وأفرج عني بعدها بأيام وبقي هو في سجن "أيالون" في الرملة.
لقد كانت أيامًا جميلة عشناها معًا في ظل المحنة والمعاناة، وكان فيها رغم قسوة السجن ونكد القيد الكثير من اللحظات اللطيفة والكثير من الانشغال في الطاعة، التي نسأل الله أن يتقبلها منا.
هنيئًا لك بالسلامة أخي أبا حذيفة، وأسأل الله الفرج لجميع أحبابنا.

2010/06/20

التحريض الإسرائيلي ضد تركيا
ضمن سلسلة الخطوات الصهيونية الهادفة للتحريض على تركيا إثر أنشطتها الهادفة لكسر الحصار عن غزة أعدَّ أحد مراكز الأبحاث الصهيونية التقرير التالي عن الجمعية التركية الرئيسة المشاركة في أسطول الحرية، وقد قام مركز الزيتونة للأبحاث بترجمة ونشر التقرير المذكور، وهو التالي:
تقرير استخباري إسرائيلي ضد منظمة الإغاثة التركية (IHH) تستند إليه الحملة الإعلامية ضد تركيا

تقديم:
قام مركز تراث الاستخبارات والإرهاب في تل أبيب (أحد المؤسسات البحثية المتعاونة مع جهاز الموساد والخارجية الصهيونية)، بإعداد تقرير عن منظمة الإغاثة التركية (IHH) يحمل مادة تحريضية ضد المنظمة يدّعي أنها "معلومات". وأفادت تسريبات عن مسؤولين في وزارة الخارجية الصهيونية بأن الحملة الإعلامية التي ستقوم بها الوزارة وكافة المنظمات اليهودية واللوبيات السياسية المساندة للكيان في الخارج ستستند بالدرجة الأولى على هذا التقرير. انطلاقاً من ذلك، قمنا بترجمة التقرير عن اللغة العبرية فور صدوره للاستفادة منه في مواجهة الحملة الصهيونية على تركيا.
مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية
لعبت منظمة الإغـاثة الإنـسانية الـتركيـة (IHH)، دوراً أساسياً في تنظيم القافلة البحرية إلى قطاع غزة، في ضوء أنها منظمة إسلامية "متطرفة" تقدم المساعدات لعناصر إسلامية "متطرفة"، بما في ذلك حماس.
معلومات عامة
تعتبر المنظمة، واسمها باللغة التركيةInsani Yardim Vakfi) )، من بين القوى التي شاركت في القافلة البحرية التي كان من المقرر لها الوصول خلال الأيام الماضية إلى قطاع غزة، أُنشئت عام 1992.
تم تسجيل المنظمة بصورة رسمية في اسطنبول عام 1995، ويترأسها "بولند يلدريم"، وموقعها على شبكة الانترنيت هو: www.ihh.org.tr
مجالات العمل
تنظم المنظمة نشاطات واسعة وهامة في المناطق التي تتعرض لنكبات طبيعية، ومن ضمن برامجها:
• تقديم المعونة للأيتام.
• إقامة المباني التعليمية.
• برامج التأهيل المهني.
• إقامة المشافي والعيادات وتزويد الأدوية.
• بناء المساجد.
• منع انتهاك حقوق الإنسان في الساحات الإسلامية المختلفة في أنحاء العالم.
وخلال السنوات الأخيرة، باتت المنظمة تميل إلى توسيع نشاطاتها في دول أوروبية مختلفة، بما في ذلك إنشاء فروع لها تحمل اسمها.
من الناحية الفعلية، إلى جانب النشاطات الإنسانية التي تقوم بها المنظمة، فإنها تقدم المعونات للمنظمات "الإرهابية" ذات الطابع الإسلامي "المتطرف".
وقد برزت خلال السنوات الأخيرة المعونات التي تقدمها لحركة حماس في إطار ما يسمى بـ"ائتلاف الخير".
وتتوفر لدينا معلومات موثقة بأن المنظمة منحت في السابق معونات لوجستية ومالية لعناصر في تنظيمات الجهاد العالمي.
الفكر والتوجهات
تعتنق المنظمة توجهات إسلامية متطرفة، ومناوئة للغرب، وهي مقربة من حركة الإخوان المسلمين، الحركة الأم التي انبثقت منها حركة حماس، ولذلك فهي تدعم الأخيرة، ولا تخفي علاقاتها معها.
حماس من جهتها، تنظر بأهمية بالغة إلى علاقتها بالمنظمة خصوصاً، ومع تركيا عموماً، وتعتبر الجمهور التركي مهماً في الدعاية الخاصة بها.
وقد قررت حركة حماس أن يكون موقع الانترنيت الأساسي لها وهو موقع "فلسطين إنفو"، منشور باللغة التركية، على الرابط التالي: www.filistinhaber.com/tr
وابتداء من نهاية عام 2009 يظهر موقع كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحماس، باللغة التركية أيضاً على الرابط التالي: www.qassam.ps/tur
خلال السنوات الأخيرة، وخاصة منذ سيطرة حماس على قطاع غزة أواسط عام 2007، ساعدت منظمة IHH منظومة الدعاية الخاصة بالحركة في تنظيم مهرجانات الدعم العلنية لها في تركيا.
وشارك فيها قادة الحركة، وعبر مسئولو IHH عن دعم حماس وطريقها، بما في ذلك الكفاح المسلح من جهة، ومن جهة أخرى، استهداف السلطة الفلسطينية.
منظمة IHH عضو في "ائتلاف الخير"، الذي يضم أكثر من 50 صندوقاً إسلامياً في جميع أنحاء العالم، يزود المال لمؤسسات حماس في الضفة والقطاع.
العلاقات مع حماس
وفي إطار عضويتها في هذا الائتلاف، تقيم IHH علاقات مع صناديق إسلامية أخرى تساعد حماس في أنحاء العالم، وتشمل هذه المساعدات:
• المبادرة إلى تنفيذ مشاريع مشتركة تهدف إلى دعم حكومة حماس في قطاع غزة.
• دعم البنى التحتية المدنية لحماس في الضفة الغربية، التي تعتبر غطاء داعماً للحركة، وتتعرض لمطاردات من قبل أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.
وقد تحولت IHH إلى مكون أساسي في منظومة تجنيد الأموال لصالح حماس في العالم، حيث تقوم بتحويل كميات كبيرة من الأموال لصالح مؤسساتها في الضفة الغربية مثل جمعية الزكاة في الخليل، وجمعية التضامن في نابلس، وهما جمعيتان رئيسيتان لحماس تم إخراجهما خارج القانون في إسرائيل.
وتنظم IHH نشاطات واسعة في قطاع غزة، بهدف توسيع نشاطاتها، حيث أنشأت فرعاً لها هناك، يترأسه "محمد خايا" الذي صرح مؤخرا ان المنظمة تنوي إرسال قافلة مساعدات إضافية إلى قطاع غزة.
في كانون الثاني 2008 التقت بعثة من قبل IHH مع أحمد بحر، القيادي في حماس، نائب رئيس المجلس التشريعي، وخلال اللقاء عرض الوفد حجم المعونات التي قدمتها IHH للقطاع، وأعلنت أنها ستضاعف المعونات خلال العام التالي.
في كانون الثاني 2009 التقى "بولند يلدريم" رئيس المنظمة، مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس في دمشق، حيث تقدم مشعل بالشكر لـ"يلدريم" على معونات IHH.
وفي كانون الثاني 2010، زار "يلدريم" قطاع غزة والتقى إسماعيل هنية، رئيس حكومة حماس في قطاع غزة.
وقد تم إخراج IHH خارج القانون بسبب انتسابها إلى "ائتلاف الخير"، وتحويلها إلى مكون أساسي في منظومة التجنيد الخاصة بحماس في أنحاء العالم.
جاء هذا في إطار إعلان وزير الدفاع، "ايهود باراك" عام 2008 عن 36 جمعية بأنها "تجمعات غير معترف بها"، وتحتل IHH المرتبة 36 في القائمة.
في تشرين الثاني 2009 أرسلت IHH ناشطاً من قبلها يدعى "عزات شاهين"، وكلفته بفتح فرع لها في الضفة الغربية، حيث بدأ بالعمل على الدفع قدماً بهذا الهدف، وتقديم المساعدات للجان الزكاة المحسوبة على حماس.
وفي هذا الإطار قام بتحويل عشرات آلاف الدولارات إلى لجنة الزكاة الإسلامية في الخليل، وجمعية التضامن في نابلس، وتم إحباط نشاطه من قبل قوات الأمن الإسرائيلية.
وقد تم اعتقاله من قبل جهاز الشاباك، والتحقيق معه في شهر نيسان 2010 بتهمة تمويل "الإرهاب"، ودعم حركة حماس، وجرى طرده من إسرائيل فور الانتهاء من التحقيق معه.
دعم القاعدة
تشير المعلومات الموثقة المتوفرة لدينا إلى العلاقات التي قامت سابقاً بين منظمة IHH وعناصر في منظمات الجهاد العالمي الإسلامي في منطقة الشرق الأوسط، حيث تم تقديم المساعدة لخلايا جهادية في الدول التالية: البوسنة، سوريا، العراق، أفغانستان والشيشان، وغيرها من الأقطار.
وتجسدت المساعدات أساساً في الدعم اللوجستي لغرض نقل الوسائل القتالية والتمويل المالي، وهي معلومات أكدتها التقارير الصادرة عن معهد "داني".
حيث أجرى معهد الأبحاث الدانمركي [1] Danish Institute for International Studies عام 2006، بحثاً جاء فيه أن IHH كانت في السابق على علاقة مع تنظيم القاعدة ونشطاء في الجهاد العالمي.
وقد تم إجراء البحث، الموثق جيداً، من قبل باحث أمريكي رفيع متخصص في تنظيم القاعدة، يدعى "إيفان كوهلمان" [2]، ويعنى البحث بضلوع صناديق الزكاة الإسلامية بتقديم المساعدات "للإرهاب"، وجاءت صفحات 10-14 من البحث لتُعنى بـIHH.
وجاء في البحث أن السلطات التركية بدأت بالتحقيق حول IHH على الأقل منذ كانون الأول 1997، في أعقاب خبر مفاده أن قياديين فيها اشتروا أسلحة أوتوماتيكية من منظمات إسلامية متطرفة.
في أعقاب ذلك، تم اقتحام مكاتب المنظمة في اسطنبول، وجرى اعتقال بعض الناشطين، وكشفت قوات الأمن التركية خلال عملية الاقتحام عن موجودات كثيرة، بضمنها "أسلحة، مواد تخريبية، تعليمات لإعداد عبوات ناسفة، وعلم يحمل رسائل جهادية".
ويتضح من تحليل الوثائق التي تم العثور عليها أن بعض أعضاء المنظمة كانوا ينوون المشاركة في نشاطات جهادية في أفغانستان، البوسنة والشيشان.
يقتبس البحث تقريراً صدر عن الاستخبارات الفرنسية جاء فيه أن زعيم IHH، "بولند يلدريم"، عمل بصورة مباشرة، خلال منتصف سنوات التسعينيات من القرن الماضي، على تجنيد عسكريين سابقين بهدف القيام بعمليات عسكرية.
وطبقاً للتقرير الفرنسي، فقد تم إرسال عدد من النشطاء في IHH إلى مناطق القتال في دول إسلامية، من أجل اكتساب الخبرة القتالية، كما حولت إلى مقاتلين مسلمين في هذه الدول مساعدات مالية، سلاح ومواد ناسفة.
ويشير البحث إلى أن فحص المكالمات الهاتفية التي قام بها نشطاء IHH من اسطنبول تدل على إجراء اتصالات متكررة خلال عام 1996 بين مكاتبها وبين شقق تابعة لتنظيم القاعدة في مدن ميلانو بإيطاليا ومسلحين جزائريين يعملون في أوروبا من بينهم القيادي في القاعدة "عبد القادر مختاري، المكنى أبو معالي"، الذي عمل في البوسنة.
تمويل المسلحين
كما ارتبط اسم IHH خلال محاكمة "أحمد رسام" التي جرت في الولايات المتحدة عام 2000، وهو قيادي بارز في القاعدة في كندا، دخل إلى الولايات المتحدة وفي سيارته 600 كغم من المواد المتفجرة خلال عام 1999، وقد خطط تنفيذ عملية كبيرة باسم القاعدة في مطار لوس انجلوس عشية الاحتفالات ببدء الألفية الثالثة.
وقد دعا المدعون الفيدراليون في الولايات المتحدة "جان لويس برجيير"، قاضي التحقيق الفرنسي المختص بمكافحة الإرهاب، إلى تقديم إفادته كخبير، الذي شهد بأن منظمة IHH لعبت دوراً هاماً في خطة العملية الخاصة بالقاعدة.
وكانت المنظمة بمثابة غطاء حصلت القاعدة من خلاله على مستندات مزيفة، وقامت بتجنيد النشطاء، ونقل الوسائل القتالية.
جاء في البحث أنه في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لعب "يلدريم" وIHH دوراً أساسياً في التحريض ضد الغرب وسط المسلمين الأتراك.
وخلال عام 2002 نظمت IHH نشاطات احتجاجية ضد محاولات إسقاط نظام صدام حسين، وقام نشطاؤها بحرق أعلام إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي كانون الأول 2004 نظمت مسيرة في اسطنبول ضد الولايات المتحدة الأمريكية، قال خلالها "يلدريم" أن التعاون الإستخباري بين الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا يجب أن يتوقف "وإلا سيتم تنظيم النشاطات مقابل كل قنصلية، وإذا دعت الحاجة سننظم 50-100 ألف شخص أمام قنصلية الولايات المتحدة في تركيا".
وفي المظاهرة التي جرت في كانون الأول 2004 أُطلقت شعارات مناوئة للولايات المتحدة، ودعت إلى "المقاومة" وطرد "الأمريكيين القتلة".
جهود القوافل
وتعتبر منظمة IHH الأبرز من بين سلسلة طويلة من المنظمات المناصرة للفلسطينيين في تركيا التي تشارك في قافلة السفن إلى قطاع غزة، في إطار المعونات المكثفة التي تقدمها لحركة حماس، ورغبة منها في تحقيق إنجازات دعائية لها.
في هذا الإطار اشترت IHH ثلاثة من بين السفن التسعة المشاركة في حملة المعونات البحرية، وهي: سفينة Mavi Marmaris، وسفينتا شحن واحدة تسمى غزة، وخرجت من ميناء اسطنبول بتاريخ 22 أيار إلى ميناء انطاليا.
وقد استقل هذه السفن حوالي 500 مسافر، ثم خرجت السفن التركية الثلاث إلى قبرص، من أجل الالتقاء مع باقي السفن في الرحلة البحرية، ومن ثم الإبحار إلى قطاع غزة.
كما ساعدت IHH وزارتي المواصلات والأشغال العامة في حكومة حماس بتنفيذ الأعمال خلال الأشهر الأخيرة في ميناء غزة، من أجل إعداده لاستقبال سفن المعونات.
وقال "يلدريم" بأن القافلة البحرية ستكون بمثابة "اختبار" لإسرائيل، ففي حالة اعتراض القافلة فإن هذا يعتبر "إعلان حرب" على الدول التي يأتي منها النشطاء الذين يستقلون السفن.
وفي خطاب حماسي ألقاه في حفل إبحار سفينة Marmaris وجه إلى إسرائيل حديثه قائلاً: "أديروا هذه الأزمة جيداً، إذا منعتم النشاط ستبقون معزولين في العالم، وستضرون بأنفسكم".
وصرح محمد خايا، رئيس فرع IHH في قطاع غزة، ي بأن هناك مشروعاً لإرسال المزيد من القوافل البحرية على أساس شهري إلى غزة.
الهوامش:
[1] معهد أبحاث مستقل يعنى بالقضايا الدولية والصراعات الدولية، يعمل فيه عشرات الباحثين، معظمهم من حملة شهادة الدكتوراه، وموقعه على شبكة الانترنيت www.diis.dk
[2] باحث أمريكي في شؤون الإرهاب، وعمل لصالح وكالة التحقيق الفيدرالية، ووكالات أخرى تابعة للإدارة الأمريكية، حاصل على الدكتوراه في القانون، ولقب في السياسة الدولية والدراسات الإسلامية، وعمل لصالح معهد الأبحاث الرفيع الخاص بشئون الإرهاب The Investigative Project في واشنطن، وباحث رفيع في معهد أمريكي لدراسة الإرهاب NEFA Nine Eleven Finding Answers Foundation، وقدم إفادات بصفته خبيراً في محاكمات مختلفة عقدت لعناصر الجهاد في الولايات المتحدة الأمريكية، لاهاي والدانمرك، ويعمل محللاً لشئون الإرهاب في شبكة NBC، ونشر كتاباً حول "حركات الجهاد في أوروبا" عام 2002، ضمن الإصدارات الرفيعة لجامعة أكسفورد، ونشر مقالات كثيرة حول الحركات الإسلامية.
المصدر
مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية، التقرير المعلوماتي، ملحق خاص، 3/6/

2010/06/18

الوكالات الإعلامية ودس السم في الدسم
الناظر إلى ساحتنا الإعلامية يجدها مليئة بالوكالات الإعلامية ذات التوجهات المتباينة، وقد يكون من المفهوم أن تختلف طروحات هذه الوكالات فيما يتعلق بالتحليل وفي انتقائها الأخبار التي تنشرها، بناء على اختلاف رؤاها وتوجهاتها.
ولكن غير المقبول هو لجوء بعض هذه الوكالات للتدجيل والتدليس على قرائها، معتمدة على أن نسبة كبيرة من القراء تكتفي بقراءة عنوان الخبر ولا تكلف نفسها الخوض في تفاصيله، وذلك لكثرة المعروض من أخبار على ساحتنا.
ومن التدليس الممجوج، بل الكذب الصريح ما فعلته وكالة "فلسطين برس للأنباء" بتاريخ 17/6/2010، في خبر تضمن تصريحًا للأخ الدكتور خليل الحية في حديث له مع جريدة "الشرق الأوسط" تحدث فيه عن المصالحة، فقد عنونت الوكالة المذكورة للخبر بالعنوان التالي:
الحية: حماس لن ترحب بأي وفد يأتي لغزة لأن الوقت ليس مناسبا للمصالحة
وبالطبع فإن القارئ العادي الذي يمر على عنوان الخبر كما هو سيلعن حماس تلك التي وصلت عنجهيتها لدرجة التنازل عن أخلاق العرب التي توجب عليهم الترحيب بضيوفهم مهما كانوا، وسيعتقد أن حماس لا تريد المصالحة كخيار استراتيجي، لأن الخبر يقول أنها تعتقد أن الوقت غير مناسب للمصالحة، فهل الخبر في حقيقته هو كما أرادت تلك الوكالة أن تروج له.
لقد نشرت الوكالة المذكورة مضمون الخبر كما هو في بقية الوكالات، وكما نشرته الصحيفة نفسها، غير أنها تصرفت في العنوان فقط، فلننظر ما الذي جاء في مضمون الخبر نفسه الذي نشرته نفس الوكالة:
د. الحية يقول للصحيفة إن حركته لا ترحب بأي وفد يأتي إلى غزة ليقول لنا وقعوا على الورقة المصرية، بهدف الالتفاف على الواقع والتغطية على الزخم الدولي والإقليمي والعربي الذي حدد بعد المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق "أسطول الحرية" التضامني مع قطاع غزة.
إذاً فليست المسألة رفضًا لقدوم أي وفد يأتي لغزة على الإطلاق، وإنما لنوع معين من الوفود هو ذلك الذي يريد من حماس التوقيع على الورقة المصرية بدون مراعاة ملاحظاتها المهمة جدًّا على هذه الورقة، وذلك لأن هذا النوع من الوفود يعرف مسبقًا أن حماس ترفض التوقيع بهذا الشكل قبل التوافق على مناقشة القضايا الإشكالية في الورقة المصرية، وقد رفضت حماس التوقيع بهذا الشكل رغم كل الضغوط التي مورست عليها، إذًا فمجيء مثل ذلك الوفد في مثل هذه الظروف وهو يدرك أن لا فائدة من مجيئه لا يكون إلا بهدف الالتفاف على الزخم الذي حققه "أسطول الحرية" لصالح قضية كسر الحصار الظالم على غزة.
ثم يضيف د. الحية للصحيفة قائلاً:" أما إذا حمل الوفد أفكارًا نخرج بها من حالة الانقسام ترتكز على المقاومة والثوابت الفلسطينية يمكن أن ندرسها ونتعامل معها". وهذا يعني أنها توافق على استقبال أي وفد ذي جهد جادٍّ لتحقيق المصالحة.
ويؤكد "د.الحية" هذا المضمون بنفيه الأنباء التي تحدثت عن رفض حماس قدوم وفد الشخصيات الوطنية برئاسة السيد منيب المصري قائلاً:"نحن لا نرفض حضوره، بل نرحب بالوفد بأجندة وأهداف واضحة".
لقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية الحديث الذي أدلى به الأخ د.خليل الحية في عددها رقم 11524، بتاريخ 17/6/2010، تحت عنوان:
"لا حاجة لنا بوفد يأتي إلى غزة ليقول لنا وقعوا على الورقة المصرية"
ولك أن تنظر إلى العنوانين وتقارن بينهما لتعلم إلى أي مدًى وصل الإسفاف ببعض وكالات الأنباء في بلادنا.

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...