2010/07/11

النقد الواعي

من السلبيات التي يُخشى أن تصبح راسخة في مجتمعنا الدعوي "النقد الهدام"، والمسألة تبدأ في كثير من الأحيان بالمزاح والتعليقات غير الجادة حول نشاط معين أو برنامج يتم تطبيقه، ثم تتكاثر التعليقات، ومع تكاثرها تترسخ في النفوس، ويُنسى أصلها "غير الجاد"، وتُزرع بزورها في النفس، .ثم تنمو وتنمو حتى تغطي بأغصانها الهوجاء على الحقائق والأصول.
مثال ذلك ما يحدث حول "البرنامج الثقافي" في السجن، ولا شك أن كل أمر اجتهادي قابل للخطأ والصواب، كما أنه لا شك أن بعض الأخطاء تكون غير قابلة للإساغة أو سهولة الاستيعاب، ولكن المشكلة هي في كيفية التعاطي مع هذه الخلافات الاجتهادية.
برنامجنا الثقافي يحوي أربعة عناصر أساسية:
أولاها: جلسة القرآن اليومية لمدة نصف ساعة.
ثانيها: المساقات، وهي مواضيع يتم تحديدها وتحديد المدرسين وطرحها بأسلوب فيه "ديمقراطية"، فقد سُمِح للمجاهدين أن يقترحوا المواضيع التي يرغبون فيها، ثم عندما طرحت وكان فيها مجال واسع للاختيار، تُرك المجال لهم ليختار كل واحد منهم المساق الذي يرغب في الانضمام إليه، مع ملاحظتي أنه كان لا بد من وضع ضوابط لذلك، فليس كل الناس يصلحون لحضور كل المساقات فالبعض ما زال في طور الطفولة الفكرية، ويجب علينا نحن أن نحدد له التوجيه الذي يلزمه، ولكن بأسلوب فيه إقناع.
وثالثها: المحاضرات، وهي محاضرتان أسبوعيًا، ليس لها برنامج محدد، وتختلف العناوين وأسماء المحاضرين من مرة إلى أخرى.
ورابعها: المحاضن، وقد أثارت عندنا زوبعة كبيرة، وذلك لأن الذين وضعوها لم يرغبوا بإتعاب أنفسهم بالإعداد والتحضير لها فكان أن قرروا أن تجلس كل غرفة ثلاثة أيام في الأسبوع لتتدارس منهاجًا قوامه دراسة حديث من الأربعين النووية أو الخمسين لابن رجب، وتفسير جزء عم، ومناقشة موضوع دعوي، كل عنوان في يوم.
والزوبعة التي أثارتها هذه "المحاضن" سببها أن العناوين المطروحة سبق لكثيرين أن درسوها مرارًا وتكرارًا، فصار الأمر عندهم مملاً، وكما عبر لي أحدهم بعد الجلسة الأولى للمحضن في غرفته، وكانت حول حديث "الأعمال بالنيات" فقال لي: لقد حضرت في شرح هذا الحديث ما لا أكاد أحصيه من المرات في السجن وخارجه، والمشكلة – طبعًا - عندنا أن الشراح لا يأتون بأي جديد يشد المستمعين إلى ما يتحدثون به.
هذا البرنامج الثقافي لا شك أن فيه عددًا من السلبيات، منها ما أشرت إليه في موضوع "المحاضن"، فعناصر كل غرفة ليس بالضرورة أن يكونوا متناسقين فكريًا وثقافيًا وعمريًا، والعناوين المطروحة مكررة عند البعض مرات لا تكاد تحصى، أما المحاضرات فأحيانًا تكون مواضيع بعضها في غير دائرة اهتمام المجموع، أما المساقات فالأصل أنها أقل عناصر البرنامج سلبيات، وذلك للمرونة التي استخدمت فيها وسعة الاختيارات، وإن كان الحضور في بعضها قد اكتشفوا أن "العنوان" الذي تم طرحه وسجلوا المساق على أساسه ليس كما كانوا يتوقعون، أو أن أداء المحاضر لم يكن وفق ما ينسجمون معه.
لكن كيف نتعامل مع هذه السلبيات:
أسلوب "النقد الواعي" يقتضي أن أحصر النقاط السلبية في كل عنصر من عناصر البرنامج، ثم أتوجه إلى الجهة المسؤولة، الموجه الثقافي أو الأمير أو أعضاء مجلس شورى السرية إن لم يتجاوب الأولان معي، فأعرض انتقادي مع ما أقترحه لغايات الارتقاء والتصويب.
وأنا كلي قناعة أن هذا الأسلوب لو استخدم فانه سيحقق نتائج إيجابية إذا تم إحسان عرضه، وبذلك نعزز الإيجابية ونتجاوز عن السلبيات.
ولكن ما الذي يحدث عندنا ؟!!
الذي يحدث هو أن البعض يبدأ بالتذمر من "كثافة البرنامج الثقافي"، مع أن المشكلة ليست في "الكثافة"، فكل البرنامج لا يستهلك من المجاهد سوى نحو عشر ساعات أسبوعيًا، فالمشكلة ليست في الكثافة، وإنما في الشعور بعدم الاستفادة من هذا البرنامج.
ويدل على ذلك انه لما عُرض مساق "الإسعاف الأولي" وكان يدرسه الأخ "عايد دودين", وهو ممرض، وقد أعطاه في ساحة القسم, وكنا في أيام الصيف اللاهبة، وكان يعطيه يوميًا لمدة خمسة أيام في الأسبوع، سجل نصف المجاهدين فيه وكانوا ملتزمين بالحضور والدراسة للامتحان، رغم الجهد الذي يبذلونه لأنهم شعروا باستفادتهم من المساق المذكور.
ثم بعد ذلك، وبسبب شعورنا النفسي الواهم بثقل البرنامج على النفوس، يبدأ المتذمرون بالتذمر من عناصره واحدًا واحدًا, مركزين على السلبيات فيه، مكررين "إن هذه المواضيع سبق ودرسناها"، ناسين أو متناسين أنه وان كان أغلب المجاهدين قد درس أغلب هذه المواضيع، غير أن فينا من لم يستمع في حياته إلى شرح أحاديث الأربعين النووية أو يدرس موضوع فقه العبادات، ولكننا نعمم.
ثم نسحب انتقادنا على ما لا يجوز انتقاده سلبيًا بهذه الطريقة، وهو المساقات التي اخترناها بأنفسنا وسجلنا فيها بإرادتنا الحرة، ويصير كلامنا كله من نوع: اللهم أرحنا من المحاضن، اللهم عليك بمن فرض علينا المحاضرات، متى نخلص من المحاضن ومن هذه المساقات؟ فتنتشر لدينا الأجواء السلبية، والمشكلة أن الذين يتجرؤون على ذلك أكثر من غيرهم هم "أبناء الدعوة"، والذين يتضررون أكثر من غيرهم هم"الجدد" و"الصغار" الذين كان ينبغي أن يعمل المنهاج الثقافي على بناء شخصياتهم المنتمية لهذه الدعوة المباركة.
متى نعرف كيف ننتقد بحيث نعزز الإيجابيات ونتجاوز السلبيات ؟!!
سجن النقب، قسم ب7
10/6/2009

هناك تعليق واحد:

  1. تركت في نهاية المقال سؤال كبير يا فضيلة الشيخ ...المقال جميل و ذو معاني كبيرة و مهمة في نفس الوقت،أعتقد أن اسلوب التفكير و طريقة النقد يحددان ملامح الوعي لدى الافراد و الجماعات على السواء،و بالتالي يحددان المصير...بوركت على هذه الروائع

    ردحذف

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...