2010/07/30

ليس كالميت بين يدي الغاسل ...ولكن ...

كثيرًا ما يستخدم علماء التربية والسلوك المسلمون عبارة يقولون فيها:"على المريد أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل"، وهم يستخدمون هذه العبارة للدلالة على المبالغة في الطاعة المطلوبة من المريد أو التلميذ تجاه شيخه وأستاذه ومرشده.
البعض يحتجون على هذا العبارة، ويزعمون أنها تخالف أصول الشرع، تلك الأصول التي قررت أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهم يفترضون أن هذا النوع من التربية يفترض فيه أن يطيع المريد شيخه حتى لو أمره بمعصية, والذين يقفون هذا الموقف ينطلقون من نظر ظاهري بحت ومن رؤية مداها قصير، وذلك لأمرين اثنين, هما:
أولهما: أنهم لا ينتبهون إلى أن هذا العبارة سيقت للمبالغة في الطاعة, وليس المقصود منها حقيقتها، ولغة العرب تحوي أشياء من هذا القبيل, يفهم منها السامع أن المقصود ليس حرفية اللفظ وإنما الإشارات التي يتضمنه، ولعل من أبرز ما يدل على أن حقيقة اللفظ لدى علماء التربية والسلوك الذين يستخدمون هذا العبارة غير مراد هو أنهم أنفسهم, والمقصود هنا العلماء الربانيون, تكلموا بعبارات تقيد إطلاق هذه العبارة، منها مثلاً قول الجنيد:"إن النكتة من نكت القوم لتقع في قلبي فلا أقبلها إلا بشاهدين من الكتاب والسنة"، وقول من قال :"لا تغترنّ بأحد ولو رأيته يمشي على الماء أو يطير في الهواء, ما لم يكن يقف عند الأمر والنهي".
الأمر الثاني: أنهم ينسون أو يتناسون أن علماء التربية هؤلاء وضعوا شروطًا للمرشد والشيخ الذين يجوز للمريد أن يتتلمذ على يديه, ومن أهم هذه الشروط تمتعه بالعلم والتقوى, وهما مكوّنان لا يسمحان لمن اتصف بهما أن يأمر بشيء يخالف شرع الله.
ومع ذلك، ولئلا تفهم العبارة فهمًا سقيمًا، أو يُساءَ استخدامها من قبل أناس يفهمونها على حرفيتها, لا على مدلولاتها المجازية المقصودة, أو من أناس يلجؤون للسلوك على أيدي شيوخ يفتقدون العلم أو التقوى أو كلا الأمرين، فإني أرى أن نستخدم العبارة التالية:
"على المريد أن يكون بين يدي شيخه كالمريض العاقل بين يدي الطبيب الخبير الذي يثق به وبعلمه"، ويمكن أن نزيد فيها فنقول:"كالابن المريض العاقل بين يدي أبيه الطبيب الخبير".
وهذا التصوير يتضمن الفائدة المرجوة من تلك العبارة مع التحذير من ما قد يشوبها من سوء الفهم.
إن المريض إذا كان عاقلاً لبيبًا، وذهب للعلاج عند طبيب مشهور بالخبرة والعلم والثقة, والمريض يعرفه ويثق به وبعلمه، ثم نصحه الطبيب بأي نوعٍ من العلاج فإنه سيستجيب له ويسير وفق توجيهاته، ولن يعترض عليه إلا أذا كان العقل الذي يتمتع به هذا المريض يؤكد له أن في الأمر خللاً ما، فما بالك إذا كان الطبيب أبًا للمريض، وهذا يتضمن مزيدًا من الشفقة والرحمة والعناية، فإنه في هذه الحال لو طلب منه أخذ أي علاج فسيجد نفسه مطمئنة لذلك، حتى لو كان العلاج بتر طرف من أطرافه خوف أن يسري المرض إلى باقي الجسد، وهكذا ينبغي أن يكون المريد بين يدي شيخه، بشرط أن يكون الشيخ هو الشيخ المتمتع بالصفات التي يشير إليها أهل العلم والسلوك.
سجن النقب
11/1/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...