2010/07/30

ليس كالميت بين يدي الغاسل ...ولكن ...

كثيرًا ما يستخدم علماء التربية والسلوك المسلمون عبارة يقولون فيها:"على المريد أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل"، وهم يستخدمون هذه العبارة للدلالة على المبالغة في الطاعة المطلوبة من المريد أو التلميذ تجاه شيخه وأستاذه ومرشده.
البعض يحتجون على هذا العبارة، ويزعمون أنها تخالف أصول الشرع، تلك الأصول التي قررت أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهم يفترضون أن هذا النوع من التربية يفترض فيه أن يطيع المريد شيخه حتى لو أمره بمعصية, والذين يقفون هذا الموقف ينطلقون من نظر ظاهري بحت ومن رؤية مداها قصير، وذلك لأمرين اثنين, هما:
أولهما: أنهم لا ينتبهون إلى أن هذا العبارة سيقت للمبالغة في الطاعة, وليس المقصود منها حقيقتها، ولغة العرب تحوي أشياء من هذا القبيل, يفهم منها السامع أن المقصود ليس حرفية اللفظ وإنما الإشارات التي يتضمنه، ولعل من أبرز ما يدل على أن حقيقة اللفظ لدى علماء التربية والسلوك الذين يستخدمون هذا العبارة غير مراد هو أنهم أنفسهم, والمقصود هنا العلماء الربانيون, تكلموا بعبارات تقيد إطلاق هذه العبارة، منها مثلاً قول الجنيد:"إن النكتة من نكت القوم لتقع في قلبي فلا أقبلها إلا بشاهدين من الكتاب والسنة"، وقول من قال :"لا تغترنّ بأحد ولو رأيته يمشي على الماء أو يطير في الهواء, ما لم يكن يقف عند الأمر والنهي".
الأمر الثاني: أنهم ينسون أو يتناسون أن علماء التربية هؤلاء وضعوا شروطًا للمرشد والشيخ الذين يجوز للمريد أن يتتلمذ على يديه, ومن أهم هذه الشروط تمتعه بالعلم والتقوى, وهما مكوّنان لا يسمحان لمن اتصف بهما أن يأمر بشيء يخالف شرع الله.
ومع ذلك، ولئلا تفهم العبارة فهمًا سقيمًا، أو يُساءَ استخدامها من قبل أناس يفهمونها على حرفيتها, لا على مدلولاتها المجازية المقصودة, أو من أناس يلجؤون للسلوك على أيدي شيوخ يفتقدون العلم أو التقوى أو كلا الأمرين، فإني أرى أن نستخدم العبارة التالية:
"على المريد أن يكون بين يدي شيخه كالمريض العاقل بين يدي الطبيب الخبير الذي يثق به وبعلمه"، ويمكن أن نزيد فيها فنقول:"كالابن المريض العاقل بين يدي أبيه الطبيب الخبير".
وهذا التصوير يتضمن الفائدة المرجوة من تلك العبارة مع التحذير من ما قد يشوبها من سوء الفهم.
إن المريض إذا كان عاقلاً لبيبًا، وذهب للعلاج عند طبيب مشهور بالخبرة والعلم والثقة, والمريض يعرفه ويثق به وبعلمه، ثم نصحه الطبيب بأي نوعٍ من العلاج فإنه سيستجيب له ويسير وفق توجيهاته، ولن يعترض عليه إلا أذا كان العقل الذي يتمتع به هذا المريض يؤكد له أن في الأمر خللاً ما، فما بالك إذا كان الطبيب أبًا للمريض، وهذا يتضمن مزيدًا من الشفقة والرحمة والعناية، فإنه في هذه الحال لو طلب منه أخذ أي علاج فسيجد نفسه مطمئنة لذلك، حتى لو كان العلاج بتر طرف من أطرافه خوف أن يسري المرض إلى باقي الجسد، وهكذا ينبغي أن يكون المريد بين يدي شيخه، بشرط أن يكون الشيخ هو الشيخ المتمتع بالصفات التي يشير إليها أهل العلم والسلوك.
سجن النقب
11/1/2010

2010/07/20

هنيئا لحكومة فياض على إنجازاتها

ضمن سلسلة الإنجازات التي يجب على حكومة فياض أن تفتخر بها ما حققته من أمن واستقرار في الضفة الغربية، أعني الأمن الذي يتمتع به الصهاينة المحتلون من جنود ومستوطنين، وهو ما يجب أن تفتخر به هذه الحكومة أمام سادتها وموجهيها من الصهاينة والأمريكان ومن لفَّ لفّهم، فلا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع في وسائل الإعلام أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية!! أعادت للجانب الإسرائيلي واحدًا أو أكثر من مستوطنيه أو جنوده دخل مناطق السلطة بالخطأ، وذلك لإثبات الحرص على أمان أصدقائنا وجيراننا الصهاينة!!
والذي أعتقده شخصيًا أن مسألة "دخول مناطق السلطة بالخطأ" أكذوبة اخترعها الصهاينة كامتحان لاختبار إخلاص أجهزتنا الأمنية في الحرص عليهم والدفاع عنهم، ويبدو أن الصهاينة وصلوا لقناعة أن "العقيدة الأمنية الفلسطينية" قد تغيرت تغيرًا جذريًا، يمكن معه الاطمئنان على سلامة مواطني الكيان الصهيوني وجنوده ما دام حراس الوطن ساهرون على أمنهم.
وتأتي زيارات قادة الأجهزة الأمنية الصهيونية الوالغين في دمائنا لمناطق السلطة الفلسطينية واجتماعاتهم مع قادة الأجهزة الأمنية المغاوير كنتيجة لهذه القناعة، ولتشجيعهم على مزيد من الانغماس في وحل التنسيق الأمني البغيض.
إحدى النتائج التي تمخض عنها هذه الجهد الأمني المخلص في خدمة الاحتلال تمثل فيما نشرته صحيفة"هآرتس" الصهيونية تحت عنوان "الجيش الاسرائيلي يفكر بالسماح بدخول اليهود الى مدن الضفة" وجاء فيه:
"يفكر الجيش الاسرائيلي بالغاء الحظر المفروض على دخول اليهود الى مدن الضفة الغربية التي تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. ويجري النظر في تغيير السياسة في ضوء التحسن الكبير في الوضع الامني في مناطق السلطة وفي التنسيق بين اجهزة الامن الفلسطينية واسرائيل.
وكان حظر دخول المواطنين الاسرائيليين الى مدن الضفة في نهاية العام 2000، بعد اندلاع الانتفاضة الثانية وفي اعقاب عدة حالات اختطف فيها وقتل اسرائيليون علقوا في مدن الضفة بالصدفة او اغروا للوصول الى هناك من قبل منظمات الارهاب في السنوات الاخيرة، مع الانخفاض الكبير في عدد العمليات، يدخل بين الحين والآخر يهود الى مناطق أ التي تحت سيطرة السلطة دون اذن، ولكن الشرطة الفلسطينية درجت على اخراجهم من هناك واعادتهم الى الجيش الاسرائيلي".

وتضيف الصحيفة قائلة:"وللسلطة الفلسطينية مصلحة كبيرة في دخول كل مواطني اسرائيل وذلك لان استئناف السياحة والتجارة بهذه الحجم سيؤدي الى تحسن اضافي في الوضع الاقتصادي في الضفة"، وكأن الشعب الفلسطيني سيموت من الجوع لو لم يدخل هؤلاء ليمارسوا "السياحة" و"التسوق" و"مغص بطوننا" و"تنكيد عيشنا" في مدننا بحماية مغاويرنا الأشاوس.

ثم تنقل الصحيفة عن مصدر أمني اسرائيلي قريب من العلاقات مع الفلسطينيين في الـ 15 سنة الاخيرة قوله: "إن وضع التنسيق الامني بين الطرفين هو الافضل من نوعه منذ اتفاقات اوسلو،لاول مرة، يعمل الطرفان على اساس متساو – وليس من موقف الرئيس والمرؤوس، مثلما كان قبل سنوات"

أما عن السبب الذي إذا عُرف بطل العجب فيبينه ذلك المصدر فيقول:"والسبب الاساس هو ان للطرفين يوجد عدو مشترك، السلطة الفلسطينية تشغل بالها حماس ليس اقل منا – وهي معنية بتحسين سيطرتها على المنطقة لمنع حماس من تعريض حكمها والهدوء المتحقق للخطر".

وتتحدث الصحيفة عن زيارات القادة الصهاينة لمسؤولي أجهزتنا الأمنية التي قدمت عروضها لإثبا كفاءتها في الدفاع عن مصالح "إسرائيل"، فتقول:" وشاهد الضباط الاسرائيليون استعراضا لقدرات الاجهزة، ولا سيما في مجال حراسة الشخصيات. وضمن امور اخرى تم تمثيل السيطرة على مسلحين وحماية قافلة لشخصيات ضد عمليات لاطلاق النار من سيارة مارة. بعض القوات اجتازت تدريبات في الاردن، بارشاد القوة الامريكية برئاسة الجنرال كيت دايتون".

نعم إن قائمة الإنجازات في هذا السياق لا تكاد تنتهي، وأنا أقترح أن يتم ترشيح الدكتور سلام فياض بالشراكة مع الأجهزة الأمنية للحصول على "جائزة نوبل للسلام"، فقد حققوا للكيان الصهيوني في مجال الأمن والسلام ما لم يستطعه بكل جهوده وإمكاناته عبر سنوات احتلاله لوطننا.

مرةً أخرى أقول: هنيئاً لحكومة سلام فياض على هذه الإنجازات، أما أنت أيها الشعب الفلسطيني المقهور فلك الله.

2010/07/15

الإفراج عن الأخ د. أمجد الحموري


أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي - بفضل الله وحده – عن الأخ المجاهد الدكتور " أمجد أمين الحموري" من مدينة الخليل بعد قضاء مدة محكوميته البالغة 16 شهرًا.
وكانت سلطات الاحتلال قد اعتقلت الأخ د. أمجد في شهر آذار سنة 2009، فور خروجه من سجون المخابرات الفلسطينية التي قضى فيها نحو خمسة شهور من المعاناة، وتعرض فيها لأقسى أنواع التعذيب، وأصيب خلالها بشلل مؤقت في يده بسبب الشبح المتواصل، ومع ذلك لم تلن له قناة، وظل صابرًا محتسبًا.
الدكتور أمجد الحموري حاصل على شهادة بكالوريوس طب وجراحة الفم والأسنان من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، ويعمل طبيبا للأسنان في عيادته الخاصة، وهو ناشط طلابي أيام الدراسة الجامعية.
والدكتور الحموري عضو في عدة مؤسسات وجمعيات تربوية من أبرزها جمعية تطوير القدرات الذاتية وجمعية الكفيف الخيرية.
وكان الدكتور الحموري قد اعتقل في سجون الاحتلال الصهيوني لمدة سنتين ونصف، من شهر 4 سنة 2002 وحتى شهر 9 سنة 2004.
يذكر أن الأخ المجاهد د. أمجد كان مرشحًا على القائمة النسبية لكتلة التغيير والإصلاح، وهو من الإخوة المميزين، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا.
يتقبل د. أمجد الحموري التهاني في ديوان آل الحموري، مقابل الباب الغربي لجامعة الخليل.
أسأل الله تعالى الفرج لسائر أحبابنا الأسرى.

المجتمع المثالي ليس ملائكيًا

البعض يظن أن المجتمع المثالي الذي نسعى إليه يجب أن يكون خاليًا من الأخطاء، فكأن كل من فيه ملائكة معصومون، ولعل هذه الفكرة الخاطئة نتجت عن أسلوب التربية الفكرية والثقافية التي لجأ إليها مربونا، ليس في هذا العصر فقط، بل منذ قديم الزمان، وذلك في الصورة التي نقلوها لنا عن مجتمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
لقد دأب كثير من العلماء والمربين عندما ينقلون صورة المجتمع الذي عاش فيه الرسول الكريم  وصحابته الأطهار  على نقل الجانب المشرق من ذلك المجتمع مع إهمال كلي للسلبيات التي كانت موجودة لدى بعض أفراده، وحتى هذه السلبيات عندما كانت تُذكَر كان يصحبها تبرير يخرجها من الإطار السلبي كليًا، وفي كثير من الأحيان يكون التبرير متكلَّفًا بشكل ظاهر لأولي الألباب، نعم لقد كان مجتمع الصحابة مجتمعًا مثاليًا بكل ما في الكلمة من معنى، وكان مجتمعًا ارتقى فيه الناس إلى مستويات لن يصلوا إلى مثلها مطلقًا – كمجتمع -، وقد جعله الله كذلك وأعانهم بتوفيقه على الوصول إلى هذه المراقي العليا ليوجِد لنا على الأرض نموذجًا نسعى للسير على نهجه، ومجتمعًا نعمل على الاقتداء به.
ولكن هذه "المثالية" في ذلك المجتمع لم يكن من عناصرها أنه مجتمعٌ خالٍ من الأخطاء أو المخطئين، لقد كانت ميزة ذلك المجتمع المبارك أن نسبة الأخطاء أو المخطئين فيه كانت قليلة، ولكنها – مع ذلك - كانت موجودة، وإلا لما كان مجتمعًا بشريًا، فالبشر من طبيعتهم أنهم يخطئون.
وكان مما يميز ذلك المجتمع كذلك أن كثيرًا من المخطئين الذين كانوا فيه كانوا مثاليين في تعاطيهم مع الخطأ الذي يقعون فيه، فكانوا سريعي الأوبة إلى الصواب.
ومع ذلك كان في ذلك المجتمع مخطئون مصرون على أخطائهم، كما في كل مجتمع، وإن كانوا - كما أسلفت - قلة قليلة.
انظر معي إلى قصص مشهورة للعصاة في ذلك المجتمع، وأنا عندما أتحدث عن هؤلاء لا أتحدث عن فئة المنافقين التي كانت موجودة تبطن الكفر وتظهر الإيمان، ولكني أتحدث عن مسلمين مؤمنين، كان منهم ماعز والغامدية، وكلاهما وقع في خطيئة الزنا وهو محصن، وهي فاحشة كبيرة، ولكن مثاليتهما كانت متمثلة في التوبة وإصرارهما على التطهر من الخطيئة في الدنيا خوفًا من عقاب الآخرة.
ولكن في المقابل كان في ذلك المجتمع تلك المرأة التي لاعنها زوجها في الزنا، وكانت قد زنت، ولما جاء دورها لتشهد أنه من الكاذبين وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، وخوَّفها الصحابة من أن تؤدي هذه الشهادة إن كانت قد زنت فتنال غضب الله، ترددت، ثم كان خوف "الفضيحة" عندها أكبر من خوفها من غضب الله، وسمعوها تقول: "لا أفضح قومي اليوم"، وحلفت على براءتها وهي كاذبة، وهذه تختلف عن ماعز والغامدية في أنها لم تبادر للتطهر من الذنب.
وكان في ذلك المجتمع تلك المرأة المخزومية التي سرقت وقطع رسول الله  يدها، وقد جاء في بعض الروايات أنها - بعد ذلك - تابت وحسنت توبتها.
وكان في ذلك المجتمع أولئك الذين خاضوا في عرض السيدة عائشة رضي الله عنها، وأقيم عليهم حدُّ القذف، وهؤلاء الذين جُلِدوا الحدَّ كانوا - ثلاثتَهم - من المؤمنين وليس فيهم منافق، فقد كانوا: حسان بن ثابت شاعر رسول الله  والذي كان يقول له: "اهجهم وروح القدس معك"، وكان منهم مسطح بن أثاثة، وهو من أهل بدر، وما أدراك ما أهل بدر، قال الله لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وكان منهم حمنة بنت جحش، أخت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها، وابنة عمه المصطفى  ، ومع ذلك فقد وقعوا ثلاثتهم في خطيئته القذف.
وكان في ذلك المجتمع الذين هربوا من المعركة في "أحد": فقال الله عنهم:  إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا  ثم منّ الله عليهم بالعفو بعدها.
وكان منهم من وصفهم الله بأنهم  خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً .
وكان منهم الصحابي البدري الذي كان كثيرًا ما يؤتى به سكرانًا فيجلده الرسول  الحدّ، ثم لما لعنه أحدهم قال له الحبيب المصطفى  "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله".
هذه نماذج، ويوجد غيرها، لرجال ونساء كانوا من الصحابة، ومع ذلك فلم يكونوا معصومين، بل كانوا يقارفون الأخطاء، وكما أسلفت فإن عظمتهم كانت في أن أغلبهم كانوا ذوي حساسية للذنب، فإذا قارفوه سارعوا إلى التوبة، وكان لديهم من الحسنات ما يمحو تلك الذنوب التي لا يكاد يخلو منها بشر، وعظمة المجتمع كمجتمع كانت أن نسبة العصاة فيه كانت قليلة.
المشكلة التربوية التي نعاني منها أن البعض عندنا يرى أن المجتمع المثالي يجب أن يكون خاليًا من الأخطاء، ويفترض أن مجتمعنا - مجتمع الحركة الإسلامية – كذلك، ثم عندما يرى بعد احتكاكه بالناس أن مجتمعنا لا يخلو من هذه الأخطاء يصاب بصدمة تفقده الثقة بهذا المجتمع لافتراضه انه فقد المثالية التي يتصف بها، نعم إن مجتمعنا مجتمع مثالي، بكل ما في الكلمة من معنى، ولكنه ليس مجتمعًا ملائكيًا، هذه حقيقة يجب أن ندركها، ونربى عليها عناصرنا، ليعرفوا كيف يتعاملون مع الأخطاء التي يقعون فيها أو يواجهونها لدى الآخرين.
والحمد لله أولاً وآخرًا.
سجن النقب، قسم ب7، غرفة 26
13/6/2009

2010/07/13

بالتي هي أحسن

كان صلة بن أشيم العدوي - وهو من كبار التابعين من أهل البصرة، وكان ذا فضل وورع وعبادة وزهد- مع أصحابه فمر عليهم فتى يجر ثوبه فهمَّ أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم فقال: دعوني أكفكم أمره، ثم دعاه فقال: يا ابن أخي لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك؟ قال: أن ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمت عين، فرفع إزاره، فقال صلة: هذا أمثل مما أردتم، لو شتمتوه لشتمكم.

2010/07/11

النقد الواعي

من السلبيات التي يُخشى أن تصبح راسخة في مجتمعنا الدعوي "النقد الهدام"، والمسألة تبدأ في كثير من الأحيان بالمزاح والتعليقات غير الجادة حول نشاط معين أو برنامج يتم تطبيقه، ثم تتكاثر التعليقات، ومع تكاثرها تترسخ في النفوس، ويُنسى أصلها "غير الجاد"، وتُزرع بزورها في النفس، .ثم تنمو وتنمو حتى تغطي بأغصانها الهوجاء على الحقائق والأصول.
مثال ذلك ما يحدث حول "البرنامج الثقافي" في السجن، ولا شك أن كل أمر اجتهادي قابل للخطأ والصواب، كما أنه لا شك أن بعض الأخطاء تكون غير قابلة للإساغة أو سهولة الاستيعاب، ولكن المشكلة هي في كيفية التعاطي مع هذه الخلافات الاجتهادية.
برنامجنا الثقافي يحوي أربعة عناصر أساسية:
أولاها: جلسة القرآن اليومية لمدة نصف ساعة.
ثانيها: المساقات، وهي مواضيع يتم تحديدها وتحديد المدرسين وطرحها بأسلوب فيه "ديمقراطية"، فقد سُمِح للمجاهدين أن يقترحوا المواضيع التي يرغبون فيها، ثم عندما طرحت وكان فيها مجال واسع للاختيار، تُرك المجال لهم ليختار كل واحد منهم المساق الذي يرغب في الانضمام إليه، مع ملاحظتي أنه كان لا بد من وضع ضوابط لذلك، فليس كل الناس يصلحون لحضور كل المساقات فالبعض ما زال في طور الطفولة الفكرية، ويجب علينا نحن أن نحدد له التوجيه الذي يلزمه، ولكن بأسلوب فيه إقناع.
وثالثها: المحاضرات، وهي محاضرتان أسبوعيًا، ليس لها برنامج محدد، وتختلف العناوين وأسماء المحاضرين من مرة إلى أخرى.
ورابعها: المحاضن، وقد أثارت عندنا زوبعة كبيرة، وذلك لأن الذين وضعوها لم يرغبوا بإتعاب أنفسهم بالإعداد والتحضير لها فكان أن قرروا أن تجلس كل غرفة ثلاثة أيام في الأسبوع لتتدارس منهاجًا قوامه دراسة حديث من الأربعين النووية أو الخمسين لابن رجب، وتفسير جزء عم، ومناقشة موضوع دعوي، كل عنوان في يوم.
والزوبعة التي أثارتها هذه "المحاضن" سببها أن العناوين المطروحة سبق لكثيرين أن درسوها مرارًا وتكرارًا، فصار الأمر عندهم مملاً، وكما عبر لي أحدهم بعد الجلسة الأولى للمحضن في غرفته، وكانت حول حديث "الأعمال بالنيات" فقال لي: لقد حضرت في شرح هذا الحديث ما لا أكاد أحصيه من المرات في السجن وخارجه، والمشكلة – طبعًا - عندنا أن الشراح لا يأتون بأي جديد يشد المستمعين إلى ما يتحدثون به.
هذا البرنامج الثقافي لا شك أن فيه عددًا من السلبيات، منها ما أشرت إليه في موضوع "المحاضن"، فعناصر كل غرفة ليس بالضرورة أن يكونوا متناسقين فكريًا وثقافيًا وعمريًا، والعناوين المطروحة مكررة عند البعض مرات لا تكاد تحصى، أما المحاضرات فأحيانًا تكون مواضيع بعضها في غير دائرة اهتمام المجموع، أما المساقات فالأصل أنها أقل عناصر البرنامج سلبيات، وذلك للمرونة التي استخدمت فيها وسعة الاختيارات، وإن كان الحضور في بعضها قد اكتشفوا أن "العنوان" الذي تم طرحه وسجلوا المساق على أساسه ليس كما كانوا يتوقعون، أو أن أداء المحاضر لم يكن وفق ما ينسجمون معه.
لكن كيف نتعامل مع هذه السلبيات:
أسلوب "النقد الواعي" يقتضي أن أحصر النقاط السلبية في كل عنصر من عناصر البرنامج، ثم أتوجه إلى الجهة المسؤولة، الموجه الثقافي أو الأمير أو أعضاء مجلس شورى السرية إن لم يتجاوب الأولان معي، فأعرض انتقادي مع ما أقترحه لغايات الارتقاء والتصويب.
وأنا كلي قناعة أن هذا الأسلوب لو استخدم فانه سيحقق نتائج إيجابية إذا تم إحسان عرضه، وبذلك نعزز الإيجابية ونتجاوز عن السلبيات.
ولكن ما الذي يحدث عندنا ؟!!
الذي يحدث هو أن البعض يبدأ بالتذمر من "كثافة البرنامج الثقافي"، مع أن المشكلة ليست في "الكثافة"، فكل البرنامج لا يستهلك من المجاهد سوى نحو عشر ساعات أسبوعيًا، فالمشكلة ليست في الكثافة، وإنما في الشعور بعدم الاستفادة من هذا البرنامج.
ويدل على ذلك انه لما عُرض مساق "الإسعاف الأولي" وكان يدرسه الأخ "عايد دودين", وهو ممرض، وقد أعطاه في ساحة القسم, وكنا في أيام الصيف اللاهبة، وكان يعطيه يوميًا لمدة خمسة أيام في الأسبوع، سجل نصف المجاهدين فيه وكانوا ملتزمين بالحضور والدراسة للامتحان، رغم الجهد الذي يبذلونه لأنهم شعروا باستفادتهم من المساق المذكور.
ثم بعد ذلك، وبسبب شعورنا النفسي الواهم بثقل البرنامج على النفوس، يبدأ المتذمرون بالتذمر من عناصره واحدًا واحدًا, مركزين على السلبيات فيه، مكررين "إن هذه المواضيع سبق ودرسناها"، ناسين أو متناسين أنه وان كان أغلب المجاهدين قد درس أغلب هذه المواضيع، غير أن فينا من لم يستمع في حياته إلى شرح أحاديث الأربعين النووية أو يدرس موضوع فقه العبادات، ولكننا نعمم.
ثم نسحب انتقادنا على ما لا يجوز انتقاده سلبيًا بهذه الطريقة، وهو المساقات التي اخترناها بأنفسنا وسجلنا فيها بإرادتنا الحرة، ويصير كلامنا كله من نوع: اللهم أرحنا من المحاضن، اللهم عليك بمن فرض علينا المحاضرات، متى نخلص من المحاضن ومن هذه المساقات؟ فتنتشر لدينا الأجواء السلبية، والمشكلة أن الذين يتجرؤون على ذلك أكثر من غيرهم هم "أبناء الدعوة"، والذين يتضررون أكثر من غيرهم هم"الجدد" و"الصغار" الذين كان ينبغي أن يعمل المنهاج الثقافي على بناء شخصياتهم المنتمية لهذه الدعوة المباركة.
متى نعرف كيف ننتقد بحيث نعزز الإيجابيات ونتجاوز السلبيات ؟!!
سجن النقب، قسم ب7
10/6/2009

2010/07/07

سحابة صيف


أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراةٌ وجوَّعُ


أراها وإن كانت تُحَبُّ فإنها سحابة صيف عن قليل تَقَشَّعُ


كركْبٍ قَضَوا حاجاتهم وترحلوا طريقهم بادي العلامة مهيع

حكمة

قال المهلب بن أبي صفرة:" نعم الخصلة السخاء تستر عورة الشريف وتلحق خسيسة الوضيع، وتحبب المزهود فيه".
وقال:"يعجبني في الرجل خصلتان أن أرى عقله زائدا على لسانه، ولا أرى لسانه زائدا على عقله".

2010/07/04

صبرًا أبا مصعب فالموعد الجنة


ما أزال أذكر تلك الرؤيا التي حدثني عنها أخي الكبير الحبيب شيخ المجاهدين النائب محمد أبو طير أيام كنا معًا نرسف في قيودنا في سجن الرملة بعد اختطافنا سنة 2006، أيامها أخبرني أبو مصعب أنه رأى نفسه في المنام وهو شاب صغير يسير في طريق طويل مظلم، وفي نهاية ذلك الطريق كان يقف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فناداه وقال له: أنا في انتظارك، كان أبو مصعب يدرك منذ رأى تلك الرؤيا أن الطريق الذي يسير فيه طريق شاق مصاعبه جمّة، ولكن نهايته فيها رفقة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان يشعر بالرضى رغم آلام القيد والأسر، وكان ثابتًا على طريق الجهاد والصبر رغم كل المصاعب، لم تنل من عزيمته السنوات الثلاثون التي قضاها خلف قضبان السجون، ولم تنحن هامته أمام المحن المتلاحقة، ولم تنكسر إرادته أمام أعتى العواصف.
أبو مصعب جبل شامخ، أمضى نحو نصف حياته أسيرًا في سجون الاحتلال، ورغم أنه شارف على الستين إلا أنك عندما تراه تشعر أنك أمام شاب في ريعان الشباب، وإذا عشت معه لا تملك إلا أن تحبه، وحتى لو اختلفت معه فلا يمكنك إلا أن تحترمه، وهذه المشاعر تجاه الشيخ المجاهد أبي مصعب لم تكن تقتصر على أسرى حماس فحسب، بل كان يشترك فيها الأسرى من كل أطياف الشعب الفلسطيني، كانت كلمة أبي مصعب ونحن في السجن محترمة عند كل الأسرى سواء فيهم من انتمى إلى فتح ومن انتمى إلى حماس، ذلك أن الرجل كان ولا يزال أنموذجًا للتضحية، وكان الكل في قلاع الاسر ينظرون إليه نطرتهم إلى أبٍ حنون أو إلى أخ كبير.
أبو مصعب يترك وهو صامت من الأثر في من حوله ما لا يستطيعه البلغاء، فيكفي أن تراه بلحيته البرتقالية لتستحضر في ذهنك تاريخًا من الصبر والصمود، لتقتنع أن القضية التي يحمل لواءها أمثال هذا الشيخ لا يمكن إلا أن تنتصر، ولعل ذلك بالضبط هو ما أغاظ الصهاينة منه، ودفعهم لمحاولة إبعاده عن القدس التي عشقها عشقًا لا توجد كلمات تكفي للتعبير عنه، لأنهم لا يطيقون أن يرى أهل القدس بينهم أنموذجًا يحثهم على الصبر والثبات في مدينتهم المقدسة.
ويعود الاحتلال ليعتقل الشيخ المجاهد ولما يمض على خروجه من السجن الذي أمضى فيه أربع سنوات في المرة الأخيرة سوى نحو الشهر، ومع ذلك فإنك تراه وهو يُقاد إلى المحكمة وبسمته لا تفارق محياه، تراه وهو شامخ شموخ العمالقة وآسروه حوله كالأقزام، إنه الرضى الذي يُكرم الله به عباده الذين يحبهم، "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ".
وفي غمرة هذه الأحداث تضيع كل تلك الوعود التي سمعناها في الأيام الأخيرة حول حلٍّ لقضية إبعاد الشيخ أبي مصعب وأخوانه النائبان المجاهدان محمد طوطح وأحمد عطون والوزير خالد أبو عرفة، وتضيع معها تطمينات "أبي مازن" وتدخلات "ميتشل"، وتظهر الأمور على حقيقتها، فهل يعتبر إخواننا السائرون في طريق المفاوضات ويدركون أن الصهاينة لا يريدون من هذه المفاوضات إلا تخدير شعبنا والتدليس على العالم كله، أم أنهم مدركون لذلك ومع ذلك يتمسكون بخيارهم الوحيد هذا!! لغايات في أنفسهم؟
أما أنتم يا إخواني الأحباب أبا مصعب وأبا محمد وأبا مجاهد وأبا معاذ فأقول لكم:"مهما طال الطريق فإن له نهاية، وما دمنا مع الله فالنصر آت لا محالة، فصبرًا فإن الموعد الجنة".

حياء

لما احتضر الأسود بن يزيد النخعي وهو من كبار التابعين، ومن أعيان أصحاب ابن مسعود بكى فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: مالي لا أجزع؟ ومن أحق بذلك مني؟ والله لو أنبئت بالمغفرة من الله لأهابنَّ الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحييًا منه.

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...