2018/04/14

في ذكرى هدم الخلافة،، الخلافة التي نريد


الخلافة التي نريد

تطل علينا هذه الأيام ذكرى قيام (أتاتورك) بإلغاء (الخلافة) وطرد الخليفة العثماني وعائلته، وهي ذكرى أليمة أسقطت قلعة كان المسلمون يأملون أن توفر لهم الوحدة والحماية، وانتهت بتلك الحادثة مرحلة وصفتها الأحاديث النبوية بأنها مرحلة الملك العضوض (الوراثي) في تاريخ الأمة.
ولا شك أن كل مسلم صادق (يتطلع) إلى عودة (الخلافة) التي تسير على منهاج النبوة وتجمع شتات المسلمين في دولة واحدة، ويؤمن بأن ذلك حاصلٌ لا محالة؛ لأنه وعد الصادق المصدوق ص.
ولكن صورة الخلافة المنشودة أصابها بعض الغبش بسبب سوء عرض بعض الذين (ينظّرون) لفكرتها، وللمساهمة في توضيح الصورة وإزالة بعض هذا الغبش ينبغي علينا الوقوف عند بعض الأفكار الأساسية المتعلقة بفكرة (دولة الخلافة). 

الخلافة نظام وليست شخصًا

البعض يختزل (الخلافة) في (شخصٍ) يريدونه اسمه (الخليفة)، فتراهم يتضرعون إلى الله تعالى أن يبعث لهم (خليفة) يحلُّ مشاكل الأمة، ويعيد لها عزّتها، ويتوعدون الأعداء بأنه إذا جاء (الخليفة) فإنه سيفعل ويفعل ويفعل، ويغيب عن هؤلاء أن الخلافة (نظامٌ) وليست (شخصًا)، ومصطلح (الخلافة) مشتقٌّ من كون هذا النظام سائرًا على منهج النظام النبوي، يخلفه في القيام بما أوجبته الشريعة، فهو نظام يسير وفق منهج النبوة، وعليه فلو جاء رجلٌ قوي وتمكن من الحكم وأعلن نفسه (خليفة) للمسلمين فإنه لن يفلح في حلّ مشاكل الأمة وقيادتها نحو الرفعة ما لم تسانده قوى المجتمع حوله، وهنا نستذكر أن عليًا س لم يستطع حلَّ المشاكل التي أحاطت به، ليس لضعف فيه ولا لانعدام الخبرة، حاشاه ذلك، ولكن لأن كثيرين من الذين كانوا حوله (أركان نظامه) لم يكونوا مساعدين له على ذلك، وقد كان يشكو من عصيانهم فيقول لهم: (أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان)، ووضح ذلك بقوله (لا رأي لمن لا يطاع).
وقد روي أن أحد أتباعه سأله، فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال أبي بكر وعمر انطاع الناس لهما، والدنيا عليهما أضيق من شبر فاتسعت عليهما ووليت أنت وعثمان الخلافة ولم ينطاعوا لكما، وقد اتسعت فصارت عليكما أضيق من شبر؟
فقال له عليٌّ س: لأن رعية أبي بكر وعمر كانوا مثلي ومثل عثمان، ورعيتي أنا اليوم مثلك وشبهك!

الخلافة مضمون وليست شكلًا أو اسمًا

وهناك من يركّز على اسم (الخلافة) بدون أن يقترن ذلك عنده ببيان المضامين المستهدفة، وهذا التركيز على الاسم ترك عند كثيرين من عامّة الناس انطباعًا يجعل أهمية (اسم) النظام الذي نريده أكثر من أهمية (مضمونه)، وكأني بهؤلاء الذين يركّزون على (الاسم) ويهملون الحديث عن (المضمون) قد ظنّوا الاسم أمرًا مقدّسًا.
لقد جاءت الأحاديث التي وردت فيها الألفاظ المتعلقة بالخلافة، مثل: (خلافة) و(خليفة) و(خلفاء) في سياق يوحي بأن المقصود منها الوصف والإخبار، لا إنشاء اسم يلزم المسلمين استخدامه ولا يجوز لهم مخالفته، وليس معنى كلامي أن نعزف عن استخدام مصطلح (الخلافة) و(الخليفة)، فهو مصطلح استخدمه الرسول ص، بل المقصود بيان جواز استخدام لفظ آخر لوصف من يتولى الإمامة في الدولة الإسلامية.
ويبقى المهم أن تكون حقيقة من يتولى أمر الأمة موافقة لما يريده الله منه، من إقامة شرع الله، وشرع الله لا يقتصر على إقامة الحدود، والتي رغم أهميتها ليست سوى جزءٍ صغير من شرع الله تعالى، والذي يندرج تحته العناوين الكبرى لمقاصد الشريعة، كإقامة العدل، ونشر الإحسان، وتكريم الإنسان، والحفاظ على الحرية.

الخلافة لا تعني أن المشاكل سيتم حلها بكبسة زر

وبعض الذين يتمحور حديثهم عن (الخلافة)، يوهم حديثهم – بقصد منهم أو بغير قصد – أن مشاكل الأمة ستحل كلها عند إعلان دولة الخلافة، فالأمة ستنتصر، وتعود لها عزتها، وينتعش اقتصادها، ويزول الفقر بين أبنائها، ويعيش أهلها في رخاء وسعادة وراحة بال ... الخ.
ولا شكَّ أن ذلك – كله أو بعضه – يمكن أن يحدث، ولكن ليس لمجرد إعلان دولة تسمى دولة الخلافة، بل سيحدث عندما تقوم تلك الدولة وتأخذ بالأسباب التي جعلها الله طريقًا للوصول إلى هذه النتائج.
ونريد هنا أن لا ننسى أن الأمة مرّت بمراحل عديدة كانت تحت نظام (الخلافة) ولكنه لم يكن نظام الخلافة الراشدة التي على منهاج النبوة، فتعرضت لهزائم وانتكاسات، وتشرذمت وسيطر الأعداء على مناطق شاسعة منها، وانتشر الفقر عندما كان من يزعمون أنهم (خلفاء) يتعاملون مع أموال الأمة كأنها ميراث آبائهم.
وحتى في زمن الخلافة الراشدة، فقد كانت الأمة تمرُّ بمراحل معاناة وشظف ومكابدة، كما حدث في عام الرمادة عندما انتشر القحط أثناء خلافة عمرس، وهذه الأمور من الأمور الطبيعية في هذه الدنيا التي جعلها الله دار امتحان وابتلاء، لا دار استقرار وجزاء.
يجب أن يكون هدفنا الأول عندما نسعى لإعادة إحياء الخلافة أن نطيع أوامر الله تعالى، التي فرضت علينا أن تكون حياتنا كلها سائرة وفق منهجه الذي شرعه لنا، بما فيها نظام الحكم وأمور السياسة، أما أن نروّج لفكرة أن الهدف استجلاب المنافع الدنيوية فإننا سنقع في ورطة حيت تقوم تلك الدولة، ويجد العامة من الناس أنها لم تحقق لهم (الجنة) التي وعدوا بها، وهي لن تحقق ذلك في بداياتها؛ لأنها ستكون منشغلة في تثبيت أركانها ومحاربة أعدائها. 

متى سقطت الخلافة؟

والنقطة الأخيرة والمهمة في هذا السياق أن البعض يركّز على أن الخلافة سقطت عندما ألغاها (أتاتورك) وطرد الخليفة العثماني، ويساهم الاحتفاء بذكرى سقوط الخلافة هذه الأيام في ترسيخ هذا المفهوم، والذي يوحي لبعض المتصيّدين أن الخلافة التي يسعى إليها العاملون للإسلام هي نسخة من نموذج الدولة العثمانية أو الدول التي سبقتها كدولة العباسيين والأمويين، وهنا لا بدّ من طرح هذا التساؤل: متى سقطت الخلافة؟
ولمعرفة الجواب، فإن خير من يخبرنا عنه هو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، فقد أخبرنا في حديث صحيح ذكر فيه المراحل التي سيمر بها الحكم في الأمة الإسلامية، وكانت وفق ذلك الحديث بعد مرحلة الـ (نبوّة):
·       خلافة على منهاج النبوة
·       يتلوها مُلكٌ عاضٌّ، أو عضوض، وهو الملك الوراثي.
·       يتلوه ملكٌ جبريٌّ، أي (ديكتاتوي)
·       يتلوه خلافة على منهاج النبوة
وبين لنا في حديث آخر صحيح مدة (الخلافة) التي تسير على منهاج النبوة، فقال ص: (خلافةُ النُّبوَّة ثلاثونَ سنةَ، ثم يؤتي الله المُلكَ من يشاء).
وفي رواية أخرى للحديث (إسنادها حسن) قال ص: (الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً، وسائرهم ملوك).
وقد نقل ابن حبان عن أبي حاتم الرازي قوله: "مَنْ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ سَنَةً يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: خُلَفَاءُ أَيْضًا عَلَى سَبِيلِ الِاضْطِرَارِ، وَإِنْ كَانُوا مُلُوكًا عَلَى الْحَقِيقَةِ".
فالخلافة التي نريد إحياءها، والتي وُعدنا بأنها ستقوم ليست هي التي سقطت قيل نحو (100) سنة، بل هي تلك التي سقطت سنة (41 هـ)، وما بعدها من دول تسمى خلافة على سبيل الاضطرار كما قال أبو حاتم الرازي.
إن الأنظمة التي حكمت الأمة بعد الخلفاء الراشدين كأنظمة العثمانيين وقبلهم العباسيين والأمويين، رغم أنها كانت لها أعمال صالحة، ورغم أنها خير من الأنظمة التي تحكمنا بما لا يقاس، ليست هي الصورة التي نتطلع إليها، إننا نريد خلافة راشدة على منهاج النبوة، ولا نريد نظامًا غير ذلك، وللأسف فإن تكرار الترويج للجانب الإيجابي في ذلك النظام، وهو جانب لا ننكره، دون التنبيه إلى الانحراف الذي كان عن منهج الشريعة قد يترك أثرًا سلبيًّا لدى النخبة المثقفة المطلعة على التاريخ حين تسأل نفسها: هل الذي نسعى إليه هو إحياء نظام فيه كل تلك السلبيات؟!
الوضوح مع النفس، والتفكير بعقلانية، وعدم الانسياق وراء العواطف المجرّدة أمر مهمٌّ لنهتدي الطريق الأقوم في سيرنا لإعادة بناء دولة الخلافة واستئناف الحياة الإسلامية.


2018/04/03

الأحاديث المردودة، المرسل الخفي (الحلقة 20)


الحديث المرسل الخفي

تحدثنا في الحلقات السابقة عن (5) أنواع من الانقطاع الذي يؤدي إلى تضعيف الحديث، ونتحدث اليوم – بمشيئة الله تعالى – عن النوع السادس والأخير، وهو (المرسل الخفي)

ما هو تعريف (المرسل الخفي)؟

المرسل الخفي هو: (أن يروي الراوي عمن عاصره ولم يلقه، ما لم يسمع منه، بلفظ يحتمل السماع وغيره كـ قال).
وفي هذه الحالة، وفق التعريف، فإنّ راوي الحديث والشيخ الذي رواه عنه قد تعاصرا، ولكنهما لم يلتقيا، فلم يسمع الراوي من الشيخ أصلًا، ولكن اللفظ الذي أدّى به الحديث لفظٌ محتمل للسماع، فيمكن أن يتوهم الآخذون عنه أنه سمعه منه، ويظنون الحديث متّصلًا.
وقد أدخل بعضهم في صورته أن يروي عمّن لقيه ولم يسمع منه مطلقًا، وعليه فينبغي أن يكون تعريف الحديث المدلّس تدليس إسناد بأنه (أن يروي عمن لقيه وسمع منه ما لم يسمعه منه، موهمًا أنه سمعه منه) وأن يكون تعريف المرسل الخفي بانه (أن يروي الراوي عمن عاصره ولم يلقه، أو لقيه ولم يسمع منه مطلقًا، ما لم يسمع منه، بلفظ يحتمل السماع وغيره كـ قال)

ما علاقة المرسل الخفي بـ (المدلّس)؟

ذكرنا في تعريف الحديث المدلَّس تدليس إسناد أنه (أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه، موهمًا أنه سمعه منه).
فالنوعان يجتمعان في أن الرواية في:
·      أن الراوي لم يسمع ممن يروي عنه هذا الحديث.
·      أن الرواية جاءت بلفظٍ يوهم السماع.
ولكنهما يختلفان في أن الراويين في الحديث المدلّس قد التقيا، بينما في (المرسل الخفيّ) تعاصرا بدون أن يلتقيا أصلًا.
وقد عرّف بعض العلماء – كـ (ابن الصلاح) في مقدمته الحديث المدلّس تدليس إسناد تعريفًا يشمل معه المرسل الخفيّ، فقال في تعريفه:
هو (أن يروي عمَّن لَقِيَهُ ما لم يسمعه منه، مُوهِمًا أنَّه سَمِعَهُ منه، أو عمَّن عاصره ولم يَلْقَهُ، مُوهِمًا أنَّه قد لَقِيَهُ وسمعه منه).
وقد ذهب ابن حجر وتبعه المتأخرون بعده إلى التفريق بينهما بما ذكرناه، فجعلوا المدلّس مختصًّا بما اجتمع فيه المعاصرة واللقاء، والمرسل الخفي بما توفر فيه المعاصرة دون اللقاء.

ما الفرق بين المرسل الخفي والمرسل الظاهر؟

لفظ الإرسال يدل على (إطلاق) السند، وعدم تقييده براوٍ معروف، والمعتمد في تعريف (المرسل) أنه (ما سقط من آخر إسناده مَنْ بعد التابعي) أو بصيغة أخرى أنه (أن يقول التابعي قال رسول الله ص).
وهذا هو الإرسال الظاهر، ومعنى كونه ظاهرًا أن الأمر فيه لا يلتبس على أهل العلم، فعدم التقاء التابعي بالرسول ص أمرٌ ظاهر، ولذا فلا يصعب استنتاج وجود (انقطاع) عند وجود رواية مباشرة من التابعي عن الرسول ص.
وقد أطلق بعض العلماء لقب (المرسل) على كل حديث فيه انقطاع، وإن كان هذا ليس المعتمد في علم المصطلح بعد استقراره.
أما (المرسل الخفي) الذي نحن بصدده فإن الراويين فيه قد (تعاصرا) ولكنهما لم يلتقيا، ومن هنا يأتي (الخفاء) الذي فيه، إذا قد يتوهم الناظر في السند أنهما التقيا لوجود المعاصرة بينهما.
أو أنهما التقيا ولم يسمع الراوي من المروي عنه شيئًا من الحديث على من اشترط المعاصرة وعدم السماع، ولم يشترط عدم اللقاء.

كيف يُعرف المرسل الخفي؟

تعرف عدم الملاقاة بين الراويين بـ
·      أن يخبر هو بنفسه عن ذلك
·      أو أن يجزم إمامٌ مطّلعٌ بذلك، وهم يجزمون بذلك بناء على تواريخ مواليد ووفيات الرواة، وعلى ما وصلهم من أخبارهم.
ومن الأمثلة على الطريقة الأولى (إخبار الراوي عن عدم اللقاء):
1.     أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وهو تابعي ثقة، كثير الحديث، كان يروي عن أبيه (عبد الله بن مسعود)، غير أنه لم يسمع منه شيئًا، فقد مات أبوه وهو صغير، وسأله (عمرو بن مرة): أتذكر من عبد الله شيئا؟ فقال: لا، مَا أَذْكُرُ مِنْهُ شَيْئًا.
2.     عمر مولى غفرة بنت رباح يروي عن أنس بن مالك، ويروي عن ابن عباس، ولم يسمع منهما. فقد أخرج الفريابي في (القدر، ح5) قال: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ، مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ م قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ: (يَا غُلَامُ، أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَمَّاتٍ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِنَّ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، اعْرِفِ اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ ... الخ الحديث).
ثم نقل الفريابي أنه سَمِع إِسْحَاقَ يَقُولُ: قَالَ عِيسَى: قُلْتُ لِعُمَرَ: أَسَمِعْتَهُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ م قَالَ: قَدْ أَدْرَكْتُهُ.
وقد قال عنه (ابن سعد): كان ثقة كثير الحديث ليس يكاد يسند وكان يرسل حديثه.
ومن الأمثلة على الطريقة الثانية (جزمُ إمام مطّلع بعدم اللقاء)
1.     أن (محمد بن المنكدر)، وهو تابعي إمام ثقة، يروي عن أبي هريرة وعن عائشة وعن غيرهم من الصحابة، وقد نص الأئمة على أن روايته عن أبي هريرة وعن عائشة مرسلة، مع أنه عاصرهما، لكنهما ماتا وهو صغير، فقد مات أبو هريرة قبل سنة (60 هـ) بقليل، وماتت عائشة سنة (58 هـ)، بينما ولد ابن المنكدر نحو سنة (54 هـ)، وتوفي سنة (130 هـ) وعمره (76 عامًا).
2.     الحسن البصري، الإمام المشهور، يروي عن علي بن أبي طالب س، ولم يسمع منه مع أنه لقيه، وقد سئل أبو زرعة االرازي: هل لقي الحسن أحدًا من البدريين؟ فقال: رآهم رؤية، رأى عثمان بن عفان وعليٍّا. فقيل له: هل سمع منهما حديثا؟ قال: لا، وكان الحسن البصري يوم بويع لعلي س ابن (14) سنة، ورأى عليًّا بالمدينة، ثم خرج عليٌّ إلى الكوفة والبصرة، ولم يلقه الحسن بعد ذلك، وقال الحسن: رأيت الزبير يبايع عليًّا س.

هل يعتبر ورود الحديث من طريق فيها راوٍ زائد دليلًا على الانقطاع؟

ذكر بعض أهل العلم أن من طرق معرفة (المرسل الخفي) أن يَرِدَ الحديث من بعض الطرق بزيادة راوٍ بين الراويين المظنون الانقطاع بينهما.
والحكم على الحديث بأنه منقطع من خلال هذه الطريقة مسألة مختلفٌ فيها بين العلماء، لأن زيادة الراوي كما قد تدلُّ على وجود الانقطاع، فإنها قد تكون من باب (المزيد في متصل الأسانيد)، ولذلك لا يحكم في هذه الصورة بحكم كلي جازم؛ لتعارض احتمال الاتصال والانقطاع.
و(المزيد في متصل الأسانيد)، هو أن يزيد الرَّاوي في إسناد الحديث رجلًا أو أكثر وَهْمًا منه وغَلَطًا.
وعليه فعندما يرد حديث من طريقين، وفي إحداهما زيادة راوٍ بين راويين متعاصرين، فينبغي البحث هل تدلُّ هذه الزيادة على وجود انقطاع في السند الأقصر، أم على وجود خطأ أو وهمٍ في السند الأطول.
ومثاله
حديث أبي ذر س عن الرسول ص قال (ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، أما الثلاثة الذين يحبهم الله: فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينهم فمنعوه، فتخلف رجل بأعقابهم فأعطاه سرا لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به، نزلوا فوضعوا رءوسهم فقام يتملقني ويتلو آياتي، ورجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح الله له. والثلاثة الذين يبغضهم الله: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم)
فهذا الحديث:
·      روي (عن منصور بن المعتمر، قال سمعت ربعي بن حراش، يحدث عن زيد بن ظبيان، رفعه إلى أبي ذر ....)
·      وروي بإسقاط (زيد بن ظبيان) من السند، فقد روي (عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن أبي ذر...)
و(ربعي) هذا تابعي ثقة من خيار الناس، وقد سمع من عمر س، ولكن أهل هذا العلم نصُّوا على أنه لم يسمع من أبي ذر، مع أن أبا ذرٍّ مات بعد عمر، ولذلك حكموا على السند الذي سقط فيه اسم (زيد بن ظبيان) بأنه منقطع، ويكون من باب المرسل الخفي؛ لأن ربعيًّا وأبا ذرٍّ كانا متعاصرين.
أما المثال على زيادة رجل في السند ولا تدل على الانقطاع، فمثالها:
ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ص: (جدال في القرآن كفر).
فقد روي الحديث (عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة)
كما روي (عن سعد بن إبراهيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة) بزيادة (عمر بن أبي سلمة) بين سعد وأبي سلمة.
وقد نصّ أهل العلم بهذا الشأن أن زيادة عمر هنا من باب (المزيد في متصل الأسانيد) وأن الحديث صحيح من رواية (سعد عن أبي سلمة) مباشرة.
وعلماء الحديث يحكمون بأن السند الناقص صحيح وليس فيه انقطاع استنادًا إلى قرائن تفيدهم غلبة الظنّ بذلك، منها أن يكون راوي السند الذي فيه حذف للراوي الزائد قد صرح بأن الراوي  روى عن شيخه بلفظ يفيد اتصال السماع، كـ (سمعت) و(حدثني) و(أخبرني)، وليس بالعنعنة، وأن يكون راوي السند الناقص أتقن من راوي السند الزائد، وهكذا.
ومدار المسألة – كما قال السخاوي – "على غلبة الظن، فمهما غلب على ظن الناقد أنه الراجح حكم به".
ما حكم المرسل الخفي؟
(المرسل الخفي) نوع من أنواع الحديث المنقطع، وهذا يقتضي أنه ضعيف؛ لنفس السبب في بقية أنواع المنقطع، وهو أن كون الراوي (المفقود من السند) مجهولًا غير مذكور أو معروف، يجعل هناك احتمالًا أن يكون راويًا ضعيفًا لا يحقق شروط الصحة من العدالة والضبط.

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...