2018/03/19

الأحاديث المردودة، المنقطع (الحلقة 15)


الحديث المنقطع
سنتحدث اليوم – بمشيئة الله تعالى – عن النوع الأول من الأحاديث الضعيفة بسبب فقد شرط الاتصال، وهو الحديث المنقطع.

ما هو الحديث المنقطع؟

الأصل أن وصف (المنقطع) يطلق على كل حديث كان سنده غير متصل، أي أن فيه راويًا لم يسمع من الذي فوقه، والساقط بينهما غير مذكور.
وعلى هذا فهو ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان انقطاعه، وعليه فهو يشمل المرسل والمعلق والمعضل والمدلس.
وقد كان العلماء المتقدمون يستخدمون مصطلح (المنقطع) بهذا المعنى العام للانقطاع.
وبناء على هذا يمكن تعريف الحديث المنقطع بأنه: (ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان انقطاعه).
وسواء في ذلك كان الانقطاع من أول الإسناد، أو من آخره، أو من وسطه، وكان الساقط من السند واحد أو أكثر، متوالين أو متفرقين.
غير أن ابن حجر العسقلاني ومن تلاه من متأخري علماء المصطلح جعلوا اسم المنقطع خاصًّا بما سقط من الإسناد فيه واحد، أو اثنان أو أكثر بشرط عدم تواليهم، وبناءً على اصطلاحهم هذا فإن المرسل والمعلّق والمعضل لا يطلق عليه اسم (المنقطع) الاصطلاحي.
وبناء على اصطلاحهم هذا يمكن تعريف الحديث المنقطع عندهم بأنه: (ما سقط من أثناء السند فيه راوٍ واحد، أو اثنين أو أكثر بشرط عدم التوالي).
وقد خرج بقولهم في هذا التعريف (ما سقط من أثناء السند) نوعان من المنقطع العام، وهما المعلق والمرسل؛ لأن السقط يهما ليس في أثناء السند، فالسقط في المعلق في أول السند، وفي المرسل في آخره.
وخرج بقولهم (بشرط عدم التوالي) الحديث المعضل؛ لأن الإعضال يتضمن سقوط راويين متتاليين من السند.
والانقطاع قد يكون في مكان واحد من الإسناد، وقد يكون في أكثر من مكان واحد، كأن يكون الانقطاع في مكانين أو ثلاثة مثلا.

هل يدخل الحديث الذي فيه راو مبهم ضمن المنقطع؟

تحتوي بعض الأسانيد على ذكر راوٍ مبهم، غير مسمًّى، مثل:
** قال وكيع، حدثنا سفيان، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن رجل، عن علي، قال: قال رسول الله  .....
** قال عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن رجل، عن عمرو بن وابصة الأسدي، عن أبيه، قال:...
** بهز، حدثنا شعبة، عن يزيد بن خمير، عن مولى لقريش، عن أبي هريرة، عن النبي ....
** قال وكيع، حدثنا قدامة بن موسى، عن شيخ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله  ....
ففي السند الأول الراوي عن علي رضي الله عنه (رجلٌ)، وكذلك في السند الثاني الراوي عن عمرو بن وابصة، وفي السند الثالث الراوي عن أبي هريرة (مولى لقريش)، وفي السند الرابع الراوي عن ابن عمر (شيخ).
وكل هذه الألفاظ تشير إلى راوٍ مبهم غير معروف؛ لأنه غير مسمًى.
ووجود هذا الإبهام في السند يدخله في وصف (المنقطع)، فكون الراوي الساقط من السند محذوفًا أو مبهمًا سواء؛ لأن العلة التي ضُعّف لأجلها المنقطع، وهي احتمال أن يكون الشخص (غير المذكور في السند) راويًا ضعيفًا لا يحقق شروط الصحة من العدالة والضبط، هي نفسها في حال كونه (مذكورًا بشكل مبهم).

 هل من أمثلة تبين الانقطاع؟

أمثلة الانقطاع كثيرة
** في الموطأ: عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فقال ...
هذا السند منقطع؛ لأن مالكًا لم يدرك ابن عمر، وهو يروي عنه بواسطة، وهي في كثير من أحاديثه نافع مولى ابن عمر، ولكنه هنا لم يذكر من الذي حدثه عن ابن عمر، فالسند فيه راو محذوف.
** في الأم للشافعي: قال الشافعي: بلغنا أن الزهري قال (ما ركب رسول الله ﷺ في عيد، ولا جنازة قط)
وهو سند منقطع؛ لأن الشافعي يروي عن الزهري بواسطة، فهو يروي عن ابن عيينة عن الزهري، وعن مالك عن الزهري، وغير ذلك، وهو هنا في هذا السند لم يذكر الواسطة بينه وبين الزهري، فالسند فيه راوٍ محذوف.
** وفي الأم للشافعي أيضًا: قال الربيع: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بعض أصحابنا عن ليث بن سعد عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله ....
وهو سند منقطع، فالشافعي يرويه عن الليث بواسطة (بعض أصحابه)، وهو وصف مبهم، لا يفيد في معرفة الواسطة التي يروي الشافعي الحديث من خلالها.
** روى عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال: قال رسول الله : (إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين...)
وهذا الإسناد، وإن كانت صورته الظاهرة صورة المتصل، إلا أنه منقطع في موضعين، إذ سنده الفعلي – كما بينته روايات أخرى – هو:
عبد الرزاق، عن (النعمان بن أبي شيبة) عن سفيان الثوري، (عن شريك)، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع عن حذيفة...
فسقط راويان في موضعين مختلفين من السند الأول.
** في موطأ مالك: قَالَ: يَحْيَى بَنُ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ: حَدَّثَنِي مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ، قَالَتْ: (إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  لَيُخَفِّفُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ أَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا)
وهو سند منقطع؛ لأن يحيى ابن سعيد لم يدرك عائشة، ولم يسمع منها، فهو يروي عنها بواسطة، وواسطته في كثير من الأحاديث هي عمرة بنت عبد الرحمن، أو القاسم بن محمد، وهو هنا روى عن عائشة ولم يذكر ممن سمع حديثها.
ملاحظة مهمة جدًّا
سبق ونبّهنا أن الحكم على سند ما بأنه ضعيف لا يقتضي بالضرورة أن يكون متن الحديث نفسه ضعيفًا، لأنه قد يكون واردًا من طرق أخرى بسند صحيح أو حسن.
ومثال ذلك في الأحاديث المذكورة أعلاه حديث عائشة في تخفيف ركعتي (سنّة) صلاة الفجر، فالسند الذي رواه به مالك (منقطع) كما أسلفنا؛ لأن يحيى بن سعيد لم يلق عائشة ولم يسمع منها، ومع ذلك فالحديث صحيح، إذ رواه مسلم في صحيحه (ح724) وغيره، من نفس طريق يحيى عن عائشة، ولكن ببيان ممن سمع يحيى الحديث، فقال الإمام مسلم:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَةَ تُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ  يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَيُخَفِّفُ، حَتَّى إِنِّي أَقُولُ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؟ "
فبيّنت رواية مسلم أن يحيى سمع الحديث من (محمد بن عبد الرحمن) الذي سمعه من (عمرة) التي سمعته من عائشة.

هل المقطوع هو نفس المنقطع؟

الحديث المقطوع في الاصطلاح غير المنقطع.
فالحديث المقطوع: هو ما أضيف إلى التابعي (أو من دونه) من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، ويمكن أن يقال عن المقطوع: موقوفٌ على فلان.
مثاله: قول مسروق بن الأجدع: كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلًا أن يعجب بعلمه.
فهذا من قول التابعي (مسروق بن الأجدع)، ويسمى حديثًا مقطوعًا.
والمقطوع قسيم المرفوع والموقوف، إذ هذه المصطلحات الثلاثة تبين أين ينتهي سند الحديث (يعني من هو قائل الكلام المروي فيه)، ففي المرفوع القائل هو النبي ، وفي الموقوف القائل هو الصحابي، وفي المقطوع القائل هو التابعي أو من هو دونه.

ما هو حكم الحديث المنقطع؟

الحديث المنقطع ضعيف؛ لفقده شرطًا من شروط القبول، وهو اتصال السند، وسبب ضعف المنقطع أن كون الراوي (المفقود من السند) مجهولًا غير مذكور أو معروف، يجعل هناك احتمالًا أن يكون راويًا ضعيفًا لا يحقق شروط الصحة من العدالة والضبط.

كيف يُعرف الحديث المنقطع؟

الانقطاع يشير إلى وجود (سقط) في السند، وهذا (السقط) قد يكون واضحًا بحيث تسهل معرفته على أهل العلم، ككون الراوي لم يدرك عصر من روى عنه، أو أدركه ولم يلقه فلم يجتمعا، وليست له منه إجازة، ولا وجادة.
ولأجل ذلك اعتنى علماء الرجال بعلم التاريخ (الخاص بعلم الحديث، وليس التاريخ بمعناه العام)، والذي يتضمن تحرير مواليد الرواة ووفياتهم، وأوقات طلبهم وارتحالهم، وكانوا يسألون من يروون عنه عن موعد ولادته عندما يروي عن أحد الشيوخ الذين تقدم موتهم، لمقارنة موعد ولادة الراوي بموعد وفاة الشيخ الذي يروي عنه، وقد افتضح محدثون كثيرون ادّعوا الرواية عن شيوخ ظهر بالتاريخ كذب دعواهم.
وهناك نوع آخر من الانقطاع، وهو الانقطاع الخفي، وهذا لا يدركه إلا أهل المعرفة التَّامَّة بالحديث، ويكون عندما يكون الراوي قد عاصر الشيخ الذي يروي عنه، ولقيه، بل وقد يكون قد سمع منه أحاديث، غير أن الحديث الذي فيه انقطاع ليس مما سمعه منه، وهذا يُعرف بمجيء الحديث من وجه آخر بزيادة رجل أو أكثر، مع قرائن أخرى يعرفها الجهابذة المختصون بهذا العلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...