2018/03/19

الأحاديث المردودة (الحلقة 14)


الأحاديث المردودة بسبب عدم الاتصال
تحدثنا في الحلقات السابقة عن الأحاديث المقبولة، أي التي تصلح للاحتجاج بها، وذكرنا أنها نوعان؛ الصحيح والحسن، وهما ينقسمان إلى صحيح وحسن لذاتهما، وصحيح وحسن لغيرهما، وأن وصف حديثين بأنهما صحيحين لا يعني بالضرورة أن لهما نفس المرتبة من الصحة، إذ مراتب الصحة متفاوتة.
وسنبدأ اليوم الحديث حول الأحاديث المردودة، والتي يندرج تحتها الأحاديث الضعيفة، والحديث الموضوع.

ما هي أسباب تضعيف الحديث؟

الحديث المقبول له شروط خمسة يجب أن تتوفر فيه ليكون مقبولًا، وهي: اتصال السند، وعدالة الرواة، وضبط الرواة، وسلامة الحديث من الشذوذ والعلة.
ومن المعلوم في الأصول أن الشرط يلزم من عدمه العدم، أي أنه إذا فُقِد الشرط، وهو هنا شرطُ القَبول، انتفى القَبول، فاستوجب الحديث الردّ.
ولذلك فإنه عندما يتم فقد أحد هذه الشروط الضرورية لقبول الحديث فإن الحديث يصبح غير مقبول، أي مردودًا.
وعليه فإن الحديث الضعيف عمومًا: هو الحديث الذي فقد أحد شروط الصحة.
ويكفي هنا فقد شرطٍ واحد من شروط الصحة، إذ الشروط كلها مطلوبٌ تحققها معًا للحكم على الحديث بالقَبول.
ولأجل ذلك تنقسم الأحاديث الضعيفة إلى أنواع عديدة، وذلك بحسب الشرط المفقود من شروط القبول في الحديث.
ففقد شرط (الاتصال) ينتج عنه أن الحديث يصبح ضعيفًا، وقد أطلق العلماء على الأحاديث الضعيفة نتيجة فقد هذا الشرط أسماءً تميز نوع الانقطاع فيها، ومن ذلك: المعلق، المرسل، المعضل، المنقطع، المدلس، المرسل الخفي.
وفقد شرط العدالة ينتج عنه أنواع من الحديث الضعيف، منها: الموضوع، المتروك، المنكر.
وينتج عن فقد شرط الضبط الحكم على الحديث الذي انفرد راويه غير الضابط به بأنه منكر، وفي حال خالف راويه الرواة الثقات قد تنتج عن هذه المخالفة أن يكون الحديث مدرجًا، أو مقلوبًا، أو مضطربًا، أو مُصَحَّفًا.
أما فقد أحد الشرطين الأخيرين، فينتج عنه الحديث الشاذّ، والحديث المعلل.

لماذا يُحكم على الحديث (غير المتصل) بأنه ضعيف؟

قلنا أن الحكم على الحديث بالصحة (أو الحُسن) يقتضي توفر الشروط الخمسة السابقة فيه.
وعندما يكون الحديث منقطعًا (أي غير متصل)، بمعنى أن هناك حلقة مفقودة في السند، فإننا لا يمكن أن نتحقق من وجود شرطي (العدالة) و(الضبط) في الراوي الموجود في الحلقة المفقودة، إذ قد يكون الراوي الساقط من السند ضعيفًا (غير ثقة، أو غير ضابط).
وهناك حالات مال بعض علماء الحديث إلى الحكم على الأحاديث الواردة فيها بالصحة رغم وجود انقطاع لأنه ترجح لديهم أن الراوي الساقط ذكره من السند ليس ضعيفًا، أو لوجود دلائل تقوي الحديث، وستأتي معنا بعض هذه الحالات، ولكننا سنضرب عليها مثلًا واحدًا هنا لتقريب الصورة، وهو مراسيل الصحابة.
فقد وردت كثير من الأحاديث يرويها صحابة كرام لم يشهدوا أحداثها، مثل ما يرويه ابن عباس رضي الله عنهما من أحاديث متعلقة بالفترة المكية، إذ كان (ابن عباس) عندما توفي الرسول  ابن (13) سنة، في الراجح من الأقوال، فهو قد وُلد قبل الهجرة بـ (3) سنين، ومع ذلك فقد أخذ العلماء كافة بما يرويه ابن عباس وغيره من صغار الصحابة، ذلك أن رواياتهم تلك كانت عن الصحابة الكبار، والصحابة عدول بمجموعهم، فلا يضرُّ سقوط اسم الصحابي الذي روي عنه الحديث مباشرة.

ما هي أنواع الضعف الناتجة عن فقد شرط (اتصال السند)؟

الأصل أن الحديث الذي فيه انقطاع ضعيف، بغضّ النظر عن مكان هذا الانقطاع، غير أن علماء الحديث أطلقوا أسماءً اصطلاحية على الأحاديث الضعيفة بسبب انقطاع السند يمكن من خلالها تمييز نوع الانقطاع أو مكانه.
والانقطاع في السند قد يكون في أوله أو آخره أو وسطه، وقد يكون بفقد (حلقة واحدة) من حلقاته أو أكثر، وقد يكون ظاهريًّا أو خفيًّا.
** فإذا كان الساقط من (السند) راوٍ واحد، أو اثنان أو أكثر، بشرط عدم التوالي، ولم يكن الساقط في أول السند أو آخره، فقد أطلقوا عليه اسم (الحديث المنقطع).
** وإذا سقط من إسناد الحديث راويان فأكثر على سبيل التوالي، يسمى (الحديث المعضَل).
** أما إن الساقط من الإسناد في آخره، وهو مَنْ بعد التابعي، فإن الحديث يسمى (حديثًا مرسَلًا).
** وإذا كان السَقَط في أول الإسناد، بأن حذف الراوي من مبدأ إسناده راويًا واحدًا أو أكثر على التوالي، فإن الحديث هنا هو (الحديث المعلّق).
** أما إن روى الراوي عمّن لقيه ما لم يسمع منه، موهمًا أنه سمعه منه، أو عمّن عاصره ولم يلقه موهمًا أنه قد لقيه وسمعه منه، فإن هذا هو (الحديث المدلّس).
** والقسم الثاني من الحديث المدلّس، وهو أن يروي الراوي عمن عاصره ولم يلقه، ما لم يسمع منه، بلفظ يحتمل السماع وغيره كـ قال، أطلق عليه علماء المصطلح اسما خاصًّا به، وهو (المرسل الخفيّ)
وهكذا نجد أن العلماء قد قسموا الأسانيد التي فيها انقطاع حسب نوع الانقطاع ومكانه إلى (6) أنواع، وهي: المنقطع، المعضل، المرسل، المعلق، المدلس، المرسل الخفي.

وسنقوم في الحلقات القادمة – بمشيئة المولى سبحانه – بالتعريف بكل نوع من هذه الأنواع على حدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...