الحديث الصحيح
تحدثنا
سابقًا أن الأحاديث – عند المحدثين – تنقسم إلى:
** أحاديث مقبولة، وهي التي يغلب على الظنّ أن الرسول ص قالها، وهي نوعان؛ الحديث الصحيح، والحديث
الحسن.
** وأحاديث مردودة، وهي التي يغلب على الظن أن الرسول ص لم يقلها، وهي الأحاديث الضعيفة
بأنواعها.
وحديثنا
اليوم عن الحديث الصحيح.
ما هو الحديث الصحيح؟
أصل الفعل
(صَحّ) يدلُّ على البراءةِ من المرضِ والعيبِ، والصِحَّةُ: هي ذهابُ السَّقَم،
والبَراءةُ من كل عَيْب ورَيْب.
ويقال: صحَّ
الخبرُ؛ بمعنى (ثَبَتَ).
أما في
الاصطلاح فقد عرّف علماء المصطلح الحديث الصحيح بأنه:
(ما اتصل
سنده بنقل العدل الضابط، عن مثله إلى منتهاه، من غير شذوذ، ولا علة).
وهذا
التعريف يتضمن الشروط اللازم توفرها في الحديث ليُحكم عليه بالصحة، وهي:
(1) اتصال السند.
(2) عدالة الرواة، أي اتصاف كلّ واحدٍ منهم بأنه: مسلم،
بالغ، عاقل، غير فاسق، ولا مخروم المروءة.
(3) ضبط الرواة، وذلك إما ضبط صدر، أو ضبط كتاب.
(4) عدم الشذوذ، والشذوذ: هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.
(5) عدم العلة، والعلة: سبب غامض خفي، يقدح في صحة الحديث،
مع أن الظاهر السلامة منه.
هل الحكم بصحة الحديث يفيد
القطع بما فيه؟
الحكم
بالصحة والضعف على الحديث حكمٌ بالظاهر، فقولنا: "هذا حديث صحيح" يعني
أن الشروط الخمسة السابقة قد تحققت فيه، لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر، لجواز
الخطأ والنسيان على الثقة.
ومثل ذلك قولنا:
"هذا حديث غير صحيح"، فإنه يعني أنه لم تتحقق فيه شروط الصحة الخمسة
السابقة كلها أو بعضها، لا أنه كذبٌ في نفس الأمر؛ لجواز إصابة من هو كثير الخطأ.
وهناك خلاف
بين العلماء في نوع من الأحاديث الصحيحة، وهو خبر الآحاد الصحيح الذي احتفّت به
قرائن تقويه، فقد ذهب بعضهم إلى أن هذه القرائن تصل به إلى مرحلة يفيد بها العلم
القطعي اليقيني، وقال آخرون أنه حتى لو احتفّت به تلك القرائن المقوّية له فلا يصل
إلى مرتبة القطع واليقين ما لم يكن متواترًا، وهذا المبحث من مباحث علم الأصول،
وليس من مباحث علم مصطلح الحديث، وإنما ذكرناه استطرادًا.
ما المقصود بشرط (اتصال
السند) لصحة الحديث؟
كنا قد
ذكرنا أن السند هو: سلسلة الرجال الموصلة للمتن.
ومعنى
اتصال السند هو أن يتلقاه كل راو في السند من الذي فوقه فيه مباشرة.
وسبب
اشتراط هذا الشرط أنّ الحديث حتى يكون صحيحًا لا بدّ أن يتصف هؤلاء الرجال الذين
نقلوه لنا بصفتين ضروريتين للأخذ بما ينقلونه، وهما:
** صفة العدالة، وهي مَلَكَةٌ تحمل صاحبها على الاستقامة في
الأقوال والأفعال، وبهذه نضمن عدم تعمده الكذب في الحديث.
** صفة الضبط، وهي أن يسلم الراوي من الغلط الفاحش، وسوء
الحفظ، والغفلة، وكثرة الأوهام، ومخالفة الثقات.
وهنا لو
افترضنا أن السند فيه انقطاع، أي أن هناك حلقة – أو حلقات – مفقودة في السند، فإن
الراوي الذي لا نعرفه قد يكون غير متّصفٍ بهاتين الصفتين، فقد يكون ضعيفًا (غير عَدْلٍ،
أو غير ضابط).
وبوجود هذا
الاحتمال لا يمكن الحكم على الحديث بالصحة.
هل هناك استثناءات بالنسبة
لهذا الشرط؟
قلنا أن
سبب اشتراط هذا الاتصال هو ضرورة معرفتنا باتصاف الراوي غير المذكور في السند
بصفتي العدالة والضبط، وهناك بعض الحالات التي صحح فيها بعض العلماء الحديث رغم
وجود انقطاع فيه، وسبب تصحيحهم إياه أنه يغلب على الظن توفر هاتين الصفتين في
الراوي غير المذكور.
ومن أمثلة
ذلك:
** جهالة الصحابي، وهي تَرِدُ
بصورتين:
الأولى
منهما أن لا يذكر الراوي اسم الصحابي، وإنما يذكر صفة له، كأن يقول التابعي الذي
نعلم ضبطه وعدالته: حدثني أحد أصحاب رسول الله ص بكذا وكذا.
والثانية
هي ما يسمونه مراسيل الصحابة، وهي الأحاديث التي يرويها الصحابة دون أن يكونوا قد
سمعوها من الرسول ص، ومن
ذلك أكثر الروايات الواردة عن ابن عباس، إذ أن سنّه عندما توفي الرسول ص كان نحو (13) عامًا، والأحاديث التي يرويها
لم يسمع كثيرًا منها من الرسول ص – وفيها روايات عن أحداث حدثت
قبل مولده – بل سمعها من غيره من الصحابة.
وأكثر أهل
العلم يحتجون بمراسيل الصحابة، فلا يرونها ضعيفة، لأن الصحابي الذي يروي حديثًا لم
يتيسر له سماعه بنفسه مِنْ رَسُولِ اللهِ ص غالبًا ما تكون روايته عن صحابي آخر قد تحقق
أَخْذُهُ عَنْ الرَّسُولِ ص، فسقوط الصحابي الآخر من السند لا يضر كما أن جهل حاله لا يضعف الحديث، لأن
الجهالة بالصحابي غير قادحة، إذ الصحابة كلهم عدول.
** وصف المجهول بأنه ثقة
الحالة السابقة،
المتعلقة بكون المجهول صحابيًّا، صحح أكثر العلماء الأحاديث الواردة بها رغم
الجهالة، لعدالة الصحابة.
أما هذه
الحالة فالجمهور على عدم الحكم بصحة الحديث، وإن كان هناك علماء قد قالوا بتصحيحه.
وصورة هذه
المسألة أن يقول الراوي المعتمد على جرحه وتعديله: حدثني الثقة، أو حدثني من لا
أتّهم.
فقد ذهب
الجمهور إلى أن التعديل على الإبهام من غير تسمية المعدَّل لا يجزئ؛ لأنه قد يكون
ثقة عنده، مجروحٌ عند غيره.
وقد ذهب
البعض من العلماء إلى تصحيح مثل هذا الحديث رغم الجهالة، اعتمادًا على أنه لو ذكر
الراوي عنه اسمه، ووصفه بالعدالة، فإن كلامه يعتمد.
ما تأثير انقطاع السند
(عدم اتصاله) على الحديث؟
حكم
العلماء على الأحاديث (المنقطعة) التي لم تتصل أسانيدها بالضعف، وقد أطلقوا عليها
أسماء تميز نوع الانقطاع فيها، ومن ذلك: المعلّق، المرسل، المعضل، المنقطع، المدلس،
المرسل الخفي.
وقد تتفاوت
مراتب الضعف في هذه الأحاديث، فليست كلها بنفس المستوى من الضعف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق