2018/03/17

الحديث المتواتر (الحلقة 4)


الحديث المتواتر


ما هي أقسام الخبر بالنسبة لوصوله إلينا؟

ينقسم الخبر باعتبار طرق وصوله إلينا إلى قسمين رئيسين:
  • المتواتر
  • الآحاد

وينقسم حديث الآحاد إلى (3) أقسام، وهي:
  • المشهور
  • العزيز
  • الغريب


ما هو تعريف الحديث المتواتر؟



التواتر في اللغة هو التتابع.
أما في الاصطلاح فقد عرفه بعض علماء المصطلح بأنه (ما رواه عدد كثير، تُحِيل العادة تواطُؤَهم على الكذب)
وهو تعريف فيه قصور، وأشمل منه تعريفه بأنه (ما رواه جماعة يستحيل في العادة أن يتواطؤوا على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس).
ويمكن القول بأن الحديث المتواتر هو ما كانت له طرق (أي أسانيد كثيرة)، وتكون كثرتها بحيث تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، وذلك من بدايته إلى نهايته، ويكون مستند انتهائه الأمر المشاهد أو المسموع.
وعليه فالشروط الواجب توافرها في الحديث حتى يكون متواترًا أربعة، وهي:
  1. أن يرويه عدد كثير
  2. وأن يكون هذا العدد في كل طبقات السند، من الابتداء إلى الانتهاء، فإذا نقص ولو في طبقة واحدة انتفى التواتر.
  3. أن تحيل العادة تواطؤهم، أو توافقهم، على الكذب.
  4. أن يكون مستند انتهائهم الحس.

هل يشترط عددٌ معين للحكم على الحديث بأنه متواتر؟

اختلف العلماء هل هناك عدد محدد لا يتحقق التواتر فيما دونه، فقال بعضهم أن أقل عدد لتحقق التواتر هو (4)، وقيل (5)، و(7) و(10) و(12) و(40)، و(70)، وقيل غير ذلك.
والذي حققه ابن حجر أن الطرق التي تفيد للتواتر ليست محصورة بعددٍ معين، وإنما يشترط فيها أن تكون كثرةً يستحيل تواطؤهم أو اتفاقهم على الكذب.
ولبيان ذلك فقد ترد الرواية عن عدد كبير  ولكنهم يمكن أن يكونوا متفقين على الكذب فيه، بينما ترد رواية أخرى عن عدد أقل والعادة تشير إلى استحالة اتفاقهم على الكذب.
ولنضرب مثالًا على ذلك من واقع الحياة الجامعية:

أنت طالب جامعي، ولديك عددٌ كبير من الأصدقاء على (الفيسبوك)، فتحت صفحتك فوجدت أنّ عددًا من أصدقائك من نفس جامعتك (ولنقل أنهم 3) نقلوا على صفحاتهم أن الدوام معلق ذلك اليوم لإضراب العاملين في الجامعات، وكلهم ذكروا أنهم قرأوا ذلك في الموقع الرسمي لنقابة العاملين في الجامعات، ثم وجدت أصدقاء آخرين لك من جامعات أخرى (ولنقل أن عددهم 7) نقلوا أيضًا نفس الخبر، وهم من جامعات مختلفة، وفيهم طلاب من تخصصات شتى، وأنت تعلم أنه ليس بينهم علاقات سابقة.
في هذه الحال لا بدّ لك أن تجد في نفسك اطمئنانًا لصحة الخبر، لأنه يستحيل في العادة أن يتفق مثل هؤلاء وهم متباينون لا علاقة بينهم على خبر واحد يختلقونه كلهم.

وفي حالة أخرى، أنت نفسك لديك محاضرة في الجامعة، وعندما دخلت ساحة الجامعة وجدت عددًا من زملائك (عددهم 10، وهو نفس العدد في المثال السابق) واقفون في الساحة، فسألتهم: لمَ لمْ تذهبوا للمحاضرة، فأخبروك أن مدرس المادة غائب.
فلنفترض أن هؤلاء الزملاء العشرة كانوا من الذين لا يتورعون عن الكذب، و(سحب الأفلام) على زملائهم، فالسؤال المطروح: هل يستحيل أن يكون هؤلاء قد اتفقوا وتواطؤوا على الكذب وادعاء غياب المدرس؟؟
لاحظ هنا، أن العدد هو نفس العدد في المثال السابق، ومن الواضح أن العادة لا تحيل اتفاق مثل هؤلاء على الكذب، وبالتالي فروايتهم ليست متواترة، أي أنها لا تفيد العلم اليقيني الذي يطمئن له القلب اطمئنانًا تامًّا.
أما إن كانوا من المعروفين بالورع والتقوى، فقد تصل روايتهم إلى مرتبة التواتر أو إلى مرتبة قريبة منها.
وهنا وجود احتمال – ولو كان ضئيلًا – لأن يكونوا اتفقوا على الكذب لا يعني أن خبرهم هذا لا يفيد نوعًا من العلم، بل هو يفيد، وتتفاوت مرتبة العلم (التصديق) المستفاد من خبر هؤلاء بتفاوت مستوى الورع عندهم.
وبينما يكون يقينك في المثال الأول بأن الدوام معلّق ذلك اليوم هو (100%)، فإن تصديقك في المثال الثاني قد يكون (99%) أو أقل، ولكنه يبقى دون مرتبة اليقين، لوجود احتمال التواطئ على الكذب.

ما المقصود بأن يكون مستند انتهائهم الحس؟

يشترط في اعتبار الرواية متواترة أن يكون الخبر الذي فيها قد تمّ إدراكه بـ (الحس)، أي بإحدى الحواس الخمس، فيقول الراوي فيه: سمعت أو رأيت أو لمست.
ذلك أن الجماعة المستحيل تواطؤهم على الكذب قد ينقلون خبرًا مستنده الظن، كما لو اتفق عشرات من المحللين السياسيين على تحليل حدث معين بناء على مشاهداتهم ودراستهم، فالخبر المنقول عنهم مستنده الظنّ، لأنهم لم يروا أو يسمعوا ما يخبرون عنه، وإنما استنتجوه بعقولهم، فمثل هذا الخبر لا يكون متواترًا، أي لا يفيد العلم اليقيني، لأن مستنده ليس الحس.

ما هو نوع العلم الذي يفيده الحديث المتواتر؟

الحديث المتواتر (أو الرواية المتواترة في غير الحديث) يفيد العلم القطعي (اليقيني) الضروري.
وقد سبق وذكرنا في مراتب العلم أن أعلى مراتبه هي (اليقين)، وهي المرتبة التي يكون تصديقك بالخبر فيها لا يداخله أي شك، أي أنك مصدّق بالخبر (100%).
وهذا العلم القطعي (اليقين) نوعان:
  • علم قطعي ضروري، وهو العلم الذي لا يحتاج إلى بحث ولا إلى تتبع، وهو يحصل لكل سامع، ويفيد العلم بلا استدلال.
  • علم قطعي نظري، وهو الذي يتوقف التوصل إليه على البحث والنظر، وهذا لا يحصل إلا لمن فيه أهلية النظر (البحث)، فيتوصلون بالبحث والنظر والاستدلال للعلم القطعي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بعد انحسار العاصفة

الآن وقد هدأت عاصفة الجدل حول الماراثون (المختلط) الذي نظمته جمعية تنظيم وحماية الأسرة في الخليل، ذلك الماراثون الذي استفز أهل هذه المدين...