بين الله تعالى لنا في الآية التي فرض فيها علينا الصيام السبب الذي من أجله فُرضَ الصيام على الأمة، ألا وهو تحقيق التقوى فقال تعالى[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] [البقرة 183].
وكلمة "لعل" قال العلماء فيها أنها تكون ترجيًا وتكون بمعنى "كي"، وقيل هي كلمة ترجيةٍ وتطميع أي كونوا على رجاء وطمع أن تتقوا بعبادتكم عقوبة الله تعالى أن تحل بكم.
إذًا فالمقصود من الصيام تحقيق التقوى، وحتى نحققها فلا بد من أن نعرف: ما معنى التقوى؟ وكيف نتحقق بها؟ وكيف يساعدنا الصيام على التحقق بها؟
معنى التقوى
كلمة التقوى مشتقة من الوقاية، ونحن نعلم أن معنى الوقاية هو أن تتخذ الإجراءات التي تجعل بينك وبين ما تخافه حاجزاً يمنع من وصول أذاه لك، فقد جاء في لسان العرب في مادة "وقي" :وَقَيْتُ الشيء أَقِيه إذا صُنْتَه وسَتَرْتَه عن الأَذى، ووقاه ما يَكْرَه ووقَّاه: حَماهُ منه.
فالأولاد الصغار يعطون الطعم لوقايتهم من الأمراض، والجنود يلبسون الدروع الواقية لوقايتهم من أسلحة أعدائهم، وعندما يقال "اتق دعوة المظلوم" فالمفهوم هو أن لا تظلم أحدًا حتى لا يكون هناك مظلوم يدعو عليك، وبذلك تحمي نفسك من دعوة المظلوم.
هذا المعنى هو الذي وضحه أبو هريرة رضي الله عنه عندما سأله رجل: ما التقوى؟
فقال: أخذتَ طريقا ذا شوك؟
قال: نعم.
قال: كيف صنعت؟
قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه.
قال: ذاك التقوى.
والمعنى أن السائر في دروب الحياة يسير في طريق مليئة بالأشواك والحفر والمطبات، فالذي يريد أن يسلم خلال سيره عليه أن يكون كالسائر في أرض مليئة بالشوك والحسك، يشمر عن ثيابه، ويجتهد ليبتعد عن كل ما يمكن أن يؤذيه.
فالتقوى إذا هي أن نقوم بالإجراءات اللازمة لنتقي غضب الله وعذابه، ويكون ذلك بأمرين سلبي وإيجابي.
أما السلبي فهو في ترك ما نهى الله عنه واجتناب المعاصي.
وأما الإيجابي فيكون في أداء ما افترضه الله تعالى على العبد من واجبات ومندوبات.
وهذا هو جواب السؤال : كيف نتحقق بالتقوى؟
وقد سئل علي رضي الله عنه عن التقوى فقال للسائل أنها : الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل
وكلامه هذا رضي الله عنه هو في تعريفنا كيفية التحقق بالتقوى، ونقطة البداية تكون في "الخوف" لأنه الدافع الأساس للابتعاد عن كل ما يُغضب من تخافه، والله تعالى وصف عباده المتقين في سورة [الأنبياء] بقوله ( الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون) ، وقرر في سورة [فاطر18] أن الذين يستجيبون للإنذار هم هؤلاء فقال تعالى ( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة) ، وهؤلاء هم الذين يتأثرون بالقرآن فقد وصفهم في سورة [الزمر २३] بقوله ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) ، ووعدهم بالمغفرة في [سورة الملك 12] فقال ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير).
وهذا الخوف وهذه الخشية يفترض بهما أن تدفعا الذي يخشى الله ليعمل بالتنزيل أي يطبق أوامر الله التي جاءت في كتابه، سواء كانت أوامر بالترك للمعاصي أو بالفعل للأوامر والمندوبات.
ومن لوازم التقوى حسب وصف علي رضي"الرضا بالقليل" لأن التقلل من الدنيا من أكثر ما يساعد على اجتناب الوقوع في المعصية، وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى ابن عمر رضي الله عنهما بقوله " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" ، وعابر السبيل يجب أن يكون متقللاً من الأحمال ليسهل عليه السفر.
أما كيف يساعد الصيام على التحقق بالتقوى؟
فالصيام معسكر تدريبي سنوي، يدخله المؤمن ليتدرب على تقوية إرادته، فهو ممنوع خلاله من إشباع شهواته في أوقات معينة، وقد جعل الله هذه الأشياء الممنوعة عليه من النوع الذي يمكن فيه عدم الامتناع والمرء بعيد عن أعين الناس، إذ كثيرون قد يمتنعون عن إتيان المنهيات ليس لقناعتهم أو قوة إرادتهم وإنما لخوفهم من الناس وكلامهم، ورغبتهم في تحصيل الثناء، فيكون الدافع عندهم شيئاً غير "الخوف من الله والرغبة في طاعته"، ولذلك جعل الله تعالى المنهيات في الصيام أموراً يستطيع المرء القيام بها بعيدًا عن أعين الناس دون أن ينتبهوا إليه، فيمكنه أن يأكل ويشرب ويأتي شهوته ويُريَ الناس خلاف ذلك، ولذلك جعل الله تعالى الصيام خاصًا له، وهو الذي يجزي به، لأنه أمر بين العبد وربه، لا يتدخل فيه أحد، ولا يمكن لأحد معرفة حقيقة أداء الآخر له من عدمها.
هذا الامتناع عن الشهوات بمحض إرادة الإنسان هو الذي يساعده لتدريب إرادته على الامتناع عن المعاصي والشهوات في غير رمضان.
إن المسلم إذا عود نفسه على الصيام، وجاهدها لتمتنع عن شهواتها، فامتنع عن الطعام والشراب والجوع يقرصه، وحر الصيف يحرقه، فإن أول ما يجب أن يدركه هو أن لديه القدرة على مقاومة بقية الشهوات، ومشكلتنا أن كثيرًا من الناس لا يحاولون الامتناع عما هم فيه من معاصٍ أو عادات سيئة، وإذا فكروا أو نبههم أحد إلى ضرورة الامتناع عن ذلك كان الجواب الحاضر الذي يوسوس لهم به الشيطان أن ذلك خارج قدرتك واستطاعتك، فالشيطان بوسوسته يحاول زعزعة ثقة المرء بنفسه، بإقناعه بعدم قدرته على تغيير عاداته، ويأتي رمضان في مثل هذه الأيام والحرارة لاهبة، والنفس تتعطش لشرب رشفة من الماء، ويكون الواحد منا خاليًا ليس معه من البشر أحد، والماء البارد في متناول يده، ومع ذلك يمتنع عن شربه خوفًا من الله والتزامًا بما أمر الله به.
إن هذه التجربة رسالة يريدها الله ويريد منا أن نعزز ثقتنا بأنفسنا وأن ندرك أن الذي يستطيع ذلك في رمضان يستطيع الامتناع عن اتباع شهواته والصبر على ذلك، فقوة إرادة الإنسان غريبة، ولكنها بحاجة إلى اكتشاف.
فلننظر إلى رمضان على أنه معسكر تدريبي، ولنعزز ثقتنا بأنفسنا، وأنا واثق بمشيئة الله أننا سنستطيع اكتشاف ما نتمتع به من قوة إرادة تعيننا بتوفيق الله على مقاومة شهواتنا وكبح أنفسنا عن اتباع معاصينا.
اللهم أعنا على ذلك وتقبل منا صيامنا وقيامنا، واجعل ذلك خالصًا في سبيلك.
وكلمة "لعل" قال العلماء فيها أنها تكون ترجيًا وتكون بمعنى "كي"، وقيل هي كلمة ترجيةٍ وتطميع أي كونوا على رجاء وطمع أن تتقوا بعبادتكم عقوبة الله تعالى أن تحل بكم.
إذًا فالمقصود من الصيام تحقيق التقوى، وحتى نحققها فلا بد من أن نعرف: ما معنى التقوى؟ وكيف نتحقق بها؟ وكيف يساعدنا الصيام على التحقق بها؟
معنى التقوى
كلمة التقوى مشتقة من الوقاية، ونحن نعلم أن معنى الوقاية هو أن تتخذ الإجراءات التي تجعل بينك وبين ما تخافه حاجزاً يمنع من وصول أذاه لك، فقد جاء في لسان العرب في مادة "وقي" :وَقَيْتُ الشيء أَقِيه إذا صُنْتَه وسَتَرْتَه عن الأَذى، ووقاه ما يَكْرَه ووقَّاه: حَماهُ منه.
فالأولاد الصغار يعطون الطعم لوقايتهم من الأمراض، والجنود يلبسون الدروع الواقية لوقايتهم من أسلحة أعدائهم، وعندما يقال "اتق دعوة المظلوم" فالمفهوم هو أن لا تظلم أحدًا حتى لا يكون هناك مظلوم يدعو عليك، وبذلك تحمي نفسك من دعوة المظلوم.
هذا المعنى هو الذي وضحه أبو هريرة رضي الله عنه عندما سأله رجل: ما التقوى؟
فقال: أخذتَ طريقا ذا شوك؟
قال: نعم.
قال: كيف صنعت؟
قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه.
قال: ذاك التقوى.
والمعنى أن السائر في دروب الحياة يسير في طريق مليئة بالأشواك والحفر والمطبات، فالذي يريد أن يسلم خلال سيره عليه أن يكون كالسائر في أرض مليئة بالشوك والحسك، يشمر عن ثيابه، ويجتهد ليبتعد عن كل ما يمكن أن يؤذيه.
فالتقوى إذا هي أن نقوم بالإجراءات اللازمة لنتقي غضب الله وعذابه، ويكون ذلك بأمرين سلبي وإيجابي.
أما السلبي فهو في ترك ما نهى الله عنه واجتناب المعاصي.
وأما الإيجابي فيكون في أداء ما افترضه الله تعالى على العبد من واجبات ومندوبات.
وهذا هو جواب السؤال : كيف نتحقق بالتقوى؟
وقد سئل علي رضي الله عنه عن التقوى فقال للسائل أنها : الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل
وكلامه هذا رضي الله عنه هو في تعريفنا كيفية التحقق بالتقوى، ونقطة البداية تكون في "الخوف" لأنه الدافع الأساس للابتعاد عن كل ما يُغضب من تخافه، والله تعالى وصف عباده المتقين في سورة [الأنبياء] بقوله ( الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون) ، وقرر في سورة [فاطر18] أن الذين يستجيبون للإنذار هم هؤلاء فقال تعالى ( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة) ، وهؤلاء هم الذين يتأثرون بالقرآن فقد وصفهم في سورة [الزمر २३] بقوله ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) ، ووعدهم بالمغفرة في [سورة الملك 12] فقال ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير).
وهذا الخوف وهذه الخشية يفترض بهما أن تدفعا الذي يخشى الله ليعمل بالتنزيل أي يطبق أوامر الله التي جاءت في كتابه، سواء كانت أوامر بالترك للمعاصي أو بالفعل للأوامر والمندوبات.
ومن لوازم التقوى حسب وصف علي رضي"الرضا بالقليل" لأن التقلل من الدنيا من أكثر ما يساعد على اجتناب الوقوع في المعصية، وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى ابن عمر رضي الله عنهما بقوله " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" ، وعابر السبيل يجب أن يكون متقللاً من الأحمال ليسهل عليه السفر.
أما كيف يساعد الصيام على التحقق بالتقوى؟
فالصيام معسكر تدريبي سنوي، يدخله المؤمن ليتدرب على تقوية إرادته، فهو ممنوع خلاله من إشباع شهواته في أوقات معينة، وقد جعل الله هذه الأشياء الممنوعة عليه من النوع الذي يمكن فيه عدم الامتناع والمرء بعيد عن أعين الناس، إذ كثيرون قد يمتنعون عن إتيان المنهيات ليس لقناعتهم أو قوة إرادتهم وإنما لخوفهم من الناس وكلامهم، ورغبتهم في تحصيل الثناء، فيكون الدافع عندهم شيئاً غير "الخوف من الله والرغبة في طاعته"، ولذلك جعل الله تعالى المنهيات في الصيام أموراً يستطيع المرء القيام بها بعيدًا عن أعين الناس دون أن ينتبهوا إليه، فيمكنه أن يأكل ويشرب ويأتي شهوته ويُريَ الناس خلاف ذلك، ولذلك جعل الله تعالى الصيام خاصًا له، وهو الذي يجزي به، لأنه أمر بين العبد وربه، لا يتدخل فيه أحد، ولا يمكن لأحد معرفة حقيقة أداء الآخر له من عدمها.
هذا الامتناع عن الشهوات بمحض إرادة الإنسان هو الذي يساعده لتدريب إرادته على الامتناع عن المعاصي والشهوات في غير رمضان.
إن المسلم إذا عود نفسه على الصيام، وجاهدها لتمتنع عن شهواتها، فامتنع عن الطعام والشراب والجوع يقرصه، وحر الصيف يحرقه، فإن أول ما يجب أن يدركه هو أن لديه القدرة على مقاومة بقية الشهوات، ومشكلتنا أن كثيرًا من الناس لا يحاولون الامتناع عما هم فيه من معاصٍ أو عادات سيئة، وإذا فكروا أو نبههم أحد إلى ضرورة الامتناع عن ذلك كان الجواب الحاضر الذي يوسوس لهم به الشيطان أن ذلك خارج قدرتك واستطاعتك، فالشيطان بوسوسته يحاول زعزعة ثقة المرء بنفسه، بإقناعه بعدم قدرته على تغيير عاداته، ويأتي رمضان في مثل هذه الأيام والحرارة لاهبة، والنفس تتعطش لشرب رشفة من الماء، ويكون الواحد منا خاليًا ليس معه من البشر أحد، والماء البارد في متناول يده، ومع ذلك يمتنع عن شربه خوفًا من الله والتزامًا بما أمر الله به.
إن هذه التجربة رسالة يريدها الله ويريد منا أن نعزز ثقتنا بأنفسنا وأن ندرك أن الذي يستطيع ذلك في رمضان يستطيع الامتناع عن اتباع شهواته والصبر على ذلك، فقوة إرادة الإنسان غريبة، ولكنها بحاجة إلى اكتشاف.
فلننظر إلى رمضان على أنه معسكر تدريبي، ولنعزز ثقتنا بأنفسنا، وأنا واثق بمشيئة الله أننا سنستطيع اكتشاف ما نتمتع به من قوة إرادة تعيننا بتوفيق الله على مقاومة شهواتنا وكبح أنفسنا عن اتباع معاصينا.
اللهم أعنا على ذلك وتقبل منا صيامنا وقيامنا، واجعل ذلك خالصًا في سبيلك.
اللهم اجعلنا من المتقين
ردحذفبارك الله فيك