وطنوا أنفسكم ..... المصالحة بعيدة
كنت مترددًا قبل أن أنشر هذا المقال، لأن حديثي عن توقعاتي للمصالحة قد يفهمه البعض على أننا لا نريدها، بينما الحقيقة التي لا شك فيها أن كل أبناء الحركة الإسلامية يرغبون في تحقيق المصالحة، ويريدون ذلك بشدة، لأنهم يدركون أن الوحدة من عوامل القوة اللازمة لتحقيق أهدافنا ورؤانا، ولكننا نريدها مصالحة مبنية على أسس سليمة كي لا ندخل في دوامات الماضي، ونعود مرة أخرى من نقطة الصفر.
إن رؤيتنا للمصالحة وأهميتها تنطلق من مبدأ وعقيدة، وليست تكتيكاً مرحليًّا كما يتوهم البعض، فنحن نؤمن أن أجواء الحرية والانفتاح هي التي تحقق مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته، وأن المستفيد الأول من الانقسام الحاصل هو الاحتلال وأذنابه، ورؤيتنا للمصالحة تأتي في سياق رؤيتنا لضرورة أن تتوحد كل جهود أبناء هذا الشعب ومن ورائهم جهود أمتهم الإسلامية لتحرير فلسطين كل فلسطين.
أقول هذا قبل البدء في الموضوع لئلا يتقوَّل البعض علينا ويتهمنا بأننا لا نريد المصالحة، بناء على إساءة فهم لما سيأتي من كلام.
والموضوع الذي سأتحدث فيه ليس جديدًا، فالحديث عن المصالحة يظهر ويخبو كل فترة منذ أن حدث ذلك الانقسام المشؤوم الذي فرض علينا فرضًا، وفي مرات عديدة عندما كان يطرح ملف المصالحة كنت وعددًا من إخواني خلف القضبان في سجون الاحتلال، وكان لدينا رأيان في التعاطي مع هذا الحدث:
أحدهما كان يرى أننا يجب أن ننشر الأمل في نفوس قواعدنا، وذلك حتى لا يصابوا بالإحباط.
والآخر كان أننا يجب أن نكون واضحين وموضوعيين في تحليلنا، حتى لو أدى ذلك إلى صدمة بين أوساط الشباب.
وقد كنت من أنصار الرأي الثاني، ولا أذيع سرًّا إن قلت أننا كنا الأقلية.
نعود للموضوع، منذ سنوات كلما كان يطرح موضوع المصالحة، ويتم تناقل الأخبار، كان يسود جوٌّ من التفاؤل بين أبناء شعبنا عمومًا، وبين أبناء الحركة الإسلامية على وجه الخصوص، ولكن هل هذا التفاؤل مبني على أساس سليم، أم أنه يتم استنادًا إلى الموروث الشعبي "تفاءلوا بالخير تجدوه".
بالنسبة لي شخصيًّا أعتبر نفسي إنسانًا متفائلاً، وذلك نابع من إيماني بأن الله سيحقق لنا وعده، ومن فهمي لطبيعة الصراع بين الحق والباطل، وأنه يمر بفترات التمحيص والشدة، ثم لا بد أن تكون النهاية مشرقة، ولكني لم أكن متفائلاً بقرب تحقيق المصالحة عندما كان يطرح موضوعها في الفترات السابقة، وذلك بناءً على معطيات موضوعية كنت أراها، وللأسف فإنني لا أزال أراها هذه الأيام، والتصريحات التي تصدر عن عباس والناطقين باسم السلطة وفتح هذه الأيام تؤكد للأسف ترجيح عدم التفاؤل.
وبدون الخوض الكثير في التفاصيل، لأن الكلام فيها يطول، فأنا أرى أن القوى المتنفذة في فتح وفي سلطة رام الله لا تريد المصالحة، وذلك لعدة أسباب منها:
1. أن المصالحة تتعارض مع مصالح هذه القوى، فالمصالحة تتطلب أن تكون هناك شراكة في العمل السياسي، وهم لا يريدون الشراكة لأنهم يعتبرون السلطة مغنمًا يخافون أن يقاسمهم الآخرون فيه، فنظرتهم للسلطة أنها مكان للكسب على شتى المستويات وليست موقعًا للجهاد والنضال لتحصيل الحقوق قد يتطلب من الموجود فيه دفع ثمن مواقفه، وهم تعودوا على القبض لا على الدفع.
2. المصالحة تستوجب إعادة بناء الأجهزة الأمنية على عقيدة غير عقيدة التنسيق مع العدو، وتنفيذ أوامره، وهؤلاء بلغ من انحدارهم أنهم أصبحوا مؤمنين بتعاونهم مع العدو، ويفتخرون بذلك.
3. المصالحة ستؤدي ولا بدّ لفقدان عدد من المتنفذين مواقعهم إما لفسادهم أو خيانتهم أو جرائمهم بحق أبناء شعبهم، وهؤلاء هم الذين يحكمون ويرسمون هذه الأيام، وهم الذين بأيديهم الحل والربط.
4. المصالحة تحتاج أحد أمرين: رجالاً يتمتعون بالجرأة لقول "لا" لأمريكا وإسرائيل، وهؤلاء لم يبق منهم في الصف المقابل أحد، فالباقون إما جبناء أو مستفيدون من هذا الموقف الانبطاحي، أو أن تتهيأ لها أجواء دولية، تجعل القوى المتنفذة والمتحكمة في قرار السلطة وفتح تسمح لها بالمضي في طريق المصالحة.
لا أريد أن أخوض أكثر في الأسباب، ولكنني مع ذلك مؤمن أن كل هذه العوامل قابلة للتغيير، وذلك لأنه لا يزال يوجد في أبناء فتح – هكذا أظن – قلة ليست راضية عما يحصل، وهذه القلة ليس بيدها الأمر والنهي هذه الأيام، ولا بد أن يتحركوا ليستعيدوا ما سُرق منهم من تاريخ حركتهم، وعندما يحصل ذلك، وينضج هؤلاء، ويصبحون مستعدين لتولي زمام الأمور، يمكن أن نصل وإياهم إلى مصالحة مستندة إلى الحفاظ على الثوابت وعدم التفريط فيها، وحتى يحدث ذلك فلا أرى أنه يمكن أن تتحقق المصالحة التي نريد.
لماذا أقول ذلك مع علمي أن البعض سيتهمني بأنني أنشر التشاؤم بين أوساط شبابنا وقواعدنا؟؟
أقول ذلك لإيماني أن شبابنا واعون، وأن من حقهم علينا أن نصارحهم، ولأن تعاملنا مع الواقع الذي نعيش ناتج عن فهمنا له وتصورنا لحقيقته، فإذا كنا نتوقع المصالحة بين حين وآخر، سنبقى نحلم بها ونبقى قاعدين في بيوتنا انتظارًا لهذا القادم الذي لن يجيء قريبًا.
أما إذا أدركنا أن الواقع الذي نعيشه هو ما هو عليه، وأنه لا يظهر في الأفق القريب، ولاحظوا أنني أتحدث عن الفترة القريبة ولا أدعوا للتشاؤم الكلي، أقول لا يظهر أمل واضح في تغير هذا الواقع الذي نحياه في الضفة، فعلينا أن نوطن أنفسنا على التعامل مع هذا الواقع كما هو، وأن لا نستسلم له، بل علينا أن نبدع كما سبق وأبدعنا في مراحل سابقة حتى نحافظ على وجودنا، وعلى تواصلنا مع بعضنا، وعلى تمسكنا بدعوتنا.
قد يسأل البعض وما الذي ينبغي علينا فعله؟؟
قد لا أملك الجواب، وقد لا يملكه غيري، ولكني أدرك أن بعض المراحل تحتاج إلى الصبر وإلى مزيد من الصبر، حتى تتغير الظروف، ولنستحضر كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر على آل ياسر وهم يُعَذَّبون فيقول لهم: صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة، ولم يكن يملك - بأبي هو وأمي - أن ينجدهم بشيء إلا بهذه الكلمات.
فيا أحبابنا ويا إخواننا...
هذا هو الواقع، فلنفهمه ولنتعامل معه كما هو، ولا نجلس في بيوتنا ننتظر الحلول من وراء الغيب، فإن الله سبحانه قد كلفنا أن نسير في هذه الدنيا وفق قانون الأسباب، ونعتمد على رب الأسباب، ولندرك أن مشوارنا طويل، ولكن الذين يصبرون إلى آخر الطريق هم الذين سيفوزون بالدرجات العلى.
أسال الله أن يرزقني وإياكم الثبات، وأن يبدل هذا الحال الذي نحن فيه.
كنت مترددًا قبل أن أنشر هذا المقال، لأن حديثي عن توقعاتي للمصالحة قد يفهمه البعض على أننا لا نريدها، بينما الحقيقة التي لا شك فيها أن كل أبناء الحركة الإسلامية يرغبون في تحقيق المصالحة، ويريدون ذلك بشدة، لأنهم يدركون أن الوحدة من عوامل القوة اللازمة لتحقيق أهدافنا ورؤانا، ولكننا نريدها مصالحة مبنية على أسس سليمة كي لا ندخل في دوامات الماضي، ونعود مرة أخرى من نقطة الصفر.
إن رؤيتنا للمصالحة وأهميتها تنطلق من مبدأ وعقيدة، وليست تكتيكاً مرحليًّا كما يتوهم البعض، فنحن نؤمن أن أجواء الحرية والانفتاح هي التي تحقق مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته، وأن المستفيد الأول من الانقسام الحاصل هو الاحتلال وأذنابه، ورؤيتنا للمصالحة تأتي في سياق رؤيتنا لضرورة أن تتوحد كل جهود أبناء هذا الشعب ومن ورائهم جهود أمتهم الإسلامية لتحرير فلسطين كل فلسطين.
أقول هذا قبل البدء في الموضوع لئلا يتقوَّل البعض علينا ويتهمنا بأننا لا نريد المصالحة، بناء على إساءة فهم لما سيأتي من كلام.
والموضوع الذي سأتحدث فيه ليس جديدًا، فالحديث عن المصالحة يظهر ويخبو كل فترة منذ أن حدث ذلك الانقسام المشؤوم الذي فرض علينا فرضًا، وفي مرات عديدة عندما كان يطرح ملف المصالحة كنت وعددًا من إخواني خلف القضبان في سجون الاحتلال، وكان لدينا رأيان في التعاطي مع هذا الحدث:
أحدهما كان يرى أننا يجب أن ننشر الأمل في نفوس قواعدنا، وذلك حتى لا يصابوا بالإحباط.
والآخر كان أننا يجب أن نكون واضحين وموضوعيين في تحليلنا، حتى لو أدى ذلك إلى صدمة بين أوساط الشباب.
وقد كنت من أنصار الرأي الثاني، ولا أذيع سرًّا إن قلت أننا كنا الأقلية.
نعود للموضوع، منذ سنوات كلما كان يطرح موضوع المصالحة، ويتم تناقل الأخبار، كان يسود جوٌّ من التفاؤل بين أبناء شعبنا عمومًا، وبين أبناء الحركة الإسلامية على وجه الخصوص، ولكن هل هذا التفاؤل مبني على أساس سليم، أم أنه يتم استنادًا إلى الموروث الشعبي "تفاءلوا بالخير تجدوه".
بالنسبة لي شخصيًّا أعتبر نفسي إنسانًا متفائلاً، وذلك نابع من إيماني بأن الله سيحقق لنا وعده، ومن فهمي لطبيعة الصراع بين الحق والباطل، وأنه يمر بفترات التمحيص والشدة، ثم لا بد أن تكون النهاية مشرقة، ولكني لم أكن متفائلاً بقرب تحقيق المصالحة عندما كان يطرح موضوعها في الفترات السابقة، وذلك بناءً على معطيات موضوعية كنت أراها، وللأسف فإنني لا أزال أراها هذه الأيام، والتصريحات التي تصدر عن عباس والناطقين باسم السلطة وفتح هذه الأيام تؤكد للأسف ترجيح عدم التفاؤل.
وبدون الخوض الكثير في التفاصيل، لأن الكلام فيها يطول، فأنا أرى أن القوى المتنفذة في فتح وفي سلطة رام الله لا تريد المصالحة، وذلك لعدة أسباب منها:
1. أن المصالحة تتعارض مع مصالح هذه القوى، فالمصالحة تتطلب أن تكون هناك شراكة في العمل السياسي، وهم لا يريدون الشراكة لأنهم يعتبرون السلطة مغنمًا يخافون أن يقاسمهم الآخرون فيه، فنظرتهم للسلطة أنها مكان للكسب على شتى المستويات وليست موقعًا للجهاد والنضال لتحصيل الحقوق قد يتطلب من الموجود فيه دفع ثمن مواقفه، وهم تعودوا على القبض لا على الدفع.
2. المصالحة تستوجب إعادة بناء الأجهزة الأمنية على عقيدة غير عقيدة التنسيق مع العدو، وتنفيذ أوامره، وهؤلاء بلغ من انحدارهم أنهم أصبحوا مؤمنين بتعاونهم مع العدو، ويفتخرون بذلك.
3. المصالحة ستؤدي ولا بدّ لفقدان عدد من المتنفذين مواقعهم إما لفسادهم أو خيانتهم أو جرائمهم بحق أبناء شعبهم، وهؤلاء هم الذين يحكمون ويرسمون هذه الأيام، وهم الذين بأيديهم الحل والربط.
4. المصالحة تحتاج أحد أمرين: رجالاً يتمتعون بالجرأة لقول "لا" لأمريكا وإسرائيل، وهؤلاء لم يبق منهم في الصف المقابل أحد، فالباقون إما جبناء أو مستفيدون من هذا الموقف الانبطاحي، أو أن تتهيأ لها أجواء دولية، تجعل القوى المتنفذة والمتحكمة في قرار السلطة وفتح تسمح لها بالمضي في طريق المصالحة.
لا أريد أن أخوض أكثر في الأسباب، ولكنني مع ذلك مؤمن أن كل هذه العوامل قابلة للتغيير، وذلك لأنه لا يزال يوجد في أبناء فتح – هكذا أظن – قلة ليست راضية عما يحصل، وهذه القلة ليس بيدها الأمر والنهي هذه الأيام، ولا بد أن يتحركوا ليستعيدوا ما سُرق منهم من تاريخ حركتهم، وعندما يحصل ذلك، وينضج هؤلاء، ويصبحون مستعدين لتولي زمام الأمور، يمكن أن نصل وإياهم إلى مصالحة مستندة إلى الحفاظ على الثوابت وعدم التفريط فيها، وحتى يحدث ذلك فلا أرى أنه يمكن أن تتحقق المصالحة التي نريد.
لماذا أقول ذلك مع علمي أن البعض سيتهمني بأنني أنشر التشاؤم بين أوساط شبابنا وقواعدنا؟؟
أقول ذلك لإيماني أن شبابنا واعون، وأن من حقهم علينا أن نصارحهم، ولأن تعاملنا مع الواقع الذي نعيش ناتج عن فهمنا له وتصورنا لحقيقته، فإذا كنا نتوقع المصالحة بين حين وآخر، سنبقى نحلم بها ونبقى قاعدين في بيوتنا انتظارًا لهذا القادم الذي لن يجيء قريبًا.
أما إذا أدركنا أن الواقع الذي نعيشه هو ما هو عليه، وأنه لا يظهر في الأفق القريب، ولاحظوا أنني أتحدث عن الفترة القريبة ولا أدعوا للتشاؤم الكلي، أقول لا يظهر أمل واضح في تغير هذا الواقع الذي نحياه في الضفة، فعلينا أن نوطن أنفسنا على التعامل مع هذا الواقع كما هو، وأن لا نستسلم له، بل علينا أن نبدع كما سبق وأبدعنا في مراحل سابقة حتى نحافظ على وجودنا، وعلى تواصلنا مع بعضنا، وعلى تمسكنا بدعوتنا.
قد يسأل البعض وما الذي ينبغي علينا فعله؟؟
قد لا أملك الجواب، وقد لا يملكه غيري، ولكني أدرك أن بعض المراحل تحتاج إلى الصبر وإلى مزيد من الصبر، حتى تتغير الظروف، ولنستحضر كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر على آل ياسر وهم يُعَذَّبون فيقول لهم: صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة، ولم يكن يملك - بأبي هو وأمي - أن ينجدهم بشيء إلا بهذه الكلمات.
فيا أحبابنا ويا إخواننا...
هذا هو الواقع، فلنفهمه ولنتعامل معه كما هو، ولا نجلس في بيوتنا ننتظر الحلول من وراء الغيب، فإن الله سبحانه قد كلفنا أن نسير في هذه الدنيا وفق قانون الأسباب، ونعتمد على رب الأسباب، ولندرك أن مشوارنا طويل، ولكن الذين يصبرون إلى آخر الطريق هم الذين سيفوزون بالدرجات العلى.
أسال الله أن يرزقني وإياكم الثبات، وأن يبدل هذا الحال الذي نحن فيه.