أود في البداية أن أؤكد على أن ما أكتبه هنا هو تعبير عن رأيي الشخصي لوحدي، وهذا الرأي لا يمثل أي جهة من الجهات.
الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) أعلن قبل أيام عن استعداده لزيارة قطاع غزة خلال الأيام القليلة القادمة لإنهاء الانقسام، داعيًا رئيس الوزراء الأخ (إسماعيل هنية) لإجراء ترتيبات زيارته، واستقباله في معبر بيت حانون بالتنسيق مع فصائل العمل الوطني والفعاليات الشعبية.
فهم البعض أن هذا الإعلان جاء استجابة لدعوة الأخ (هنية) للبدء في حوار فوري وجادّ لإنهاء الانقسام، ولكن هل هذا هو الواقع؟؟
في البداية يجب أن نقرأ بدقة ما قاله (عباس)، فهو قد أعلن استعداده للذهاب إلى غزة من أجل:
1. تشكيل حكومة من شخصيات وطنية مستقلة
2. التحضير فورا لانتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني خلال ستة أشهر تحت رعاية الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
كما أن عباس شدد في كلمته على انه لن يذهب لغزة للحوار مع حماس؟!!
إذًا فـ (عباس) لا يريد الحوار، وإنما يسعى لتحقيق ما يسميه زورًا وبهتانًا انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف دولي.
وهذا هو ما أكده الناطقون باسمه، الذين تقوم وظيفتهم على تفسير تصريحاته، فأمين سر المنظمة (ياسر عبد ربه) قال في تصريحات لتلفزيون فلسطين الرسمي:"الرئيس أكد أنه ذاهب إلى قطاع غزة ليس من أجل الحوار، وإنما من أجل إنهاء الانقسام والمباشرة بخطوات عملية، بتشكيل حكومة وفاق وطني من شخصيات وطنية ومستقلين، تحظى برضى الجميع، وبعيده عن الفصائلية".
أما رئيس كتلة فتح البرلمانية (عزام الأحمد) فقد صرح لـ (القدس العربي) بأنه "لا علاقة لمبادرة أبو مازن بدعوة هنية إطلاقا، وتختلف جذريا عما تقوله حماس بأن توجه أبو مازن لغزة جاء استجابة لدعوة إسماعيل هنية، أبو مازن قال بشكل واضح: أنا ذاهب لتشكيل حكومة وليس للحوار".
ما المغزى من كل ذلك:
يجب أن نعلم – بدايةً – أنه لا يمكن معالجة أعراض أي مرض دون معرفة أسبابه ومعالجتها، فالانقسام مجرد عَرَضٍ لمرض نخر في جسد الشعب الفلسطيني، فهو كالصداع الذي يرافق مرض ارتفاع ضغط الدم، لو أخذت له كل المسكنات فلن تفلح ما لم تعالج المرض الأصلي وهو ارتفاع ضغط الدم، فهل مشكلة الانقسام متعلقة بـ (تشكيل الحكومة) و (إجراء الانتخابات) كما يزعم عباس وفتح؟؟ أم أن سبب الانقسام شيء آخر؟؟
الكل يعلم بأن مشكلتنا ليست في ذلك، بل مشكلتنا في عدم إيمان فتح وعباس بـ (الرأي الآخر ومبدأ تداول السلطة)، وهذا هو الذي سبب انقلابهم على الشرعية التي نالتها حماس في انتخابات سنة 2006م، والتي كانت حرة ونزيهة بشهادة الجميع، وهنا يجب أن نلاحظ أن عباس توجه بدعوة (هنية) لاستقباله خلال ممارسته مهامه كرئيس فلسطيني باعتبار (هنية) قياديا في حماس، وليس رئيس وزراء الحكومة التي نالت ثقة المجلس التشريعي.
كما أن من مشاكلنا المستعصية استلقاء فريق أوسلو في أحضان الصهاينة والأمريكان، ولو أدى ذلك إلى إراقة دماء أبناء شعبهم وإلى محاربة الشرفاء والمجاهدين.
ومن مشاكلنا ذلك الفساد المستشري في أجهزة السلطة، والذي يجعل أصحابه خائفين من كل ما من شأنه فتح الطريق لمحاسبتهم على جرائمهم ضد الشعب.
وهناك الكثير من المشاكل المنبثقة عما سبق لن أستطرد في استقصائها، ولكني أجزم أن مشكلتنا لن يتم حلها بإجراء الانتخابات وتشكيل حكومة مستقلين.
وهناك سؤال يطرح نفسه: لماذا هذا الإصرار الغريب من عباس وفتح على موضوع الانتخابات في هذه المرحلة؟؟؟ هل أصابتهم نوبة من (الديمقراطية)؟؟؟ أم أنهم ينوون – كما يظن البعض – تزوير الانتخابات، وهم متأكدون أن العالم سيسكت عن تزويرهم ليعطيهم الشرعية التي يفتقدونها.
أنا شخصيًا أظن أن الانتخابات لو حصلت فلن تزور بالطرق التقليدية للتزوير، تلك الطرق التي كان يستخدمها حكام العرب المدحورين، ولكن التزوير سيحدث بطريقة أخرى،،،
التزوير التقليدي يقوم أساسًا على تغيير صناديق الاقتراع، وإدلاء الموتى بأصواتهم، ... الخ.
لكن هناك نوعًا آخر من التزوير يقوم على أساس
· فرض الرعب في المجتمع من التصويت لجهة معينة تحت طائلة الملاحقات الأمنية، وهذا ما يحصل عندنا في ضفة الأحرار المقهورين.
· ومن عناصره تغييب المؤهلين للترشح من غير المرغوبين في غياهب السجون، وقد ابتلينا فوق سجون الاحتلال بسجون ذوي القربى.
· وكذلك تغييب العناصر والكوادر - من أبناء التنظيم والمناصرين- الضرورية لإدارة أي عملية انتخابية، وهؤلاء عندنا إما معتقلون أو ملاحقون.
إن أي عملية انتخابات حرة ونزيهة لا يكفي لها أن لا يتم تغيير صناديق الاقتراع، بل لا بد لها من أرضية مهيئة من أجواء الحرية التي تسمح للراغبين بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم دون خوفهم من الملاحقات الأمنية.
بالملخص أقول (وهو رأيي الشخصي كما سبق وأكدت) إن استعداد عباس لزيارة غزة بشروطه إنما هو فخ يريد منه الوصول إلى نقطة يستطيع معها إجراء انتخابات لم تتهيأ لها الظروف، تحت سياط الأجهزة الأمنية المنسقة مع الصهاينة، والوالغة في دماء أبناء الشعب، إن إنهاء الانقسام يتطلب إنهاء مسبباته من عدم القبول بنتائج انتخابات 2006، والتنسيق الأمني، والانبطاح في أحضان أعداء الأمة والشعب،.... الخ.