نشرت
بعض المواقع ما تزعم أنه تنبيه لحكم شرعي متعلق بإلحاق اسم عائلة الزوج في نهاية
اسم زوجته، فقد نشرت صورة فيها عنوان (انتساب الزوجة إلى عائلة زوجها) ونقلت تحته
حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيه قوله: (مَنِ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ
أَبِيهِ ...، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ)
والذي
يفهم بداهة من هذا المنشور أن ذكر اسم عائلة الزوج في نهاية اسم الزوجة يدخل تحت
مفهوم هذا الحديث.
ولأن
هذا الكلام غير دقيق، فقد أحببت تبيان ذلك للمهتمين وطلبة العلم، فأقول مستعينًا
بالله تعالى:
موضوع
إلحاق اسم عائلة الزوج باسم الزوجة، وإن كنت لا أحبّه، ليس له علاقة بهذا الحديث.
وللأسف
فإن مثل هذه (المنشورات) تحتوي على إساءة لفهم كثير من قضايا وأحكام الشريعة
الغراء.
ولتوضيح
ذلك، أقول:
·
فهم الحديث يجب أن يتم بعد جمع رواياته المتعددة،
لأن كثيرًا من الرواة كانوا يذكرون الحديث بالمعنى، وليس باللفظ، مما قد يوقع في
سوء الفهم، وهذا يتم تداركه عبر جمع روايات الحديث.
·
كما أن الكلمات المستخدمة في الأحاديث النبوية
وأقوال السلف قد لا تكون بنفس المعنى الذي يتبادر إلى أذهان المعاصرين، إذ تصبح
لبعض الكلمات معانٍ عرفية تختلف عن أصل استخدامها، ولذا يجب الرجوع إلى كتب شرح
الحديث أو كتب اللغة لفهم المعنى المقصود من الكلمة أو المصطلح.
بناءًا
على ما سبق:
·
هذا الحديث بهذا اللفظ رواه ابن ماجه عن ابن
عباس، والحديث قد ورد من روايات العديد من الصحابة، فقد ورد (في الكتب الستة فقط)
من رواية: عليّ بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وأبي بكرة، وأنس بن مالك، وابن
عباس، ووَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ، وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وعَمْرِو بْنِ
خَارِجَةَ، وأَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، رضي الله عنهم أجمعين.
وقد ورد الحديث بلفظ (من انتسب) في رواية واحدة فقط، وهي رواية ابن عباس
عند ابن ماجه، وهي المذكورة في الحديث المنشور أعلاه.
أما بقية الروايات فكلها جاءت بلفظ (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ)، وفي رواية سعد وأبي بكرة للحديث –
وهي عند البخاري، ح4326، ح6766، ح6767، ومسلم، ح(63)، وابن ماجه، ح2610، وأبي
داود، ح5113 – جاء الحديث بلفظ (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ
أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ).
·
إذًا فالمقصود من كلمة (انتسب) في رواية ابن عباس
هو (أن يدّعي المرء أبًا له غير أباه الحقيقي)، وليس المقصود فيها أن يذكر اسم عائلة
أخرى غير اسم عائلته مع اسمه، دون أن ينتفي من أبيه.
·
كلمة (انتسب) مشتقة من الفعل (نسب)، والذي يعود
أصل معناه إلى (اتِّصَالُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ) ومنه اشتقّ (النَّسَبُ)، وسُمِّيَ بذلك
(لِاتِّصَالِهِ وَلِلِاتِّصَالِ بِهِ)، كما في مقاييس اللغة لابن فارس.
·
وعليه فكلمة انتسب هنا لا تحمل على المعنى اللغوي
العام لها، إذ المعنى العام لها في اللغة يتيح للمرء أن ينتسب إلى كل ما له اتصال
به، ولذلك يمكن أن ينتسب المرء إلى بلده، فتقول: الخليلي والمقدسي، وأن ينتسب إلى
مذهب، فتقول: فلان الشافعي، والمالكي، وهكذا.
·
وهل يجوز نسبته إلى قبيلة أخرى ليس بيه وبينها
انتساب بالدم والميلاد؟ أقول نعم يجوز، والعلماء ينسبون الشخص لمن كانت له علاقة
به عن طريق ما يسمى (الولاء)، وهو عندهم ثلاثة أنواع؛ ولاء الحلف، وولاء الإسلام،
وولاء العتق، والذي يقرأ كتب التراجم يجد كثيرًا من ذلك، ومن الأمثلة عليه الأسماء
التالية:
ü
الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة
(الجُعْفِيّ) البخاري، وهو لم يكن (جُعفيًّا)، وإنما قيل له (الجُعْفِىّ) لأن أبا
جدّه (المغيرة بن بردزبة) أسلم على يدي (يمان الجُعْفِىّ)، والى بخارى، فنسب إليه،
وهذه تسمى نسبة ولاء الإسلام، إذ ينتسب الرجل فيها إلى من أسلم على يديه.
ü
الإمام سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ بنِ أَبِي
عِمْرَانَ مَيْمُوْنٍ (الهِلاَلِيُّ) لم يكن من بني هلال، قال السمعاني في كتابه
(الأنساب، 13/ 440) عن الهلالي: (هذه النسبة إلى بني هلال، وهي قبيلة نزلت الكوفة،
والمنتسب إليها ولاء الإمام أبو محمد سفيان بن عيينة ابن أبى عمران، واسمه ميمون
الهلالي، مولى امرأة من بنى هلال)
ولو أردنا ذكر الأمثلة فإن ذلك يطول.
·
أما اللفظ الوارد في أغلب الروايات، وهو (من
ادّعى) فإن عبارة (ادَّعيتُ الشيءَ) تعني (زَعَمْتُهُ لِي حَقّاً كَانَ أَو
بَاطِلًا)، و(الدِّعْوة) بِكَسْرِ الدَّالِ تعني (ادِّعاءُ الوَلدِ الدَّعِيِّ
غَيْرَ أَبيه) أو (أَن ينْتَسب الإِنسان إِلَى غَيْرِ أَبيه وَعَشِيرَتِهِ)، وهذا
المعنى لا ينطبق على تسجيل المرأة باسم عائلة زوجها.
والخلاصة
أن فهم الأحاديث واستنتاج الأحكام منها لا يكون بالمتبادر إلى الأذهان بدون مراجعة
أقوال السابقين، لأن التمكن في اللغة العربية هو الأساس في الفهم، وهذا الأمر
مفقود في أبناء هذا الزمان.