أيها الباكي الشجاع ... صبرًا ... فالنصر قريب
رغم أن الرغبة راودتني عدة مرات خلال الأيام الماضية للتعليق على ما يجري في مصر الإسلام والعروبة إلا أنني رجحت - لعدة أسباب - الاكتفاء بالمتابعة المستمرة لما يجري، مع الدعاء الدائم لأن يحفظ الله شباب مصر وشعب مصر ويديل الظالمين ومن معهم، غير أني قررت أن أكتب هذه الكلمات للتعبير عن الشعور الذي انتابني هذا الصباح وأنا أستمع إلى الدكتور الطبيب خالد حنفي، وهو مدير لمستشفى ميداني بميدان التحرير، ميدان تحرير الأمة من عقدة الخوف والاضطهاد.
كان د. خالد يروي للجزيرة مشاهداته، والعبرات تخنقه، ثم يتماسك، وبعدها يغيب كلامه وراء صوت بكائه.
سمعته يروي: أن عددًا من المصابين من أشبال مصر الكنانة الجرحى على يد بلطجية النظام كانوا يرفضون نقلهم للعلاج بسيارات الإسعاف لئلا يغادروا ميدان العزة والصمود.
وسمعته يقول: أنهم في المستشفى الميداني عالجوا أحد أبطال مصر أربع مرات، وكلما كان يعالج كان يعود لمنقطة المواجهات ليدافع عن عزة الأمة كلها – وليس مصر وحدها - وكرامتها وحريتها، فيصاب ثم يعود فيعالج، ويعود لميدان الدفاع عن الأمة.
وسمعته يعلن أنه ومعه 35 طبيبًا و60 مسعفًا و100 مساعد طبي لن يتركوا هؤلاء الشباب الذين رفعوا رأس مصر.
أخي د. خالد:
رغم أنني لا أعرفك، ولم أسمع بك قبل هذا الصباح إلا أنني أقولها لك باسمي واسم الكثيرين من شعب فلسطين ومن أمة الإسلام: إنا نحبك في الله، بل ونحب كل هؤلاء الأبطال الذين رفعوا رأس الأمة كلها إلى عنان السماء.
أخي الحبيب، حفظك الله أنت ومن حولك:
أتدري ما قراءتي لدموعك التي هزت مشاعرنا، ولصوت بكائك الذي استدعى دموعنا؟؟
أنا أعلم أن البعض قد يظن هذا البكاء ضعفًا، ويخجل منه، فقد تربى الكثيرون منا على فكرة أن البكاء للنساء، لأنهن ضعيفات، وأن الرجال لا يبكون، ولكن هؤلاء قوم ما عرفوا ولا ذاقوا، ولو عرفوا وذاقوا لعلموا أنه لا يبكي إلا من كان رقيق النفس، حيَّ الشعور، رحيم القلب، ومن كان كذلك فهو الذي يملك مؤهلات الحب، والمحب هو أكثر من يستطيع أن يضحي لأجل من يحب، ولا يقدر على التضحية إلا الشجعان.
البكاء ضعفٌ من ناحية، ورقَّةٌ من ناحية، ولكنه قوةٌ من ناحية أخرى، انظر إلى المرأة التي يستخدمونها رمزًا للضعف والرقة، تبكي لأقل ألمٍ يصيب طفلها، ولكنه إذا تعرض للخطر انقلبت إلى لبؤة ضارية تدافع عنه ولو بروحها.
استشهد حمزة بن عبد المطلب، فبكى سيدي وحبيب قلبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وانسكبت دموعه الغالية، ومات إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلوات ربي عليه، فبكى – بأبي هو وأمي - ، وزار عليه صلوات الله وسلامه قبر أمه، فجلس على شفير قبرها وبكى، وبكى معه المسلمون فما رئي بكاء أكثر من يومئذ، ولم يكن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ضعيفًا، بل كان سيد الشجعان.
الشجاع الرحيم – مثلك أخي د. خالد حنفي – يرى مصائب الأمة، يرى جراحاتها النازفة، فيرتجف قلبه، وتدمع عينه، بل قد ينشج نشيج الثكلى، ويعلو صوته بالبكاء – كما فعلتَ أنت -، وبعد ذلك ينقلب هذا البكاء غضبًا على الأعداء والطغاة، ونارًا تحرقهم.
وعن نفسي أحدثك: لقد بكيتُ في حياتي مراتٍ لا يمكن إحصاؤها، ومع ذلك كنت أجد نفسي بعد أن أبكي: أقوى، وأشدَّ عزيمة، وأقوى شكيمة، وأكثر إصرارًا على السير في طريق المصاعب الشاق.
نعم، إنها الحقيقة، لا يبكي بكاء الرجال إلا الرجال الشجعان، مثلك أخي د. خالد حنفي، وليس أي رجال.
فتحياتي لك أيها الباكي الشجاع.